09-يناير-2025
طائرة ترامب في غرينلاند

قام دونالد ترامب جونيور بزيارة إلى غرينلاند عقب تصريحات والده الذي وصفها بأنها ولاية أميركية (رويترز)

تثير طموحات ترامب التوسعية مخاوف حلفاء بلاده الأوروبيين. وقد تولى المستشار الألماني أولاف شولتس، بعد التنسيق مع رؤساء حكومات أوروبية، الرد على خطط ترامب التوسعية، حيث قال شولتز ليل الأربعاء ـ الخميس، بلغة لا تخلو من الدبلوماسية، إنه لاحظ "قدرًا من عدم التفهم من قِبل شركاء أوروبيين بشأن تصريحات معينة صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية"، مذكّرًا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب علنًا بما أسماه "مبدأ حرمة الحدود"، قائلًا إن هذا المبدأ "ينطبق على كل دولة سواءً كانت في الشرق أو في الغرب".

وجاء رد شولتس على خلفية إعلان ترامب عن رغبته في الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك. وتجدر الإشارة إلى أنّ ترامب رفض خلال مؤتمرٍ صحفي، أمس الأربعاء، تأكيد أنه لن يلجأ إلى خيار القوة العسكرية أو الإكراه الاقتصادي في وضع اليد على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، قائلًا في رده على سؤال الصحفي الذي طلب منه تأكيد عدم اللجوء للخيار العسكري والعقوبات: "لن أعلن التزامي بذلك (أي عدم القيام بتحرك عسكري). قد نضطر للقيام بأمر ما"، مضيفًا "يمكنني أن أقول ذلك: نحتاج إليهما من أجل الأمن القومي الاقتصادي". كما جدّد ترامب في  السياق ذاته "طرح  فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية"، وهو الأمر الذي تسبب في أزمة سياسية في كندا أدت إلى استقالة رئيس الوزراء، جاستن ترود، من رئاسة الحكومة والحزب الحاكم.

ينبع تركيز ترامب على ضم غرينلاند من سعيه إلى منافسة روسيا والصين في منطقة القطب الشمالي 

هل أوروبا في موقف العاجز أمام ترامب؟

حتى اللحظة، يكتفي الموقف الأوروبي بالتمسك بالمرجعية الدولية في مواجهة أطماع ترامب التوسعية، حيث قال متحدث باسم الحكومة الألمانية "إن ألمانيا على علمٍ بتعليقات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بشأن غرينلاند وكندا، وتتمسك بالمبدأ الدولي الذي يقضي بعدم  تعديل الحدود بالقوة". كما قال المتحدث باسم الخارجية الألمانية خلال المؤتمر الصحفي الدوري للوزارة ليل الأربعاء ـ الخميس: "كما هو الحال دائمًا، فإن المبدأ النبيل لميثاق الأمم المتحدة واتفاقات هلسنكي ينطبق هنا، وهو عدم جواز تعديل الحدود بالقوة".

تقرير المصير

ليست الدنمارك أفضل حالًا من أوروبا في ردودها، لكنها وبدلًا من مواجهة ترامب بقوانين ومبادئ دولية لا يقيم لها وزنًا، تحاول أن تلعب على وتر تقرير المصير حتى تجعل ترامب في مواجهة مع شعب جزيرة غرينلاند، حيث تحدث وزير الخارجية الدنماركي عن إمكانية استقلال غرينلاند، قائلًا: "غرينلاند قد تستقل عن الدنمارك إذا أراد سكانها ذلك، لكنها لن تصبح ولايةً أمريكية".

وجاء هذا الموقف على إثر رفض الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب استبعاد استخدام القوة للسيطرة على الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي، الذي يعد هو الآخر منطقة تنافس بين الولايات المتحدة وروسيا التي تزعم نفوذها على نسبة 70% من المنطقة. ويمكن تفسير إصرار ترامب على الاستحواذ على غرينلاند بهذا البعد، فالمنطقة ستكون مستقبلًا إحدى أهم الممرات البحرية عالميًا (مشروع طريق الحرير القطبي، عدا عن احتوائها على ثروات ومقدرات نفطية وغازية ومعدنية كبيرة تُسيل لعاب جميع القوى العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين.

وهذا بالضبط ما أشار إليه بشكلٍ صريح وزير خارجية الدانمارك لارس لوكه راسموسن في لقاء مع الصحفيين بقوله "إن زيادة مخاوف الولايات المتحدة الأمنية في القطب الشمالي مشروعة بعد زيادة النشاط الروسي والصيني في المنطقة"، مضيفًا "لا أعتقد أننا نمر بأزمة في السياسة الخارجية.. نحن منفتحون على الحوار مع الأميركيين حول كيفية تعاوننا بشكل أوثق لضمان تحقيق الطموحات الأميركية" في القطب الشمالي.

تجدر الإشارة إلى أنّ زعيم غرينلاند أجرى محادثات، أمس الأربعاء، مع ملك الدنمارك في كوبنهاغن بعد يوم من تصريحات ترامب التي جعلت مصير الجزيرة الخاضعة لحكم الدنمارك يتصدر عناوين الأخبار العالمية، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية.

وفي تعليقها على تطوّرات قضية الجزيرة الاستراتيجية للأطماع الأميركية في القطب الشمالي، قالت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، إنها: "لا تستطيع أن تتخيل أن طموحات ترامب قد تدفعه إلى التدخل عسكريًا في غرينلاند"، لافتةً إلى أن: "القدرات العسكرية الدنماركية في الجزيرة تقتصر على أربع سفن تفتيش وطائرة استطلاع من طراز تشالنجر ودوريات بالكلاب على زلاجات".

تعد غرينلاند أكبر جزيرة في العالم. وعلى الرغم من تمتعها بالحكم الذاتي، إلا أنها تعتبر منذ نحو 600 عامًا جزءا من الدنمارك، ولا يتجاوز عدد سكان الجزيرة أكثر من 60 ألف نسمة، وتسعى الحكومة الحالية في غرينلاند بقيادة ميوت إيجيدي إلى تحقيق الاستقلال الكامل، ويبدو أن الدنماركيين بدأوا يتفهمون تلك الرغبة، وقد يعجّلون بالاعتراف بغرينلاند جزيرةً مستقلة بسبب أطماع ترامب التوسعية التي لا تأخذ وجهة نظر الحلفاء بعين الاعتبار، إذ قال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن: "نعلم تمامًا أن غرينلاند لديها طموحاتها الخاصة التي إذا تحققت ستصبح مستقلة، لكن (الجزيرة) لا تطمح في أن تصبح ولاية اتحادية من الولايات المتحدة".