28-أكتوبر-2016

الروائي وليد السابق/ سوريا- كندا

"لقد قتلت رجلًا، غادر المكان بسرعة"، بهذه الكلمات الست يفتتح الكاتب السوري وليد السابق، عمله الروائي الأول "أصل العالم" (دار الآداب، 2016) لتبدأ بعدها قصة يوسف، غير معروف الانتماء، سوى أنه يعمل حارسًا ليليًا في مقبرة لبلدة تبعد عن المدينة مسافة ساعة واحدة.

كتب وليد السابق روايته الأولى متكئًا على لوحة "أصل العالم" لغوستاف كوربيه

يتغير مسار حياة يوسف، منذ يبدأ بسرد موت الشحاذ الذي أراد أن يمنعه من الاقتراب منه، ليدخل بعدها في حوارٍ داخلي، وأحلامٍ تسيطر على معظم مفاصل الرواية، لكنها تظهر أن يوسف كان يعيش على الهامش، أي لم يشعر أحدٌ بوجوده من عدمه، إلا المرأة نصف العارية التي أخبرته أنها منذ رأته في المقبرة عرفت أنه سيأتي إلى منزلها.

اقرأ/ي أيضًا: رجل حزين يحاور الكتب في فرانكفورت

واختصارًا لسرد مفاصل الرواية بشكل متسلسل للأحداث، يمكن الاستعانة بما كتبه الناشر على الغلاف الخلفي: "يوسف، الباحث أبدًا عن الاكتمال الأصليّ عبر التوحُّد مع الطبيعة، يرتكب جريمةً بعد مشاجرة ما، ويهرب من المدينة خوفًا على حياته. فيجد نفسه في مدينة غريبة تموج بأُناس يسيطر عليهم الشكُّ والريبة، وتنقسم بشكل حادّ بين فقراء طيِّبين وأثرياء منعزلين؛ مدينة لا تحنّ عليه ولا تقدّم له سوى كوابيسَ.. وامرأةٍ صاعقةِ الجمال".

المرأة ذاتها تدخل القصة، بشكل مكثف بعد رؤيتها في القصر نصف عارية، وأيضًا كونها امرأة مجهولة الهوية، لا يعرف عنها غير أنها زوجة التاجر الثري الميت، لكنها لم تختلف مع يوسف كثيرًا، لأنها أحبها بخوف أفقده الاعتراف بذلك، كما خوفه من بيع الساعة الذهبية، رغم أنه باعها في النهاية، أو هروبه من الأسئلة لأنه لا يعرف الكذب.

متكئًا على لوحة "أصل العالم" للفرنسي غوستاف كوربيه، التي تصور امرأة بنصف جسدها السفلي، يظهر فيها الفرج مع العانة الكثيفة، والسرة، ونصف النهد الأيمن، يأخذ السابق بطله يوسف، الذي يعيش في بلدة لم تصلها حداثة المدن، لأنها لا تزال تتأثر برائحة الذرة من الأراضي، في رحلة للمجهول، ليجد دائمًا نفسه أمام قصرها، ويصبح بعدها الدخول إليه سهلًا، لأجل إلقاء نظرةٍ سريعة مثل العشاق المراهقين.

يوسف ابن البلدة الفقيرة، لا يخفِ تأففه من الحياة المدنية، أي تلك النواحي التي لم تصل إليهم، على الرغم من المسافة القصيرة، ويجهل أي من معالمها، حتى عندما ذهب إلى "دائرة المحفوظات" لم يصدق أنها هي مقصده، كان يظن أنه أخطأ في العنوان، وعندما سهى في الحافلة ووجد نفسه أمام "مجمعان اختباريان لتجارب الجيش"، خاف من أن يظنونه جاسوسًا.

في "أصل العالم"، نقرأ خروجًا مختلفًا على المناخ الروائي العام الذي سيطر على المشهد

اقرأ/ي أيضًا: بوب ديلان.. في مهب الصهيونية

ضمن هذه الحبكة الروائية تمضي حياة يوسف، التي حمّلها أكثر من ثلاث جرائمٍ، دون أن يسمع بها أحد، يشتري الجريدة يوميًا ليرى إذا اكتشفت جريمة القتل، دون أن يعرف إن مات الرجل أم بقي حيًا، لكن الحادثة صارت الفعل المسبب للاضطرابات النفسية المتوالية لبطل الرواية، مع ألمٍ في المعدة يأتيه بين فترةٍ وثانية، آخرها كان عندما اكتشفت المرأة نصف العارية وجوده، إلا أن لمسها لكتفه جعله يشعر بالخوف.

يُذكرنا يوسف في هذا المشهد، بأولئك الذين تحدثت عنهم الصحف العالمية، كيف يحدقون في لوحة كوربيه، وينظرون للفرج بخوف ودهشة. يقف يوسف أمامها متلبكًا لا يقوى على النطق، وعندما سُنحت له الفرصة، قال لها: "صدقيني أنا لستُ لصًا، ولا أريدُ إيذائك أبدًا"، حتى في اللحظة التي كان يجب أن يتحدث عن مشاعره، خاف من البوح بها، وقرر الدفاع عن نفسه من تهمةٍ لم يرتكبها، وقرر إنهاء حياته التي لم يسمع بها غير المتلقي.

في رواية "أصل العالم"، نقرأ خروجًا مختلفًا عن السياق الروائي العام الذي يتصدر المشهد الروائي، يملأه الحنين للماضي، وزمن النضال اليساري إبان السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، كتلك التي تعمد على تصديرها الرواية المغاربية. إذ أن السابق، المقيم في كندا، اعتمد في عمله الأول على شخصية مهزوزة نفسيًا، ولدت على هامش مجتمع المدن الذي أسست له السلطة، إنسان بسيط يبدو أنه لم يتلقَ التعليم أبدًا، لكنه ينفتح على أسئلة الوجودية، عن التفاوت الطبقي بين الأحياء الفقيرة والثرية، عن أشخاص يعيشون حياتهم ببساطة، لأنهم يخافون من طرح الأسئلة، أشخاص أرادوا أن تمضي حياتهم بسلام، لكنها تحولت إلى رحلة فلسفية سارعت بالقضاء عليهم، أولئك البسطاء الذين لم يهتم لوجودهم أحد.

اقرأ/ي أيضًا:

ربيع علم الدين يفوز بـ"فيمينا": خصوصية الروائي

عبد اللطيف ولد عبد الله.. أن تكتب الجريمة