20-مارس-2025
فرنسا والجزائر

العلاقات الفرنسية الجزائرية تدخل منعرجًا جديدا (مواقع التواصل)

يتصدر وزيرا الداخلية والخارجية الفرنسيان، برونو ريتايو وجان نويل بارو، مشهد إدارة الأزمة المتصاعدة مع الجزائر، والتي تفاقمت على خلفية ملفي المرحلين والمطلوبين، وما تبعهما من تصريحات وإجراءات عمّقت الخلافات بين البلدين.

ويبدو أن باريس تمضي قدمًا نحو اتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة ضد الجزائر، رغم إدراكها أن الجزائر سترد بالمثل، الأمر الذي يهدد بوضع العلاقات الثنائية على المحك فعليًا. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "لوفيغارو" عن 15 إجراءً عقابيًا قد تلجأ إليها فرنسا خلال الأيام القليلة المقبلة.

وقد استبقت باريس هذه الحزمة التصعيدية، التي تهدف إلى إجبار الجزائر على استقبال قائمة المرحّلين من فرنسا، بتصريحات قوية من وزيري الداخلية والخارجية. حيث ادّعى جان نويل بارو، خلال إفطار في مسجد باريس الكبير، أن فرنسا لم تكن مسؤولة عن التوترات الحالية، والتي وصفها بأنها شهدت "تطورًا إشكاليًا جديدًا"، مضيفًا أن هذه الأزمة "لا تصب في مصلحة أحد، لا فرنسا ولا الجزائر".

وأكد بارو أن باريس تسعى إلى حل الخلافات "باحترام، ولكن أيضًا بحزم وصراحة ودون ضعف، مع التمسك بمصالح الفرنسيين التي تمثل بوصلتنا". ومن هذه النقطة تحديدًا، بدأ وزير الداخلية برونو ريتايو هجومه على الموقف الجزائري، قائلًا في تصريح لإذاعة "راديو الجنوب": "نحن لسنا عدائيين، ولا نريد الحرب مع الجزائر. لكن الجزائر هي من تهاجمنا".

كما كشف ريتايو عن ما أسماه "ردًا تدريجيًا" تتبعه باريس في التعامل مع الجزائر، وهو ما سلطت "لوفيغارو" الضوء عليه، في إشارة إلى استراتيجية تصعيدية قد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين البلدين.

التصعيد بلغ مستوى غير مسبوق، حيث رفضت الجزائر استقبال مواطنيها المرحّلين من فرنسا، رغم صدور أحكام قضائية بحقهم

فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء التوتر المتزايد في العلاقات الفرنسية الجزائرية خلال الأشهر الأخيرة، يرى الصحفي الجزائري نصر الدين حديد،  أن الموقف الفرنسي من قضية الصحراء يعد السبب الرئيسي للأزمة الحالية.

ويضيف حديد، في تصريح لموقع "الترا صوت"، أن "التصعيد بلغ مستوى غير مسبوق، حيث رفضت الجزائر استقبال مواطنيها المرحّلين من فرنسا، رغم صدور أحكام قضائية بحقهم".

في المقابل، تحاول فرنسا ممارسة ضغوط على الجزائر من خلال ملف التأشيرات، إلى جانب التلويح بعدة إجراءات أخرى، من بينها فرض قيود إضافية على دخول شخصيات سياسية جزائرية إلى الأراضي الفرنسية، فضلًا عن استغلال ملف الحريات في الجزائر كأداة ضغط.

الرد الفرنسي المتدرج على الجزائر

تناولت "لوفيغارو" بالتفصيل الخيارات التي تدرسها باريس للرد على رفض الجزائر استعادة المرحّلين. ووفقًا للصحيفة، قدمت السلطات الفرنسية قائمة تضم نحو 60 شخصًا يحملون الجنسية الجزائرية، وتعتبرهم باريس "خطرًا أمنيًا"، وتسعى لترحيلهم إلى بلدهم الأصلي، إلا أن الجزائر رفضت استقبالهم.

في هذا السياق، أكدت وكالة الأنباء الجزائرية أن إرسال قوائم بأسماء المرحّلين "إجراء غير منصوص عليه" في الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، ولا في الممارسات المتفق عليها منذ أكثر من 30 عامًا.

وردًا على الموقف الجزائري، بدأت باريس بتنفيذ "خطة الرد المتدرج"، التي تتضمن 15 إجراءً وتدبيرًا، وفقًا لما نقلته "لوفيغارو".وتشير الصحيفة إلى أن هذه الإجراءات قد تتوسع لتشمل مزيدًا من التدابير العقابية ضد الجزائر، في إطار التصعيد المتبادل بين الجانبين.

التأشيرات

في إطار التصعيد المتواصل بين فرنسا والجزائر، أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عن تعليق اتفاقيات 2007 التي تعفي حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية من التأشيرات، كخطوة أولى في الرد الفرنسي.

ووفقًا لما نشرته "لوفيغارو"، تدرس الحكومة الفرنسية فرض قيود إضافية على منح التأشيرات للجزائريين، مع الإشارة إلى أن فرنسا أصدرت ما لا يقل عن 245 ألف تأشيرة إقامة قصيرة وطويلة الأمد في عام 2024. كما تبحث وزارة الخارجية إمكانية توسيع قائمة الشخصيات الجزائرية الممنوعة من التسهيلات الخاصة بعبور الحدود.

قيود على الشخصيات الجزائرية الرسمية

حاليًا، تضم القائمة الفرنسية 801 شخصية جزائرية، معظمهم يحملون جوازات سفر رسمية، وأصبح يتعين عليهم تقديم وثائق إضافية مثل التأمين وخطاب المهمة وإثبات الإقامة للحصول على إذن دخول إلى الأراضي الفرنسية. ووفقًا للصحيفة الفرنسية، من المحتمل أن تمتد هذه الإجراءات قريبًا لتشمل شخصيات بارزة في الدوائر العسكرية والاقتصادية الجزائرية.

تسمية بوعلام صنصال سفيرًا لدى اليونسكو

على الصعيد الدبلوماسي، كشفت "لوفيغارو" أن باريس تدرس تعيين الكاتب الفرنكو جزائري بوعلام صنصال سفيرًا لفرنسا في منظمة اليونسكو، في خطوة تحمل بعدًا رمزيًا في سياق التوتر القائم. يُذكر أن صنصال كان قد تعرض للتوقيف في الجزائر في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

في سياق آخر، أعدت السلطات الفرنسية قائمة بأسماء شخصيات جزائرية سيتم إبلاغها بعدم الترحيب بها في فرنسا، ومن بينها القنصل العام الجزائري في ستراسبورغ. كما تدرس الحكومة الفرنسية إمكانية إغلاق نحو 20 بعثة دبلوماسية جزائرية افتتحت مؤخرًا في فرنسا، في خطوة قد تزيد من توتر العلاقات بين البلدين.

ومن المتوقع أيضًا استدعاء الدبلوماسيين الجزائريين العاملين في فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية، حيث سيتم تذكيرهم بالاتفاق المبرم عام 1994 بشأن إعادة قبول المرحّلين. كما تدرس باريس رفع قضية دولية ضد الجزائر، بدعوى انتهاكها لالتزاماتها بموجب هذا الاتفاق.

تكثيف عمليات التفتيش وتشديد الرقابة الحدودية

ضمن الإجراءات الأمنية، تسعى باريس إلى تشديد عمليات التفتيش على المسافرين الجزائريين، من خلال سحب تصاريح الإقامة والتسهيلات الإدارية، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى المطارات. كما تدرس الحكومة الفرنسية تشديد عمليات التفتيش على العبّارات القادمة من الجزائر إلى ميناء "سيت"، كإجراء يُنظر إليه على أنه رد على محاولات السلطات الجزائرية التأثير على شركة العبارات الفرنسية "كورسيكا".

إجراءات اقتصادية: تعليق الرحلات الجوية والشحن وفتح ملف الديون

اقتصاديًا، قد تشمل الخطوات التصعيدية تعليق نشاط شركات الطيران والشحن الجزائرية في فرنسا، وربما فرض عقوبات على أصول شخصيات جزائرية مستهدفة من قبل السلطات الفرنسية.

إضافةً إلى ذلك، تدرس باريس فتح ملف الديون المستحقة على المستشفيات الجزائرية، والتي تبلغ 45 مليون يورو، إلى جانب إمكانية إنهاء اتفاقية عام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات اجتماعية خاصة في فرنسا.

تشير هذه الإجراءات إلى تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، حيث تسعى باريس إلى زيادة الضغوط على الجزائر لإجبارها على قبول المرحّلين، بينما تواصل الجزائر رفضها لهذه الخطوات، مما قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد الدبلوماسي بين الطرفين.

تُدرك باريس جيدًا أن تطبيق هذه الإجراءات سوف يؤدي حتمًا إلى ردود فعل من جانب الجزائر

هل يصل التصعيد إلى مستوى يؤثر فعليًا على العلاقات الثنائية؟

تتوقع السلطات الفرنسية أن تردّ الجزائر بوقف التعاون في ملف الهجرة، وتعليق عمليات إعادة قبول المرحّلين، بالإضافة إلى طرد دبلوماسيين فرنسيين.

يرى الصحفي نصر الدين حديد أن التصعيد الحالي لا يزال في نطاق المناورات الدبلوماسية ولم يصل إلى مستوى "الخطورة"،مشيرًا إلى أن الإجراءات المتخذة من الجانبين أقرب إلى الاستعراضات السياسية والتهديدات المتبادلة، دون أن تؤثر بشكل جوهري على الاقتصاد أو حركة التنقل بين البلدين.

من جانبه، حاول وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو التخفيف من حدة التوتر، مؤكدًا أمس الثلاثاء تمسّك باريس بعلاقاتها مع الجزائر، حيث قال: "فرنسا حريصة على علاقتها مع الجزائر، فهي علاقات معقدة، لكنها تظل فريدة من نوعها وقائمة على مصالح مشتركة قوية".