17-مارس-2025
يعاني الحزب الديمقراطي من غياب قيادة جديدة قادرة على مواجهة ترامب (GETTY)

يعاني الحزب الديمقراطي من غياب قيادة جديدة قادرة على مواجهة ترامب (GETTY)

يعيش الحزب الديمقراطي واحدة من أسوأ أزماته السياسية على الإطلاق، حيث يواجه تراجعًا غير مسبوق في شعبيته، وانقسامات داخلية حادة، وافتقارًا إلى قيادة قوية قادرة على التصدي لسياسات الرئيس دونالد ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض.

وبينما يحاول الحزب إعادة ترتيب أوراقه، تشير التقارير إلى أنه يعاني من فقدان القدرة على التأثير السياسي، والتخبط في استراتيجيات المواجهة، وسط تصاعد الغضب الشعبي بين أنصاره.

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب الديمقراطي يعاني من تراجع كارثي في شعبيته، حيث أظهر استطلاع أجرته شبكة "NBC News" أن 27 % من الأميركيين فقط لديهم رأي إيجابي في الحزب، وهو أدنى مستوى يسجله الحزب منذ 35 عامًا

وفقًا لتحليل نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن الحزب الديمقراطي يجد نفسه في مأزق حقيقي، إذ لا يمتلك رؤية واضحة لمواجهة ترامب، ولم يعد قادرًا على إقناع الناخبين بأنه يمثل بديلًا قويًا. في ظل هذا الوضع، يبدو أن الحزب يعتمد على ركيزتين رئيسيتين هما: القاعدة النضالية في الشارع والرهان على الفوضى السياسية التي قد تتسبب فيها سياسات ترامب.

شعبية الحزب الديمقراطي في أدنى مستوياتها منذ 35 عامًا

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب الديمقراطي يعاني من تراجع كارثي في شعبيته، حيث أظهر استطلاع أجرته شبكة "NBC News" أن 27 % من الأميركيين فقط لديهم رأي إيجابي في الحزب، وهو أدنى مستوى يسجله الحزب منذ 35 عامًا.

أما داخل القاعدة الديمقراطية، فقد كشف استطلاع أجرته شبكة "CNN" عن انخفاض تأييد أنصار الحزب لتوجهاته بمقدار 9 نقاط منذ كانون الثاني/يناير الماضي، حيث لم يعد سوى 63 % من مؤيدي الحزب يوافقون على سياساته الحالية، وهو ما يعكس حالة الإحباط المتزايدة بين الناخبين الديمقراطيين، الذين يشعرون بأن الحزب لم يعد يمثل مصالحهم بشكل حقيقي.

تشاك شومر تحت النار بسبب "خيانة المبادئ الديمقراطية"

في ظل هذا التراجع، يواجه زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، انتقادات حادة بسبب قراره دعم مشروع قانون جمهوري لتفادي الإغلاق الحكومي. فقد صوّت شومر، إلى جانب تسعة نواب ديمقراطيين آخرين، لصالح مشروع القانون، ما أثار غضب أعضاء الحزب الذين رأوا في ذلك تنازلًا مجانيًا لصالح ترامب.

وفي حين برر شومر موقفه بالقول إن الإغلاق الحكومي كان سيصب في مصلحة ترامب، الذي يسعى إلى تقليص دور الحكومة الفيدرالية، يرى الديمقراطيون أن هذه كانت فرصة ضائعة لإظهار قدرتهم على الوقوف بوجه سياسات ترامب. اللافت أن ترامب نفسه أثنى على "شجاعة شومر"، مما زاد من حدة الانتقادات الداخلية ضد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ.

اللجوء إلى الشارع.. محاولة يائسة لاستعادة التأييد

بعد فشل الحزب في تحقيق أي مكاسب سياسية حقيقية داخل الكونغرس، بدأ الديمقراطيون في اللجوء إلى الشارع كوسيلة لاستعادة زخمهم الشعبي. في هذا السياق، تمت الدعوة إلى يوم احتجاجات واسع في الخامس من نيسان/أبريل، حيث يتوقع أن تشهد مختلف الولايات الأميركية مظاهرات يقودها نشطاء من حركة "إنديفيزيبل" (Indivisible)، التي باتت أحد أبرز الأصوات المعارضة لترامب.

وفي الوقت ذاته، بدأ السيناتور التقدمي بيرني ساندرز جولة وطنية تحت شعار "محاربة الأوليغارشية"، حيث زار ولايات مثل نبراسكا، ويسكونسن، أيوا وميشيغان، وحظي بدعم جماهيري كبير. ويأمل الديمقراطيون أن تساهم هذه التحركات في إعادة تعبئة القاعدة الشعبية للحزب، التي باتت تشعر بالخذلان بسبب الأداء السياسي الضعيف.

غياب قيادة جديدة: الديمقراطيون أسرى الشخصيات القديمة

إحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها الحزب الديمقراطي هي غياب قيادة جديدة قادرة على مواجهة ترامب. فبينما أعاد ترامب تشكيل الحزب الجمهوري من خلال حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" (ماغا)، لم يتمكن الديمقراطيون من تقديم قيادة بديلة بنفس القوة.

ورغم ظهور بعض الشخصيات الشابة مثل ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، إلا أن القيادة الحقيقية للحزب لا تزال في أيدي شخصيات متقدمة في السن مثل تشاك شومر (74 عامًا)، نانسي بيلوسي (84 عامًا)، وستيني هوير (85 عامًا)، وهو ما يجعل الحزب بعيدًا عن التواصل مع الأجيال الجديدة من الناخبين.

يقول المحلل السياسي سيمون روزنبرغ، إن الديمقراطيين بحاجة إلى تغيير شامل في استراتيجيتهم، مقترحًا أن يتحول أعضاء الكونغرس الديمقراطيون إلى "قادة رأي عام يعملون كمعارضين سياسيين نشطين على مدار الساعة"، بدلًا من الاكتفاء بدورهم التقليدي التشريعي.

أوباما وبايدن.. غياب مريب عن الساحة السياسية

بينما يواجه الحزب الديمقراطي هذه الأزمة، يختار باراك أوباما وجو بايدن الصمت التام وعدم الدخول في معارك سياسية مباشرة مع ترامب.

أوباما، الذي كان أحد أقوى الأصوات الديمقراطية، يكتفي حاليًا بإرسال رسائل بريدية عامة للناخبين دون الإشارة إلى ترامب، فيما فضل بايدن الابتعاد عن المشهد السياسي تمامًا بعد مغادرته البيت الأبيض.

أما كامالا هاريس، التي كانت تأمل في أن تصبح الوجه الجديد للحزب، فقد اختفت تمامًا عن الأضواء بعد هزيمتها الانتخابية، وهناك تقارير تشير إلى أنها تدرس الترشح لمنصب حاكم كاليفورنيا ومدى تأثير ذلك على حظوظها في انتزاع بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية للاستحقاق الرئاسي عام 2028.

هل يستطيع الديمقراطيون استعادة السيطرة قبل انتخابات 2026؟

يدرك الديمقراطيون أن الوقت ليس في صالحهم، حيث يتعين عليهم البدء في الاستعداد مبكرًا لانتخابات التجديد النصفي لعام 2026، التي ستحدد ميزان القوى في الكونغرس. ويأمل الحزب في استعادة الأغلبية في مجلس النواب، ما سيمكنه من عرقلة سياسات ترامب.

لكن التحدي الأكبر يكمن في إقناع الناخبين بأن الحزب الديمقراطي لا يزال قادرًا على تمثيلهم. في هذا السياق، ستكون جميع الانتخابات المحلية اختبارات لقياس موقف الرأي العام، بدءًا من الانتخابات المقررة في الأول من نيسان/أبريل القادم في ولاية ويسكونسن، لشغل منصب قاضٍ في المحكمة العليا، وهو منصب حاسم في تحديد الأغلبية داخلها.

الديمقراطيون بين إعادة الهيكلة أو الفشل المحتوم

تشير التقارير إلى أن الحزب الديمقراطي يعيش أزمة هوية حقيقية، حيث لم يعد قادرًا على تقديم رؤية واضحة لمواجهة ترامب. وبينما تأمل قيادته في أن تؤدي أخطاء إدارة ترامب إلى سقوطه سياسيًا، يدرك الكثيرون داخل الحزب أن هذا الرهان قد يكون خاسرًا إذا لم يتمكن الديمقراطيون من تقديم استراتيجية قوية وواضحة.