05-يونيو-2023
(Getty) ساعات باتيك فيليب في متجر بنيويورك

(Getty) ساعات باتيك فيليب في متجر بنيويورك

هل فكرت يومًا في إنفاق 2000 دولار أو 5000 أو أكثر على ساعة يد ميكانيكية فاخرة؟ هل ما زلت أصلًا ممن يستخدمون ساعة يد؟ أم لعلك ممن يصنفون أنفسهم بالعمليين الذين يكتفون بمتابعة الوقت على هاتفهم الذكي أو البدعة المدعوة بالساعات الذكية؟ هل تعلم أن سوق الساعات الفاخرة على مستوى العالم تجاوز حجمه السبعة وعشرين مليار دولار في عام 2022؟ في الغالب أنت من خارج هذا البعد، بعد مهووسي الساعات ولا يعنيك الموضوع برمته، ولكن لم كل هذه الضجة، والإنفاق الباذخ على أداة قد يجدها المعظم ثانوية؟ لم الإنفاق والسعي خلف شيء أكل الدهر عليه وشرب؟ اليوم غالبتني رغبة في الكتابة عن شيء خفيف مختلف، شيء يعنيني على المستوى الشخصي، ساعات اليد، رمزيتها ودورها في التقدم على المستويين المهني والاجتماعي، وسأركز على الرجال أكثر من النساء، ليس من منطلق تحيز جندري، ولكن لأن الرجال قد يكونون أشد هوسًا بهذه الألعاب باهظة الثمن من النساء.

في عالمنا المعاصر الذي تحكمه السرعة، غالبًا ما تأخذ ساعات المعصم أكانت ميكانيكية أو كوارتز (تعمل بالبطارية) المقعد الخلفي مفسحةً المجال للهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى عندما يتعلق الأمر بضبط ومتابعة الوقت

في عالمنا المعاصر الذي تحكمه السرعة، غالبًا ما تأخذ ساعات المعصم أكانت ميكانيكية أو كوارتز (تعمل بالبطارية) المقعد الخلفي مفسحةً المجال للهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى عندما يتعلق الأمر بضبط ومتابعة الوقت، مع ابتعاد الأجيال الجديدة عن الساعات التقليدية. ولكن المفارقة أن سوق الساعات، وخصوصًا الفاخرة، ما زالت تنمو وبشكل متسارع، فما الذي يحدث فعلًا على أرض الواقع؟ وهذا ما دفعني اليوم للحديث عن الإمكانات التي تمتلكها ساعة اليد كأداة قيمة في التطور والارتقاء المهني والاجتماعي بالإضافة إلى وظيفتها الأصلية المتمثلة في معرفة الوقت، وبعض الوظائف المساعدة الاخرى كحسابات بعض النشاطات المتعلقة بالطيران والغوص في الماضي وغيرهم. فساعات اليد المناسبة تمتلك القدرة الخفية على دفع المرء للأمام في رحلته المهنية والاجتماعية، وهنا سأحاول تسليط الضوء على أهميتها كأداة مساعدة للنجاح.

في البداية من البديهي أن ساعة اليد أداة مهمة لإدارة الوقت وتحسين الإنتاجية، فهي تذكير دائم بقيمة الوقت للمحترف الذي يرتديها، تساعده على تجنب التشتت في متابعة الوقت على أدوات أخرى، وتذكره باستمرار بأهمية الوقت والمواعيد، وفي نفس الوقت ترسل رسالة غير مباشرة للآخرين أن هذا الشخص يقدر وقته ووقت الآخرين. ولن أتعرض في هذا المقال لوظائف تاريخية لبعض أنواع الساعات المتخصصة كمساعدة الطيارين قديمًا في حسابات السرعة والمسافة، أو مساعدة الغواصين في متابعة زمن الغوص وغيرها.

بالتأكيد لا نستطيع إغفال دور الساعة في الأناقة والموضة وخصوصًا للرجال، فعدا خاتم الزواج في الغالب قد تكون ساعة الرجل هي الإكسسوار الوحيد الذي يمكنه ارتداءه، ويمكن للساعة المختارة بعناية أن تعزز أسلوب ومظهر الرجل العام وتساعد على إكمال أناقته. وأنواع الساعات المختلفة تساعد على إضفاء لمسات مختلفة من الأناقة التي تتوافق مع المناسبة والوقت والمظهر العام وحتى المزاج، فالساعات على اختلاف أنواعها أكانت كلاسيكية أنيقة، أو ساعة غوص، أو ساعة طيران، أو ساعة ميدان أو عسكرية، أو ساعة سباق، ترسل رسائل مختلفة تضفي لمسة من الرقي إلى مظهر الرجل، وتسهم في تشكيل انطباعات محيطه عنه.

ولكن للساعة دور قد يكون أوسع بكثير من معرفة الوقت والأناقة، فالساعات ليست مجوهرات فحسب، ولا تخدم غرضًا وظيفيًا فقط، بل تتجاوز ذلك لتشكيل العلامة التجارية الشخصية للإنسان إن جاز التعبير، وتسهم في تشكيل صورته وانطباعات الآخرين عنه في الحيزين المهني والاجتماعي، وخصوصًا إن كانت الأناقة وقواعد اللباس والمظهر مهمة في مجال عملك أو في وسطك الاجتماعي. فاختيار الساعة المناسبة التي تتوافق مع مظهر الشخص وأسلوبه وشخصيته وطبيعة الوسط الذي يتحرك فيه، يرسل رسالة قوية حول اهتمام المرء بالتفاصيل، وتقديره للأشياء الراقية والجميلة في الحياة، حيث تترك الساعة المختارة بعناية انطباعًا جيدًا في محيط الشخص الحيوي. فالساعة قد تكون رمزًا للطموح والإنجاز فتحمل بعض الساعات قيمة رمزية شخصية، وتكون تذكير ملموس بترقية، أو احتفال بالوصول إلى هدف وظيفي، أو إكمال مشروع أو هدف حياتي كبير. كما تتمتع الساعة المناسبة برمزية النجاح المهني أو الشخصي، وقد ترمز للمكانة الاجتماعية، وفي بعض السياقات الاجتماعية والمهنية ترتبط الساعات الفاخرة، على وجه الخصوص، بالثروة والسلطة. وقد يجادل الكثيرون بأن هذه مجرد مظاهر وقشور والمهم هو الجوهر! ومع أنني أتمنى أن أعيش في هذا العالم المثالي الذي يهتم فقط بالجوهر، إلا أننا للأسف، نعيش في عالم تلعب فيه المظاهر دورًا مركزيًا في حياة الناس، ومع ارتقاء المرء في حياته المهنية والشخصية يتعامل معه المحيط كحزمة متكاملة قلبًا وقالبًا، جوهرًا وشكلًا، وفي النهاية ارتداء ساعة رائعة يمكن أن يساعد في عكس صورة النجاح والارتقاء بالمظهر العام للرجل.

كما أن الساعات قد تمتلك قيمة عاطفية وإرثًا من التقاليد والتراث العائلي، فهي من الأشياء القليلة التي تورث من الآباء للأبناء مع استمرار استخدامها، خلال انتقالها عبر الأجيال باعتبارها إرثًا عائليًّا، ويمكن أن يكون لارتداء ساعة كلاسيكية عتيقة كانت في العائلة لاكثر من جيل قيمة عاطفية تربط الرجل بتراث عائلته وتضيف إحساسًا بالالتزام والولاء والاهتمام بالتقاليد إلى مظهره. ما زلت أذكر في منتصف التسعينات كيف لفت انتباهي حملة أطلقتها باتيك فيليب جوهرها "أنت لا تملك ساعة باتيك فيليب أبدًا... أنت بالكاد تعتني بها من أجل الأجيال القادمة"! ومع مرور الأيام وزيادة متابعتي لهذه الصناعة بت أكثر إيمانًا بأن ساعة مثل باتيك فيليب قد تكون استثمار رائع تزداد قيمتها المالية والعاطفية مع مرور الوقت وعبر انتقالها بين الاجيال، طبعًا إن كان المرء يملك في حسابه البنكي 50 أو 100 ألف دولار فائضة عن حاجته.

تمتلك الساعات قيمة عاطفية وإرثًا من التقاليد والتراث العائلي، فهي من الأشياء القليلة التي تورث من الآباء للأبناء مع استمرار استخدامها، خلال انتقالها عبر الأجيال باعتبارها إرثًا عائليًّا

ومع ذلك ليس من المفترض أن تنفق ثروة على ساعتك أو مجموعة ساعاتك لكي تستمع بكامل ميزات الساعات، فالخيارت قد تكون غير محدودة، ولكل ساعة محاسنها وعيوبها. فعلى سبيل المثال لست من محبي رولكس شخصيًا ولكنها إن وجدت على يد شخص ناجح وواثق سترسل رسالة من الفخامة والرفاهية والمكانة الاجتماعية، وتدل على مستوى الإنجاز، واهتمام مرتديها بالحرفية والجودة العالية، بينما قد تشير بعض ساعاتها لشخصية مغامرة محبة لتجاوز الحدود وخوض التجارب الجديدة، مثل ساعات الغوص والاستكشاف. كما ترتبط رولكس بالحصرية، ففي السنوات الأخيرة بات من الصعب حتى أن تضع نفسك على لوائح الانتظار لشراء ساعة جديدة، وقد تصل فترات الانتظار لخمس أو عشر سنوات لبعض الساعات مثل ديتونا. قبل أسبوعين أثناء بحثي عن ساعة لونجين معينة دفعني الفضول لسؤال وكيل رولكس المحلي إن كان بإمكاني التسجيل على لوائح الانتظار للحصول على ساعة رولكس صبمارينر؟ فكانت النصيحة أن لا أضيع وقتي بالانتظار لسنوات، ومن الأفضل إبقاء اهتمامي مركزًا على لونجين ماستر كوليكشن، حيث إنني بالفعل أمتلك ساعة غوص من لونجين ولست بحاجة لساعة غوص أخرى مثل صبمارينر.

أظن أنه من الواضح الآن أنني من محبي ساعات لونجين، التي بدأت صناعتها في العام 1832 قبل 73 سنة من ظهور رولكس سنة 1905، وقبل سبع سنوات على ما أظن من ظهور باتيك فيليب نفسها عام 1839. لونجين، الساعات التي اشتهرت بتصميماتها الكلاسيكية والراقية، على الرغم من خفوت نجمها في مرحلة معينة إلا أنها في السنوات الاخيرة بدأت بالعودة والمنافسة بقوة كساعة فاخرة بتاريخ عريق، وقد تكون مرتفعة الثم قليلًا ولكنها لن تضطر المرء لإنفاق نفس الثروة التي سيتوجب عليه انفاقها على رولكس، أو الثالوث المقدس في عالم الساعات (باتيك فيليب، اوديمار بيجيه، وفاشيرون كونستانتين)، في النهاية ستضطر لدفع مبلغ ليس بالقليل نسبيًا. ولكنك من خلال ارتداء ساعة لونجين، ستُظهر تقديرك للأناقة وذوقك الرفيع وفهمك لقيم الفخامة البسيطة، من خلال ارتداء ساعة بتاريخ غني يعود إلى القرن التاسع عشر وما زال يثير شعورًا بالحنين إلى الماضي.

لن أتحدث أكثر عن ساعات مثل باتيك فيليب واوديمار بيجيه فهي خارج اهتمامي، وبالتأكيد خارج نطاق قدرتي المالية (ورولكس أيضًا)، ولكن عالم الساعات عالم عجيب ففي حين قد تبدأ أسعار ساعات رويال أوك من اوديمار بيجيه من ثلاثين ألف دولار، تباغتها كاسيو بإطلاق جي-شوك كاسي اوك بمعدل أسعار حول 300 دولار، مع بعض الشبه في التصميم الخارجي، ولكن فئتين مختلفتين تمامًا ترسلان رسائل مختلفة عن شخصية وطبيعة مرتديها، ففي حين تضع اوديمار بيجيه صاحبها في مصاف فاحشي الثراء، ونخبة النخبة من مهووسي الساعات، الرجل الذي يمتلك القدرة على التحرك في الدوائر الحصرية، ويستطيع فتح الأبواب المغلقة، توحي جي-شوك بشخصية رجل عملي يتقن الأعمال اليدوية ومتعدد المهارات، رجل قادر على إنجاز العمل المطلوب بيديه.

لم أمتلك ساعة أوميغا بعد، ولكني أعتبرها من ساعاتي المفضلة لربما لارتباطها بجيمس بوند وثقافة البوب والأفلام التي أحببتها في صغري، ساعات أوميغا تضفي هالة من الغموض وروح المغامرة على صاحبها، ساعة توحي بالرقي والأناقة مثل رولكس، ولكنها برأيي الشخصي تعطي انطباعًا أقوى بالثقة والحزم. آخذين بعين الاعتبار أنها الساعة الرسمية لناسا، الساعة التي ذهبت للفضاء وتم اختيارها بعد اختبار ثلاث ساعات، أوميغا ورولكس ولونجين. بينما ساعات مثل تاج هوير أو بريتلينج تشير لشخص أنيق ومندفع ومغامر ورياضي، الأول مهووس بالسرعة والثاني مهووس بالتحليق عاليًا، أشعر شخصيًا بوجود مشكلة مع تاج هوير على الرغم من وقوعي في حب بعض ساعاتها مثل كاريرا، إلا أنني أشعر دائمًا بأن هويتها تضيع بين المنافسين وأشعر بأن هذا ينعكس على صاحبها.

وبالحديث عن العملانية والاحتراف والصبغة الرياضية، فرأيي الشخصي غير الشعبي أن كاسيو ادفيس تتفوق على الجميع بأسعارها المعقولة التي تتراوح بين 100 و300 دولار، وتصاميمها المذهلة، ودقتها العالية بفضل اعتمادها تكنولوجيا كوارتز غير المفضلة لدى هواة الساعات الذين يفضلون الساعات الميكانيكية. لا يوجد تصنيف واضح لساعات كاسيو ادفيس، ولكن الغالب يصنفها على أنها ساعة للمحترفين، ساعة ممتعة لصاحبها وملفتة للنظر للآخرين ولكن بدون بهرجة زائدة، ساعات أستمتع شخصيًا بارتدائها.

ليس من المفترض أن تنفق ثروة على ساعتك أو مجموعة ساعاتك لكي تستمع بكامل ميزات الساعات، فالخيارت قد تكون غير محدودة، ولكل ساعة محاسنها وعيوبها

ولا نستطيع الحديث عن الساعات دون الحديث عن عمالقة اليابان سيكو وسيتزن. أنا ممن يميلون أكثر لساعات سيكو وأمتلك مجموعة منها، إحداها ساعة الوالد رحمه الله. ساعات سيكو تشير لشخص عملي، يقدر الحرفة اليابانية في الصناعة ولكن في نفس الوقت يقدر قيمة الاشياء، يهتم بالأناقة ولكن دون إنفاق ثروة، شخص عملي قادر على إنجاز المهام بأفضل شكل وأقل الموارد. طبعًا الموضوع يختلف عند الحديث عن جراند سيكو، حيث ننتقل لمستويات رولكس واوميغا، فجراند سيكو لسيكو مثل لكزس لتويوتا، وتتفرد عالميًا بتقنيات سبرينغ درايف التي تجمع ما بين أفضل ما في الساعات الميكانيكية وساعات الكوارتز.

في النهاية، بينما قد لا يلاحظ الجميع أو يقدرون الساعة التي ترتديها، لا يزال هناك الكثير من الناس الذين سينتبهون ويقدرون تلك الساعة، وفي الغالب هم الأشخاص الذين تحتاج لإثارة اهتمامهم وحيازة انتباههم، فالساعة المميزة أو المختارة بعناية يمكن أن تفتح الابواب وتبدأ المحادثات مع الأفراد ذوي التفكير المماثل، فكثيرًا ما تبدأ المحادثة الأولى بإطراء على ساعة جميلة وسؤال حولها، مما يبقي الاستمتاع بالساعات وتقديرها على قيد الحياة في مختلف الدوائر، كما أن ارتداء ساعة مناسبة دائمًا سيترك انطباعًا إيجابيًا لدى الآخرين، حتى من لا يعرفون شيء عن الساعات سيقدرون جمال ساعة متقنة الصنع.