28-يوليو-2022
من مسرحية إسبانية مأخوذة عن رواية حفلة التيس

مسرحية "حفلة التيس" في مدريد 2020

1

ثمة أمر استثنائي يفعله الأدب العظيم، وهو أنّ أناسًا من بلدان ولغات مختلفة يصبحون متشابهين أمام رواية مثل "أولاد حارتنا". هذا ما نراه بأمّ العين في المواقع التي تتيح للقرّاء أن يكتبوا مراجعاتهم. والسؤال الذي يخطر لي: هل كانوا كذلك من قبل وكل ما في الأمر أن هذه المساحة التي يكتبون فيها هي من كشفت ذلك؟ أم أنّ قوة هذه الرواية هي من فعلت فعلها بقلوبهم وعقولهم، ثم جعلت أصابعهم تنطق على الكيبوردات بذلك التقارب؟

ليس النمر رفيق طريق في "حياة باي"، بل قارب النجاة، بل العناية، بل يد الله التي آمن به الفتى في كل الأديان التي تعرّف عليها، وها هي تمتد إليه لتخرجه من المتاهة الزرقاء

2

أحبَّ باي النمر. منذ الزمن السعيد للعائلة في الهند وعملهم في حديقة الحيوانات الخاصة بهم، ومنذ انشغل هو نفسه في البحث عن الإله في كل الأديان، وإيمانه به فيها كلها، حتى صار هندوسيًا يهوديًّا ومسيحيًّا مسلمًا.

حين وجد نفسه في المحيط، مع النمر البنغالي ريتشارد باركر على قارب النجاة بعد غرق السفينة وموت أهله وحيواناته رأى آلهته كلها، لأن ذلك النمر مثّل ما هو أخطر من المحيط، الذي حين تكون في مجاهيله وبين أمواجه على مركب صغير فربما تغرق أو تنجو، لكن حين يكون معك على ذلك المركب نمر بري جائع فسوف يأكلك، ولهذا ستبقى متيقظًا وتنجو!

إذًا ليس النمر رفيق طريق في رواية "حياة باي"، بل قارب النجاة، بل العناية، بل يد الله الذي آمن به الفتى في كل الأديان التي تعرّف عليها، وها هي تمتد إليه لتخرجه من المتاهة الزرقاء.

3

الضحية تُشفى حين تتكّلم. لا يمكن لمن قرأ "حفلة التيس" إلا أن يفهم عمق ذلك، فالمعاناة العميقة لأورانيا كابرال العائدة بعد 35 سنة من الاغتراب إلى بلدها ستنتهي بالنسبة لها حين تروي سر حياتها؛ دكتاتور بلدها الدومنيكان تروخيو، الملقب بالمُنعم، قام شخصيًّا باغتصابها وهي بعد في سنتها الرابعة عشرة. الأسوأ من ذلك الاغتصاب أن والدها هو من قدمها هدية له.

أما العودة بعد كل هذه العقود إلى بلاد المأساة فلأجل أن تروي حكايتها وتطوي صفحات من المكابدات النفسية.

هذا ما نعرفه عن أورانيا، التي تمثّل الخط الخيالي في عمل روائي قائم على التوثيق، لكن الأدب يقلب المنطق فنعرف عن الدكتاتور مما هو خيال أكثر ما سنعرف عنه مما هو توثيق.

4

"البخور هو الأقرب إلى الإنسان لأنه يشبه الروح. خواء ملوّن بالأبيض. الكثيف. هكذا نحن بياض كثيف نغطيه بسواد ثيابنا كي نتواضع، ونلبس الحداد على خطايانا. الإنسان بخور. والموت يعيدنا إلى الجوهر. الله يميّز الخاطئ من البارّ من الرائحة".

كلمات تأتي من الراهبة هيلانة في "كأنها نائمة" لإلياس خوري، الرواية التي كان عليه أن يغامر ويكتب على غلافها بدلًا من ذلك التصنيف: قصيدة.