22-أبريل-2025
عُقدت جولة ثانية من المفاوضات الأميركية الإيرانية في العاصمة الإيطالية روما (AP)

عُقدت جولة ثانية من المفاوضات الأميركية الإيرانية في العاصمة الإيطالية روما (AP)

أجواء إيجابية تخيم على مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي انطلقت في الثاني عشر من نيسان/أبريل الجاري في العاصمة العُمانية مسقط، حيث مثل الجانب الإيراني وزير الخارجية، عباس عراقجي، فيما رأس الوفد الأميركي المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

ويعد هذا التمثيل هو الأعلى للجانبين في مثل هذه المفاوضات منذ انهيار الاتفاق النووي المبرم عام 2015 عقب سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلاده أحاديًا منه في 2018 أثناء ولايته الأولى.

وعُقدت الجولة الثانية من تلك المفاوضات، التي تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الإقليمية والدولية حالة ضبابية وارتباك شديدين،  في مقر إقامة السفير العُماني بروما في التاسع عشر من الشهر الجاري، حيث أسفرت عن توافق الأطراف على الانتقال إلى المرحلة التالية من المباحثات الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق منصف دائم وملزم، كما جاء على لسان وزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد البوسعيدي.

عُقدت الجولة الثانية من تلك المفاوضات، التي تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الإقليمية والدولية حالة ضبابية وارتباك شديدين

وتشير التوقعات إلى انطلاق الجولة الثالثة من المباحثات الأسبوع القادم في العاصمة العُمانية مسقط، في ظل تأكيد الطرفين والوسيط معًا على ضرورة أن يكون "الحوار والتواصل الواضح هما السبيل الوحيد لتحقيق تفاهم واتفاق موثوق به يخدم مصلحة جميع الأطراف على الصعيدين الإقليمي والدولي".

وللوقوف على جدوى هذه الجولات المكوكية من المفاوضات، واستشراف سيناريوهاتها المحتملة، ومقاربات كل من طهران وواشنطن، ثم تل أبيب، لما يمكن أن تتمخض عنه، أجرى موقع 'الترا صوت" لقاءً مع الكاتب الصحفي والخبير في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، الذي توقّع نجاح المفاوضات وتزايد احتمالات التوصل إلى اتفاق يتجاوز الإطار الزمني الذي حدّده اتفاق عام 2015. وأشار الهتيمي إلى وجود رغبة إيرانية مُلحّة لكسر حالة الجمود التي خيّمت على هذا الملف منذ عام 2018.

  • ما المتغيرات التي قادت إلى تلك الجولة من المفاوضات؟

لا شك أننا شهدنا حزمة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي أدت في نهاية الأمر إلى عقد هذه المفاوضات التي جرت جولتها الأولى في مسقط والثانية في روما فضلًا عن المزيد من الجولات الأخرى المحتملة والتي سيكون منها ما هو سياسي ومنها ما هو فني وتقني.

 يبرز من هذه المتغيرات على المستوى الإقليمي تلك الخسائر المتتالية التي لحقت بإيران جراء التصعيد مع دولة الكيان الصهيوني والتي كان أهم نتائجها تحجيم دور حزب الله اللبناني أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة ودرة تاج النفوذ الإيراني فضلًا عن تعري الادعاءات الإيرانية بالقدرة على ردع دولة الاحتلال وتهاوي مبدأ وحدة الساحات.   

كما يُعدّ سقوط نظام بشار الأسد، الحليف البارز لإيران في المنطقة، على يد المعارضة السورية، ضربة موجعة للمشروع الإيراني، إذ يعني فقدان طهران قدرتها على توظيف سوريا كـ"ذراع استراتيجي"، وخسارة الجسر البري الذي يربطها بحزب الله، مما يُضعف نفوذها الإقليمي ويُهدد عمقها الأمني والسياسي في المنطقة.

وعلى المستوى الدولي تبرز مسألة تولي دونالد ترامب لولاية جديدة لرئاسة الولايات المتحدة الأميريكية وهو المعروف بموقفه الظاهري المتشدد من إيران إذ كان صاحب القرار الأميركي من الانسحاب من اتفاقية 5+ 1 عام 2018 والتي أعقبها ما عرف بسياسة الضغوط القصوى  فيما أنه لم يتوان ومنذ حملته الانتخابية من إطلاق التهديدات لإيران في حال لم تستجب لإجراء مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي.

كذلك لا يمكننا أن نغفل متغيرًا محليًا في الداخل الإيراني ربما كان له تأثيره الأقوى على دفع النظام الإيراني للقبول بإجراء هذه المفاوضات والتوصل إلى صيغة ترضي البيت الأبيض من أجل رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت سببًا مباشرًا في تدني الوضع الاقتصادي في إيران التي شهدت خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات على خلفية اقتصادية.

  • كيف ترى اختيار مسقط تحديدًا لاستضافة المفاوضات؟

يدرك المراقبون للسياسات العُمانية أن سلطنة عُمان الحديثة اختارت لنفسها نهج الحياد في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وذلك لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها – في تقديري – طبيعة علاقاتها مع بعض دول الجوار خلال مرحلة التأسيس. ومن هذا المنطلق، فضّلت السلطنة أن تؤدي دور الوسيط في العديد من الملفات.

 وهو ما جعلها تحرص على أن تكون علاقتها بأغلب الفرقاء علاقات جيدة ومن بينهم الولايات المتحدة الأميركية وإيران الأمر الذي منحها سابقًا فرصة لأن تلعب دور الوسيط في المحادثات التمهيدية التي قادت الطرفين إلى مفاوضات 2015  لتكتسب بذلك ثقة الطرفين بل وثقة الأطراف المعنية بملف البرنامج النووي والعلاقات بين واشنطن وطهران.

  • لماذا تراجع ترامب عن موقفه السابق ووافق على التفاوض مع إيران في الوقت الحالي؟

في تقديري، لم يُفِد أحد إيران كما أفادها دونالد ترامب؛ إذ إن انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة (اتفاقية 5+1) عام 2018، منح طهران فرصة للتنصل من التزاماتها، وأتاح لها تجاوز القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم. وبهذا، امتلكت أكثر من 270 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، لتصبح عمليًا على العتبة النووية، بعدما كان الاتفاق النووي لعام 2015 يمنعها من تجاوز نسبة 3.67%. وقد منحها ذلك ورقة تفاوضية شديدة القوة.

والواقع أن ترامب، كغيره من الرؤساء الأميركيين، يظل ملتزمًا بالإستراتيجية الأميركية الكبرى في التعامل مع الملف الإيراني. فقبل الثورة الخمينية عام 1979، كانت إيران تُوصَف بـ"الشرطي الأميركي" في المنطقة. ولكن بعد تصاعد التوتر في العلاقات بين البلدين، نتيجة الشعارات الثورية المعادية لأميركا وإسرائيل، رأت واشنطن أن من الأفضل توظيف إيران كدولة وظيفية. وقد ساهمت النزعة الطائفية التي لم تُخفها طهران في تعميق الانقسامات المذهبية، وتغذية الصراعات، مما مكّنها من لعب دور في شق الصفين العربي والإسلامي.

في هذا الإطار فإن قبول ترامب باستئناف المفاوضات، رغم أنه لم يحدث أي تحول حقيقي في المواقف الإيرانية المعلنة، يعني أن واشنطن قررت أنه لا بد من المحافظة على الورقة الوظيفية المتمثلة في إيران حتى تواصل ابتزاز العرب أو على أقل تقدير عدم الانشغال بدولة الاحتلال.

ثم تأتي الأسباب الخاصة برغبة ترامب في أن يبدو وقد حقق صفقة أفضل كون أن اتفاق 2015 ستسقط التزاماته بعد سنوات قليلة ما سيمنح إيران فرصة لتطوير برنامج النووي.

  • كيف تنظر طهران لهذه الجولة من المفاوضات؟

أعتقد أن إيران ستكون حريصة للغاية على إنجاح هذه المفاوضات. فرغم تباين التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين، إلا أن أغلبها يصبّ في إطار توصيف المفاوضات بأنها إيجابية وبنّاءة. ومع ذلك، تسعى طهران إلى الحصول على ضمانات جدية بعدم تكرار الانسحاب الأميركي، تفاديًا للعودة إلى المربع الأول.

وتنبع هذه الرغبة الإيرانية من دافعين رئيسيين: الأول، تفادي أي تصعيد عسكري محتمل، سواء من الولايات المتحدة أو من قبل إسرائيل، لما قد يكشفه ذلك من محدودية القدرات الإيرانية الفعلية. والثاني، هو التخفيف من حدة التدهور الاقتصادي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة في البلاد.

  • لا يمكن لتل أبيب بطبيعة الحال أن تكون بمعزل عن المشهد.. فماذا عن مقارباتها خاصة بعد ما أثير بشأن منع واشنطن ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية؟

في تقديري، فإن إعلان الولايات المتحدة عن منعها لدولة الاحتلال من توجيه ضربة عسكرية لإيران يبدو إجراءً مقصودًا ومتعمّدًا، يندرج ضمن محاولات واشنطن التلويح بأوراق ضغط جديدة على طهران. فالأمر لا يخرج عن سياق تكثيف الضغوط السياسية على إيران. ولو كانت لدى دولة الاحتلال نية جدية لتنفيذ ضربة عسكرية، لكانت قد أقدمت عليها خلال مرحلة التصعيد المتبادل، خاصة وأن تطوير البرنامج النووي الإيراني يسبق تلك المرحلة بفترة طويلة.

غير أن ثمة دلالة مهمة في هذه المسألة، وهي أنه في حال فشلت المفاوضات بالفعل، واستشعرت واشنطن أن طهران تسعى للخروج عن حدود الدولة الوظيفية، فإن دولة الاحتلال ستكون شريكًا في أي عمل عسكري قد تقدم عليه الولايات المتحدة ضد إيران.

  • من وجهة نظرك.. ما هي أبرز الملفات الشائكة المحتمل طرحها على طاولة المفاوضات في تلك الجولة؟

ربما كان هذا أحد أهم الموضوعات التي بحثها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، والتي سبقت انعقاد الجولة الثانية من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في روما.

تُصر طهران على حصر المفاوضات في المسألة النووية فقط، رافضةً في الوقت نفسه أي نقاش حول تفكيك بنيتها التحتية النووية، أو تناول ملفي الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي لإيران، وهو ما يبدو أن موسكو تتفق معه.

 وبدا ذلك واضحًا في تصريحات لافروف والذي قال بوضوح عقب لقائه بعراقجي: "موسكو تنطلق في موقفها من أن الخيار الوحيد هو التوصل لاتفاق بشأن المسائل النووية. فإيران مستعدة للتوصل إلى اتفاق في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وهذه نقطة أساسية يجب أخذها في الاعتبار من قبل أولئك الذين يحاولون إثقال كاهل المفاوضات بقضايا لا علاقة لها بالشؤون النووية، مما يخلق وضعًا محفوفًا بالمخاطر".

وما سبق يعني بوضوح أن أي محاولة أميركية لإثارة ملفات أخرى ربما يكون لغمًا يمكن أن يفجر هذه المفاوضات وعليه فإن من المرجح التركيز على ما يخص البرنامج النووي.

  • ما خيارات طهران المحتملة للتعاطي مع ضغوط الإدارة الأميركية؟

ليست ضغوط ترامب بالأمر الجديد، فهي تعود إلى أكثر من سبع سنوات مضت. ورغم تولّي الديمقراطي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، لم يُسجَّل أي تقدّم حقيقي في ملف العلاقات بين واشنطن وطهران. لذلك، لا يبدو أمام إيران سوى خيار "الصبر الاستراتيجي"، مع توظيف بعض أوراقها بحذر.
كما يمكن لطهران العمل على تعميق استغلال التناقضات والصراعات بين القوى الدولية، كما هو الحال في الخلاف القائم بين الولايات المتحدة من جهة، وكل من روسيا والصين من جهة أخرى، ومن ثم تعزيز تقاربها مع القوى المناوئة لواشنطن.

  • ما السيناريوهات المتوقعة لجولة المفاوضات الحالية؟

تشير المؤشرات حتى الآن إلى أن المفاوضات تسير في اتجاه إيجابي، فانعقاد اجتماع فني بين الطرفين قبيل الجولة الثالثة يُعدّ مؤشرًا على دخولها مرحلة تفصيلية دقيقة قد تُفضي إلى اتفاق يُرضي الجانبين. وهذا يعني أن نجاح هذه المفاوضات مرجّح، وإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد تتجاوز مدّته الزمنية الاتفاقَ المبرم عام 2015، والذي أثار حينها استياء إدارة ترامب.

ومن شأن الاتفاق المحتمل أن يخفف العقوبات المفروضة على إيران، بشكل كامل أو جزئي، بحسب طبيعته، كما قد يتضمن ضمانات تحول دون انسحاب أميركي مستقبلي. ووفق هذا التصوّر، ستكون إيران هي المستفيد الأكبر من الاتفاق، خصوصًا أنها أكدت مرارًا أنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي.

في المقابل، فإن فشل المفاوضات يبقى احتمالًا قائمًا، لا سيما إذا أصرت الولايات المتحدة على طرح ملفات تعتبرها إيران خطوطًا حمراء، الأمر الذي قد يُفضي إلى تصعيد جديد ومواجهات عسكرية محدودة.