18-أغسطس-2021

لوحة لـ محمد بن لامين/ ليبيا

التقطت صورًا شعرية من حديقة عمومية،

وبما أنها أصبحت ملكية خاصة..

صرت متهما بالمدح

*

وبالكاد أتذكر شجرة الليمون التي لم يكن بينها

وبين المخلوقات سياج

احترمتها الشمس والتهمها الماعز

ثم عفوت مجبرًا عن سيدها المحكوم عليه بالجفاف.

*

استيقظت صباحًا

فظن العسس أنهم أيقظوني

دهنوا المنصات بالبيض

ودهنوا الخطباء بالقطران وشمع العسل

وأخرجوا الكورال مرسومًا على فسيفساء قديمة،

الغريب أنها كانت بالأبيض والأسود..

*

استيقظت في صباح آخر

وكل هدفي تفنيد مساندتي

لطبق الجمبري المرفوع على مسلة الساحة الكبرى

ومكبرات الصوت تصدح: سيدنا الجمبري أعلى من البحر.

*

في الحقيقة كانت أمنيتي أن أصحو

وورقة استقالة الخنزير الذي نفذ من السيد المسيح بسلام،

على كل الموائد الوطيئة في الربوع

*

ظنوني كاهنا

والدين في بيتي.. مثل البيانو في بيوت النبلاء

لذا لا أتسامح مع من فقدوا عقولهم طلبا للحياة

وهاهم يتسولون النقود، ويحتكرون أجمل الأشجار في المنتزهات،

وهذا يزعجني.

*

لم أتعود النضال مع الناس

لكنني أحب معاكسة سيرهم

واعتراض طريقهم، وأنا ألف قلبي في كمامة

وأمسكه مسكة المسدس.

*

أسافر دائمًا وحدي

وأكثر ما يفزعني هو الاستعداد للقيء،

الذي مثل حضن مازال لم يمحر جدرانه بعد.

أتقيأ أخيرًا

وهكذا أكون قد تناولت طبق الراحة

الذي لا بد أن يقدم فارغًا.

*

صرت ذكيًا

حين تحولت إلى زنبقة ماء

في بحيرة امرأة سخية

ما إن بسطت أكمامي

حتى بدأ الإوز ينفلت منها

وأنا تعبت من السماء..

ومن كوني الإوز الذي انفلت من بحيرات كثيرة.

*

كل ساعاتي الفاخرة

لم تتحمل الوميض الدافق من عين حاسد

وحدها ساعة من فصيلة اللدائن، نجت

كانت سوداء كلون العلم الوطني الذي في القلوب

سوارها وإطارها وثوانيها من مشتقات نفط الوطن

الذي يحمل دراجة الثروة على كتفيه ويسير..

*

في منتصف الطريق والقصيدة:

أهلًا بكم ايها الشجعان الأغبياء..

لماذا لم تتحدوا في مطاردة ذلك الجبان،

ها قد بلغ الضريح وككل عظايا الجدران،

أصبح حرفًا على الاسم المدون في الشاهد.

*

سمعت الكثير يتحدث عن العلبة الفارغة

التي يحجز بها رواد المقاهي كراسيهم

لمشاهدة الشومبيونز ليغ.

الكل موجود والكل غائب، والمقابلة لا تنتهي..

لا أحد من الفريقين يفكر في الخسارة

ولا أحد يريد الخروج من المقهى،

خاصة والرئيس معنا، يجلس محتضنا العلبة الفارغة.

*

حين قابلني مجسم طوبي لكتاب مفتوح وسط المدينة، تساءلت أين أخذوا النافورة؟

فرح أحدهم بالسؤال مجيبًا أنه تطوع في الحدثين.

عجيب! كأنني سمعت مفكرًا يكرر نفس الإجابة.

*

ككل الأطفال، قضيت طفولة حلمها قرن بوضة

وبشجاعة كنا نلتصق بشاحنة الصهريج

وحين نرى الببغاء الغابوني في التلفزة أو في الشارع،

نلتف حوله ساخرين: قل نيكاراغوا.

غابت صهاريج الماء البلدي

ونفيت المثلجات إلى السدد العالية

واتسعت الجغرافيا في قفص الببغاء

واحدودب الوطن عائدًا إلى ربوته الأولى تمامًا قبل أن ينضج.

*

نعم أنا أبذر النقود، لكنني أحتفظ بنظرة أمي

هي الآن في راحتي مثل كجة ملونة،

ترحب بها كل ثقوب الروح.

طائرة دون طيار أدعية أمي

تقول لي الجو بارد عليك

انتظر،

وتحمص لي في حضنها بعض السماء.

ترش عشب حبها لي كل صباح، وشوك غربتي كذلك.

عقلها يرتدي قلادة مغني راب.. قلبها كله أياد ناثرة للقمح

أمي التي تنتمي دائمًا الى جيش التحرير

ترى أن هناك عدوًا خالدًا خلف الباب.. إلا أنا .

*

أتجنب الحديث عن العتاد،

 فكل ما أراه غير قابل للتحول إلى خبز ولا الى تاريخ

فنحن كالحيتان، نتحسّس فولاذ الغواصة

ونكمل دورة الطبيعة في الأعماق.

*

حين فقدت بعض أسناني..

أصبحت أطبق فمي حين أهم بالضحك

وأضرب على الطاولة بخفة،

مؤسف أن تتعكز على خشبة لتضحك.

مع الوقت صرت أبتسم بفتح الستائر صباحًا

والصعود إلى السطح قبل المغيب،

ورسم الابتسامة في خيالي بحجم ملعب

و الجماهير أسناني.

حين اتسعت المدافن

كان ضروريًا أن أبتسم بعد نهاية كل حرب،

معلقًا وجهي بين جبلين.. أو جيلين .

وكلما أعلن عن اكتشاف ثقب أسود في السديم

أستحضر ألم ضرس منخور.

بات علي أن أهرع الى طبيب الأسنان قائلًا :

أريد منك تصليح ابتسامتي الصغيرة فحسب.

*

أشمئز حين أسمع طالبًا في الإنسانيات

يتحدث عن نظرية نشأة الدولة.

من صنعوا الدولة كانوا رياضيين

جعلوها على ثلاثة خطوط

أفقي ورأسي ومائل يلعب على الخطين

الأفقي تم تسميكه ليبدو كقطار طويل يقل جنودًا متحمسين لمعركة مجهولة،

حين ندقق فيه، تظهر لنا الخطوط الثلاثة الأكثر تأثيرا في الواقع: المتعرج، المنحني، والمنكسر.

*

نقطة ضعفي المطر

حتى لو كانت حبيبتي معي

أتحول إلى تمثال بجناحين، موجع بالخز

ثابت على وضعية فتح الذراعين.. إلى الأبد

*

تلك المرأة التي أحبها

توحي لي أنها ستصير جدة

ستنتزع مكانا لأحفادنا في حديقة الأطفال،

تراقبهم على مقعد اللقاء الأول..

وهي تتصفح ديواني القديم.. باحثة عن قصيدة جديدة

أما أنا فلن أكون قد مت بعد.

تحججت فقط بشراء شيء ما..

ورحت إلى واجهة البحر.. أبحث عن وجهها الأول لإحدى قصائدي القديمة.

*

الأطفال ذوو الشعر المجعد الأحمر

أصادفهم في كل مكان..

يقترب مني أحدهم لاسترجاع كرته

فأقول له في سري:

لو كنت ابني لعلمتك تقنية الرابونا

فأغلب الأطفال مندفعين

وآباؤهم يفخرون بهذا

أما أنت فتهاجمني بلون الغروب..

وورقة القيقب الحمراء في العلم الكندي،

حين كنت خائفًا من البرد ولا زلت خائفًا منه.

*

أربع حفر في أي رقعة تابعة للوطن

وتبني بيتك بكل سهولة

الماركسيون قالوا: جيد ولكن ليس هكذا

المسلمون كانوا يطلبون الإذن على الأقل

ولكن من علمهم هذا؟

بيوت رمادية تطل كل يوم على الملأ الأزرق في السماء فيكتئبون.

*

يطلق الباب العالي

قرارا يصل إلينا موشوما بالأختام كالأندرتيكر

وبوضعية البلدغ المقلوب والذراع المسحوبة

يتم تطبيق الحياة

لكن لم التصفيق؟

*

"أي حرف على الورق تزوير للبياض.

ما عدا الكراريس التي نجمعها عند الخامسة مساء "

هكذا خاطبنا الصوت الرسمي..

ولأول مرة فكرت أن أربت على أكتاف المتاريس،

فهي دائمًا أمام الأشياء لا داخلها.

*

هنا أعيش

في مرتفع صخري

لم يعد به بنفسج كالسابق

لم أعد أرى به أبي يجر نقالة الماء

وهذا كاف لأثمل.

مرة أخرى

كلما فكرت في الشتاء أجده بعيدًا

فأحجز مكاني قرب الأشجار المتقرحة

وأنتظر الجراء لتطبع شكل زهرة البرسيم بأقدامها في الثلج

وأستغرق في تلك الأصوات الآتية بلا ترجمة من الكهوف.

مرة أخرى

تثبت الدموع أنها الوسيلة الوحيدة لدفع البوليس العالق في جفن الحياة..

وتحريك الذكريات الغارزة في اللامبالاة

*

أغلب البؤساء من بائعي الأرغفة على الطريق

صادرهم الاقتصاد العالمي،

المنشغل ببيع الحقن.. وكراء القارات

كشك البشير موصد

كان في العادة يفتح فمه الحديدي لينفث منه أبخرة الشاي

اليوم مع اشتداد الوباء انفتح فجأة:

هناك حياة، هناك حياة.

سيبدأ الطبيب بسرد فضيلة التباعد

أذكر أنني تحدثت عنها

حين كان اللصوص يحضنون أطفالا نموذجيين في أعياد الريع

ويلصقون على ليلنا الطويل، صورة شمسية للشمس.

*

أقول:

لن أشعلك لكي لا أطفئك

يعيد:

لن أشعلك لكي لا أطفئك

أقول:

لن أمدك بالكهرباء

يقول:

لن أمدك بالأبرياء

أقول:

أنت من ينحني علي.

يقول: أنت من ينحني إذ أنحني عليه.

يقطع المطر الذي فتح النافذة حوار غفوتي

ويخطف ضوء من نحاس مصباحي المكتبي..

كانت الأوراق تركب الريح المبللة وتطير

والوحيدة التي بقيت معي دعتني إلى إشعال الضوء

وشرب القهوة

والتعثر في قلوب الناس

والسقوط على الكلمات..

 

اقرأ/ي أيضًا:

قرابة الغياب

قصيدة التهمة