07-أبريل-2018

رندا مداح/ سوريا

ظلام

قالَ الظَلامُ: كُنتُ وَحيدًا، قَتلتُ كلّ احتمالاتِ النور، وجلسْتُ على مَقعدِ الليلِ الشاغرِ، أجدّلُ شَعرَ بناتَ العتمةِ الوحيدات ثم أحرسُ النَوم من عِواء اليقظةِ لأرتخي فوق ضمورِ الحكاية، ربّيتُ نارَ التوهّجِ في قناديلَ المَراكب وحَفِظتُ مواويلَ الصيّادين من الوحشةِ، غابَ ضوءُ القَوافلِ التي مرّت على جسدي وفقدتُ حكمتي كما يفعلُ العجزةُ الزّاهدون.

ولأني ظلام أنثرُ مع كلِ صباحٍ رمادي لئلّا يتبعني أحد.

 

أَيُّها الغَريبُ 

أَعِدْ قَلبي إليَّ أَيّها الغَريبُ، أَحِتُّ عَنه صَدأَ المُكوثِ، أُدَلّكهُ بِزيتِ الأُمهاتِ وأُودِعُهُ مَراعيَ الغُزلانِ.. يَرعى حيثما ينمو التَجلي.

أُريدُ قلبي، أُسيّجهُ رُقى الجَدّاتِ وكَلامهنْ المُدوي في طينِ الحَبيباتِ منذ بدءِ الحِكايةِ، أَنفخُ فيهِ نَفسَ الوَليدات وأُحيطَهُ بِالتّوسلِ يَغدو مقامًا لصلاةِ الدُموع، أُواريهِ عن سَوءةَ إخوتي وأَحميهِ منَ الُلهاثِ يَصيرُ شَهقَة الحَقِّ الأخيرةِ.

أُريدُ قلبي أُسَجّيهِ على قِربِ الخَلوةِ الساكنةِ، يَكونُ سَرمديًا في الزَوالِ وعَدمَ البَقاءِ حيثُ تَحِلُ الحَقائقُ مُستقرّها.

أُريدُ قَلبي أيّها الغريبُ، أكثرَ مما يَكونُ عليهِ قلبٌ، أقلَّ من أن يكونَ له نَبضٌ يتوقّفْ.

 

يَحدثُ كُلَ شَيءٍ إلا

أنْ أَفقدَ ذاكِرَتي ويَنفَتِقُ من رَأسي

سَائلُ الأَسماءِ والصِفات.

أنْ أَغدو فَراغًا منْ هواءٍ

أبيض وأوليّ كَسائلٍ مَنويٍّ

شَاسِعٌ كَصَحراء

موحشٌ كَليلِ البَراري

عاجزٌ مِثلَ جَهلٍ بَهيميٍّ

أُصافحُ من قالوا إنَهم أصدقاءٌ قدامى

بيدٍ تفقدُ المَعنى.

وأُصدّقُ كلَّ ما يُوحى إليَّ

كما يَفعَلُ الأنبياءُ والشَجر

وحينَ يَقرُصُنِي النَحلُ أَعرِفُ الأَلمَ

وكُلما شَرِبتُ العَسلَ

نَسيتُ الطَريقةَ والطَريق.

 

أن أفقدَ ذاكِرَتي

وأتحلّقُ كعلامةِ استفهامٍ عَريضٍ

كُلما عَثرتُ على إجابةٍ نَسِيتُ سُؤالَها

أنْ أتحسّسَ وردةً أسفلَ ظَهري

لِأعرفَ أنَ ثمةَ من تَركَ قُبلَةً ومَضى

وأُتابِعُ حركةَ الَفَراشاتِ

لِأُصغي إلى عَزفِ كَمنجاتٍ قَديمٍ في دَمي

 

أنْ أفقِدَ ذاكِرَتي يَعني

أن أجلسَ وحيداً آخرَ النَهِارِ

لِأتَقيأَ هذا كُلَه.

  • قصائد من مجموعة "خانني العرّافون"، الحائزة على "جائزة علي الخليلي" للشعر

 

اقرأ/ي أيضًا:

باب الخوف: روايات الآحاد

باب القتلى: العائلة