21-أكتوبر-2018

تقوم شرعية الجيل الحاكم الجديد في الوطن العربي على الدعاية الزائفة للإصلاح (Getty)

ثمة مسار مشترك، تتقاسمه أنظمة عربية عديدة، وهو مسار القائد الشاب، الذي يرث الحكم عن والده فينقلب على المحيطين به، ويشكل حكمًا مركزيًا أكثر، بينما يبني شرعيته على التضليل، وعلى سردية الإصلاح التي ينكشف زيفها مع الوقت. تبين رولا خلف في هذا المقال المترجم عن صحيفة فايننشال تايمز، أن هذا النماذج لا بد وأن تنهي أسطورة المصلح العربي الشاب، التي ما يزال الغرب يصدقها.


إنها خرافة ثابتة. فمع انقضاء عهد القادة العرب المستبدين والعنيدين، يولد عهد جديد مع أبنائهم ذوي النظرة الحداثية. وتأمل الشعوب -التي لا يُسمَع لها صوت في هذا الأمر- أن يقوم الأبناء بإدخال بعض الإصلاحات على إرث الآباء. أما الحكومات الغربية فتقنع نفسها بأن الأبناء سيقومون بهذا الأمر، وتجهّز نفسها لمساعدتهم.

قبل فترة طويلة من انخداع الغرب بالأمير محمد بن سلمان، كان هناك ذلك الاحتفاء بجمال مبارك وبشار الأسد وسيف الإسلام القذافي

خلال العقد المنصرم، ارتكزت السياسات الغربية تجاه منطقة الشرق الأوسط المرة تلو الأخرى على أسطورة المصلح العربي الشاب. وقد أخذ هذا المصلح عدة أسماء: بشار الأسد في سوريا، ابن الرئيس حافظ الأسد الذي حكم البلاد لمدة طويلة، سيف الإسلام القذافي في ليبيا، ابن معمر القذافي، جمال مبارك في مصر، ابن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأخيرًا محمد بن سلمان، بن الملك سلمان.

بدرجاتٍ متفاوتة من الحماسة، جرى الترويج لهم والاحتفاء بهم جميعًا في العواصم الغربية. ودون أي استثناء بينهم، ثبت أنهم جميعًا على درجة القمع ذاتها التي كان عليها أسلافهم، وأحيانًا أكثر وحشية.

ويبدو أن هذا هو الحال فيما يتعلق بالأمير السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 33 عامًا، والذي انحرف عن شكل معقد من القمع السعودي المرتبط بأمراء كبار من الماضي، ومنهم والده، إلى حرب شاملة ضد كل مَن يختلف معه.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاشقجي لم يغلق بعد.. المقاطعة مستمرة ومطالبات بتحقيق أممي

أحد الضحايا هو جمال خاشقجي، الصحفي والمعلق السياسي السعودي الذي اختفى منذ أسبوعين إثر زيارته القنصلية السعودية في إسطنبول. وقد أثارت مزاعم مقتله غضبًا واستنكارًا دوليًا، وحزنًا رسميًا مهيبًا في المؤسسات الغربية التي صدقت أسطورة الأمير الإصلاحي.

قبل فترة طويلة من انخداع الغرب بالأمير محمد بن سلمان، كان هناك ذلك الاحتفاء بجمال مبارك. ما زلت أذكر كيف كان الدبلوماسيون الغربيون في القاهرة يزعمون أن جمال مبارك هو أنسب من يخلف حسني مبارك، بغض النظر عن أن مصر ليست ملكية أو أن المستثمر والمصرفي السابق لديه القليل من المؤهلات لشغل هذا المنصب الرفيع. في نهاية المطاف، جلبت له حاشيته الفاسدة نفور المؤسسة العسكرية وغذت مشاعر الاستياء الشعبي من والده. وحين اندلعت الثورة عام 2011، اجتمع الشعب والجيش على هدف واحد، وأطاحوا بمبارك الأب.

كان الأكثر إثارةً للسخرية هو تزلف الدبلوماسيين ورجال الأعمال لسيف الإسلام القذافي، الابن المهندم والمتحدث بالإنجليزية للديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي. حين انتفض الليبيون ضد القذافي الأب، انبثق سيف الإسلام مقاتلًا، نافثًا ذات السموم التي نفثها والده من قبل. وفي حديث له في بداية الانتفاضة الشعبية في 2011، تعهد أن النظام "سيحارب حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر رصاصة".

أتذكر أيضًا الأيام الأولى لبشار الأسد، طبيب العيون وزوجته الفاتنة، والذي استرعى انتباه القادة الغربيين بشكل خدعهم وجعلهم يعتقدون أنه كان مستعدًا لإعادة سوريا العدائية إلى الحظيرة الدولية مرة أخرى. لكن بعد عقد من الزمن، كان الأسد يرد على ثورة شعبية ببشاعة بدت أمامها وحشية والده شيئًا وديعًا.

خلال العقد المنصرم، ارتكزت السياسات الغربية تجاه منطقة الشرق الأوسط المرة تلو الأخرى على أسطورة المصلح العربي الشاب

وفي أماكن أخرى عديدة في الشرق الأوسط، كان الحكام من جيل الشباب أكثر استبدادًا من آبائهم. فلم يُبدِ أبناء حاكم الإمارات الراحل -الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي طالما حظي باحترام واسع- أي درجة من التسامح الذي كان يُعرف هو به.

اقرأ/ي أيضًا: رواية السعودية عن مقتل خاشقجي.. خيال غير علمي!

فما الذي يقف خلف أسطورة المصلح العربي الشاب تلك؟ بشكل جزئي، هناك ذلك الاعتقاد أنه في منطقة الشرق الأوسط غير الديمقراطية، هناك قيمة للاستمرارية، بعكس خطورة التغيير (وهو توجُّه غربي عززته الفوضى التي أعقبت الربيع العربي). كذلك هناك جاذبية الحكام الجدد الذين يتحدثون عن إصلاحات اقتصادية، حتّى مع تسببهم في ترسيخ عمل الأنظمة التي تفتقد إلى الشفافية والخضوع للمحاسبة.

عادة ما لا يكون هناك أساس لهذا التفكير الرجائي الغربي. صحيح أن الشباب يجلب المزيد من الطاقة والحيوية. لكن انعدام الخبرة يمكن أن يوجه تلك الطاقة في الاتجاه الخاطئ. يتفاقم انعدام الخبرة حين يكون هناك شعور بعدم الأمان: فحاجة الأبناء إلى توطيد نفوذهم وقوتهم يدفعهم إلى تهميش المستشارين القدامى. فيحكمون بقاعدة أضيق من السلطة والنفوذ، ويستندون بدلًا من ذلك على غرائزهم المذعورة المصابة بجنون العظمة.

إن الخطأ المتكرر في المؤسسات السياسية الغربية هو الخلط بين الشباب وبين الالتزام بالتغيير، وكذلك افتراض أن الحكام الشباب الذين يسافرون إلى الخارج ولديهم اهتمام بالفنون والعالم الرقمي، سيكون من المرجح أن يتصرفوا بمسؤولية. لكن من المحزن أن يثبت لنا الشرق الأوسط أن تلك اللمسة العصرية لا تتعارض مع القسوة والوحشية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بالأدلة والتفاصيل.. كيف تستدرج السعودية معارضيها في الخارج؟

اغتيال خاشقجي وهوس السلطة بالقتل