05-يوليو-2017

فيدرير في ويمبلدون العام الماضي (كليف برينسكيل/Getty)

في مجمع ويمبلدون للتنس في مدينة لندن البريطانية، وفي الثالث من الشهر الجاري، انطلقت البطولة الأغلى والأهم لكل لاعب تنس. بطولة ويمبلدون على الأراضي العشبية، ثالث بطولات التنس الكبرى Grand Slam والمعروفة بتاريخها الكبير وخصوصيتها وتميزها عن باقي البطولات، والتي تعلن بدء النصف الثاني من الموسم، تعود لتاريخ تموز/ يونيو من العام 1877 حين نُظمت لأول مرة ولا تزال مستمرة لليوم. وحين نتحدث عن البطولات الكبرى نتساءل أيضًا عن الأسماء الكبيرة المشاركة فيها والمرشحة للقب. ولا شك بأن أبرز هذه الأسماء، الأسطورة السويسري روجر فيدرير، المتوج بلقب البطولة في سبع مناسبات.  

روجر فيدرير يعتبر ربما اللاعب الوحيد الذي لعب التنس التقليدي والحديث معًا وبنجاح كبير

كوكب التنس أو المايسترو، كما يحلو لمحبي اللاعب أن يلقبوه، السويسري روجر فيدرير، كيف لا وهو صاحب أهم الأرقام القياسية وأكثر لاعب فاز بالبطولات الكبرى في تاريخ التنس الحديث ب 18 عشر لقبًا. 7 منها في بطولة ويمبلدون، كأكثر لاعب فاز بها، مناصفة مع سامبراس. علاوة على أنه وصل للنهائي عشر مرات. روجر فيدرير، الذي لا يزال جمهوره يعتبره بطل العالم رغم فقدانه لصدارة التصنيف العالمي في السنوات الأخيرة، وهو اللاعب الذي يملك الرقم القياسي بعدد الأسابيع متصدرًا التصنيف العالمي منها 237 أسبوعاً متتاليًا بين عامي 2004 و2008.

سجلّ السويسري روجر فيدرير مليء بالجوائز والألقاب، فمنذ احترافه اللعبة عام 1998، أثبت للجميع أنه سيكون لاعبًا يُحكى عنه لسنوات. فقد كان روجر فيدرير أصغر لاعب في قائمة 100 الأوائل رغم أنه في سنواته الأولى لم يستطع فك شيفرة الفوز بالألقاب ووجد نفسه أمام سد منيع من اللاعبين المخضرمين حينها (بيت سامبراس، أندريه أغاسي، كارلوس مويا، وهينمان وغيرهم) وشعر روجر فيدرير بأنه لن يعرف طعم الانتصار الذي ناله عندما كان متصدرًا لقائمة اللاعبين الناشئين.

اقرأ/ي أيضًا:  من سيخلف فيدرير؟

لكن لم يمض الكثير حتى تعلم روجر فيدرير كيف يروض نفسه ويتحكم بمشاعره في الملعب، كان التخلص من الضغط النفسي والانفعال هو التحدي الأكبر للاعب السويسري وبالفعل تمكن من ضبط نفسه وتوج عمله بالفوز بأول ألقابه في ميلان عام 2001 وبأهم انتصار في مسيرته عندما هزم الأمريكي بت سامبراس في الأدوار الأولى لويمبلدون، وأوقف سلسلة انتصارات سامبراس ال31 المتتالية.

في العام الذي يليه حصل روجر فيدرير على ثلاثة ألقاب والانتصار الأكبر له وبداية كتابة تاريخ الأسطورة كان في العام 2003 عندما فاز ببطولة ويمبلدون كأول لقب له في بطولات Grand slam، ثم كأس الأساتذة في نهاية العام لينهي الموسم بـ7 ألقاب. يعتبر كثير من متابعي اللعبة أنها كانت البداية الحقيقية لفيدرير، أي الفوز بويمبلدون، فمنذ ذلك الوقت لم يتوقف عن حصد البطولات الواحدة تلو الأخرى حافرًا اسمه على لوائح التاريخ. بينما يعتبر البعض الآخر أن البداية كانت في  العام 2001 عندما هزم سامبراس رغم أنه لم يفز باللقب حينها. لكن روجر فيدرير يتفق مع الطرفين أن بدايته الحقيقية هي عندما تمكن من ضبط نفسه على أرض الملعب والتخلص من رهبة الملاعب الرئيسية.

تحتفظ ويمبلدون لفدرير بذكريات كثيرة، فهو الوحيد الذي فاز بلقبها لخمس سنوات متتالية بين 2003-2007

تمكن روجر فيدرير من الفوز بمعظم الألقاب والبطولات، واعتلى التصنيف العالمي. وأبهر جمهوره بمهاراته الكبيرة. لم يستعص على روجر فيدرير الفوز بأي لقب ففاز بجميع البطولات الكبرى والماسترز والميدالية الذهبية في الأولمبياد وقاد بلاده للفوز بكأس ديفز، لكن ظل لقب فرنسا عصيًا على اللاعب السويسري وحرمه إياه اللاعب الإسباني رافايل نادال لسنوات طويلة. ولكن لأن الرياضة لا تخلو من الحظ أحيانًا، قدم اللاعب السويدي روبن سوديرلينغ خدمة للاعب السويسري بإقصائه الإسباني رافائيل نادال من بطولة فرنسا (رولاند غاروس) مما سهّل الأمر على روجر فيدرير للظفر باللقب في العام 2009، ليضيف لقب فرنسا المفتوحة إلى مجموعته الكبيرة من الألقاب.

تفوق اللاعب السويسري الشاب روجر فيدرير على كل منافسيه، وأصبح معروفًا حول العالم ولديه جمهور كبير يحبه ويطارده في كل مكان، بالمقابل لم يخذل روجر محبيه وظل يقدم لهم أجمل عروض التنس حاملاً كؤوس البطولات من مدينة إلى أخرى ومن بطولة لأخرى. يداعب الكرة، يركض بحركات انسيابية رشيقة. هادئًا حين يخسر وحين يفوز. قليلاً ما تراه ينفعل أو يصرخ في الملعب ونادرًا ما يكسر مضربًا.. يلعب مع منافسه ليس فقط للفوز بل ليستمتع باللعب ويمتع الجماهير المساندة له، ومن خلفه على المدرجات تسانده صديقته ميركا، اللاعبة التشيكية السابقة، والتي أصبحت زوجته.

اقرأ/ي أيضًا: ريو 2016: دورة انهيار نجوم كرة المضرب

فروجر فيدرير يعتبر ربما اللاعب الوحيد الذي لعب التنس التقليدي والحديث معًا وبنجاح كبير. فبينما كان التنس يعتمد على استراتيجيات مختلفة حين بدأ روجر فيدرير اللعبة كالصعود على الشبكة وقلة التبادلات، اليوم استراتيجيات التنس اختلفت واللعب من الخط الخلفي بات مهمًا أكثر. لكن روجر برع في الاثنين ولعب اللعب الحديث وكأنه لاعب حديث العهد وتمكن من الحفاظ على مستواه الكبير بالرغم من ظهور لاعبين كبار ينافسون بقوة.

روجر فيدرير ليس فقط لاعبًا مميزًا وذا سجل كبير، بل وأضاف إضافات كثيرة للعبة. فتفاصيل صغيرة كان يقوم بها فديرير في مبارياته أصبحت تقليدًا لدى لاعبين آخرين كثر. فهو أول من بدأ يبدل مضربه عند الشوط الأخير للمنافس في المجموعة ليتمكن من كسر إرساله والظفر بالمجموعة. وهو أكثر لاعب يغير من استراتيجية لعبه عدة مرات في المباراة، من هجوم إلى دفاع. بضربات قصيرة وتارة عميقة يحرك منافسه وكأنه يتحكم بالتبادلات عن بعد.

والإضافة الأكبر لروجر كانت ضربة SABR وهي "الهجوم الإنسلالي من روجر"، وهي ضربة استقبال الإرسال التي يقوم بها روجر عندما يتقدم منافسه لإرسال الكرة. يكون روجر في آخر الملعب وبمجرد أن ينظر اللاعب إلى الأعلى ليسدد الكرة، يقوم روجر بالتقدم إلى خط مربع الإرسال ويستقبلها بعد الارتداد مباشرة الامر الذي لا يتوقعه المنافس ولا يمتلك الوقت لإعادة الضربة من جديد. وباتت الضربة تعرف باسم روجر.

الإضافة الأكبر لروجر كانت ضربة SABR، وهي ضربة استقبال الإرسال التي يقوم بها روجر عندما يتقدم منافسه لإرسال الكرة

في السنوات الأخيرة، فقد روجر مكانه كمصنف أول عالميًا عدة مرات لكنه كان يعود دومًا ويعتلى التصنيف من جديد لكن منذ العام 2012 عندما خسر التصنيف الأول في تشرين الثاني لم يعد إلى المركز الأول، بالمقابل قدم اللاعبون الآخرون عروضًا كبيرة وأظهروا منافسة قوية على التصنيف الأول (البريطاني موراي والصربي جوكوفيتش والإسباني نادال وغيرهم)، واعتقد العالم أنها بداية نهاية اللاعب الكبير حيث تقدم في العمر وأصبح يرتكب أخطاء سهلة في الملعب.

رغم تراجع مستوى اللاعب السويسري وابتعاده عن الألقاب الكبرى بالإضافة إلى الإصابات التي يتعرض لها من حين إلى آخر، فإنه ظل ضمن قائمة العشرين الأوائل. وفي العام 2016 تعرض لإصابة صعبة في الركبة أبعدته عن الملاعب لشهور عدة، فقرر روجر إيقاف الموسم كاملًا والعودة في موسم 2017.

الغياب الطويل لروجر فيدرير جعل الناس تعتقد أنه قريب من الاعتزال، حتى أشد المتفائلين يأس من رؤية اللاعب السويسري على منصة التتويج من جديد. لكن لأن روجر هو الأسطورة الحية فقد قلب جميع التوقعات وبدأ موسماً استثنائيًا في بطولة أستراليا المفتوحة ووصل للنهائي بعد إقصائه أربع لاعبين من قائمة العشر الأوائل ليلتقي بالمخضرم رافائيل نادال، ويطيح به هو الآخر في النهائي محققا لقبه الثامن عشر في بطولات الـGrand Slam .

أبهر روجر فيدرير كل المتابعين بطريقة لعبه التي لا تصدق. برفقة مدربه الجديد ايفان لوبوتشيش، طوّر اللاعب السويسري من ضربات الباكهاند والتي يلعبها روجر بيد واحدة، ولم يتوقف عند ذلك الحد، فدخل بطولتي انديان ويلز وميامي وحقق اللقبين متقدمًا 14 مرتبة في التصنيف العالمي. مثبتًا للعالم أنه قد يتعرض لنكسات لكنه الأسطورة الحية التي لا تموت.

قرر  روجر فيدريرعدم المشاركة في موسم الملاعب الترابية، الأمر الذي أحزن محبيه لكن أجمع جلّ متابعي اللعبة أنه قام بخطوة ذكية جدًا. مريحًا جسده الذي شاخ والذي أُنهك في الربع الأول من العام. ليعود بعدها في النصف الثاني من الموسم وعلى الأراضي العشبية التي يعشقها روجر. وصرح حينها: "لا مزيد من الراحة.. سأشارك بما تبقى من الموسم"، وبالفعل استهل استعداداته لويمبلدون بالفوز ببطولة هاله للمرة التاسعة في مسيرته، وليسمع منافسيه رسالة مفادها أنه عائد إلى ويمبلدون منافسًا على اللقب.

لبطولة ويمبلدون اللندنية العريقة أهميتها الخاصة، أقدم بطولة في تاريخ التنس والتي قدرت مجموع جوائزها المالية في العام الفائت بـ28 مليون يورو، والمحافظة على تقاليدها حتى اليوم كما ذكرنا فلا يُسمح للاعبين بارتداء زي يحوي أي إعلانات بل وتلزم اللاعبين بأن يكون الزي أبيضًا كاملً. يدخل اللاعبان أرض الملعب سويًا ويغادرانه سويًا بغض النظر عن الفائز. كما أنها البطولة التي شهدت أطول مباراة في تاريخ التنس بـ11 ساعة وخمس دقائق على ثلاثة أيام بين اللاعب جون ايزنر ونيكولاس ماهو في العام 2010.

تحتفظ ويمبلدون لروجر فيدرير بذكريات كثيرة. فهو الوحيد الذي فاز بلقبها لخمس سنوات متتالية بين 2003-2007، وعرف أول فوز كبير له فيها. فهل يعود فدرير للفوز بويمبلدون من جديد. قد يكون الأمر صعبًا جدًا، بل كان مستحيلاً قبل عدة شهور لكن اليوم وبعد العودة الكبيرة لفدرير، يعود هذا الأخير ليكون هو المرشح الأبرز للفوز ولتدوين اسمه على لوائحها للمرة الثامنة، ليكون ملك ملاعب العشب دون منازع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النهائي الحلم.. ديناميكية نادال وعبقرية فيدرير

انفوجرافيك: معلومات عن رولان غاروس