يهدد إغلاق مطابخ الطعام حياة الملايين في السودان، الذي يشهد صراعًا منذ نيسان/أبريل 2023، إذ إنه بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تشهدها البلاد، فإن على المنظمات الإنسانية التعامل مع الظروف التي فرضها تجميد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لأنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، الأمر الذي يؤثر على الخدمات المقدمة للنازحين السودانيين.
ومنذ تنصيب ترامب في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، استهدف إيلون ماسك، من خلال وزارة كفاءة الحكومة، موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بسلسلة من الإجراءات، كان من بينها منعهم من الوصول إلى بريدهم الإلكتروني، بالإضافة إلى منحهم إجازة لمدة ثلاثة أشهر، وهي الفترة التي ستشهد تعليق الوكالة لأنشطتها لمدة 90 يومًا.
أكثر من 30 مليون شخص يحتاجون للمساعدات
يشير تقرير لموقع "إن بي سي نيوز" الأميركي إلى أن أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مسلطًا الضوء على دور مطابخ الطعام في توفير الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية للأشخاص في مناطق مختلفة من البلاد، والتي لا يمكن للمنظمات الإنسانية الوصول إليها. هذه المطابخ باتت الآن معرضة للتوقف بشكل نهائي بعد تجميد الإدارة الأميركية لأنشطة وكالة التنمية الدولية.
توفر المطابخ الجماعية الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية للأشخاص في مناطق مختلفة من البلاد، التي لا يمكن للمنظمات الإنسانية الوصول إليها، لكنها تواجه الآن خطر الإغلاق
وبحسب منسق غرف الاستجابة للطوارئ في منطقة دارفور، أبو ذر عثمان سليمان، فإن حياة الآلاف مهددة بالموت جوعًا بعد توقف التمويل الأميركي، موضحًا أن تكلفة تشغيل مطبخ واحد في دارفور، وهو مخصص لإطعام 250 أسرة لمدة أسبوعين، تبلغ 10 آلاف دولار، مشيرًا إلى أن هذه المطابخ مهددة بالتوقف عن تقديم خدماتها خلال فترة تتراوح بين 10 و20 يومًا.
ولفت سليمان، في حديثه للموقع الأميركي، إلى أن جميع المطابخ البالغ عددها 40، والتابعة لمنظمات الإغاثة الإنسانية، قد اضطرت إلى الإغلاق في مخيم زمزم في دارفور، حيث لجأ أكثر من مليون نازح.
وكان تحليل أجراه "التصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي" قد حذر من أن ملايين السودانيين يواجهون الآن الاختيار بين البقاء في المخيم والموت جوعًا، أو المخاطرة بحياتهم بالتنقل عبر مناطق دارفور المحاصرة من قبل قوات الدعم السريع. ووفقًا للتصنيف الدولي، فإن المجاعة تنتشر في أربع مناطق سودانية، ومن المتوقع أن تتفاقم خلال الأشهر المقبلة بسبب الحرب وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية.
وتقول "خدمات الإغاثة الكاثوليكية"، التي تضم نحو خمسة آلاف موظف، إنها أبلغت موظفيها بإمكانية تسريحهم جراء تخفيضات الإدارة الأميركية لمنح المساعدات الخارجية، حيث تحصل على نصف ميزانيتها السنوية البالغة 1.5 مليار دولار من الوكالة الأميركية للتنمية. وبحسب مسؤول الاتصالات في خدمات الإغاثة، تبلغ تكلفة تشغيل مطابخ الإغاثة التي تقدم خدماتها في السودان 20 مليون دولار سنويًا.
كارثة إضافية للسودانيين
يسلط تقرير منفصل لوكالة "الصحافة الفرنسية" الضوء على تضرر مطابخ الطعام من تجميد أنشطة الوكالة الأميركية، وسط مخاوف من "موت كثير من الناس بسبب هذا القرار"، وفق ما تقول إحدى المتطوعات في جمع التبرعات.
وبحسب متطوعة أخرى تحدثت للوكالة الفرنسية، فإن المنظمة التي تعمل معها لديها 40 مطبخًا في أنحاء السودان، توفر الطعام لما بين 30 ألفًا و35 ألف شخص يوميًا، مضيفةً أن هذه المطابخ أُغلقت بعد تجميد المساعدات الخارجية الأميركية بقرار من ترامب.
الملياردير إيلون ماسك قال إن ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعد أيام من التكهنات حول مستقبل الوكالة.
اقرأ أكثر: https://t.co/dfrcxezSjH pic.twitter.com/bUSNOSxIJF— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 4, 2025
ويرى رئيس الفريق الطبي لمنظمة "أطباء بلا حدود" في مدينة أم درمان، جاويد عبد المنعم، أن "تأثير قرار وقف التمويل بهذه الطريقة الفورية له عواقب مميتة"، مضيفًا: "هذه كارثة إضافية للسودانيين الذين يعانون أصلًا من تداعيات العنف والجوع وانهيار النظام الصحي واستجابة إنسانية دولية مزرية".
وقد انقطعت الاتصالات الرسمية بعد قرار ترامب بتجميد عمل الوكالة الأميركية، وفقًا لمنسق مساعدات، وعلى الرغم من دفع بعض النفقات، إلا أن "الخوف هو مما سيحدث لاحقًا. لديهم (المنظمات) المال الآن، لكن ماذا عن الشهر المقبل؟ كم من الأشخاص سيجوعون؟"، كما يقول منسق المساعدات، في إشارة إلى تقديم المنظمات الإنسانية الدعم المالي لتغطية نفقات المساعدات الغذائية والرعاية الصحية والمأوى بناءً على وعود تمويل الوكالة الأميركية.
ليس الوقت المناسب لسحب التمويل
تكشف التقارير الصحفية عن ظروف مأساوية يواجهها النازحون السودانيون في المخيمات المنتشرة في أنحاء البلاد، خاصة الأطفال الذين يُقدر عددهم بـ3.2 مليون طفل. ويعتقد الطبيب المتطوع مع منظمة "أطباء بلا حدود" في مستشفى الأطفال في أم درمان، محمد فضل الله، أن السودان "في وضع يرثى له".
ويُوضح فضل الله أن سبب سوء التغذية الحاد الذي يصيب الأطفال يرجع إلى عدم "حصولهم على ما يكفي من العناصر الغذائية"، مشيرًا إلى أنهم "غير قادرين على محاربة العدوى بشكل طبيعي، وغير قادرين على الاستفادة من التغذية بشكل صحيح"، مؤكدًا أن "أغلب الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد ينتهي بهم الأمر إلى الإصابة بالعدوى والموت بسببها".
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، قد قدمت دعمًا بقيمة 2 مليار دولار للاستجابة الطارئة في السودان، بما في ذلك تقديم وعود بمنح مساعدات إنسانية بقيمة 424 مليون دولار، تم إرسال 276 مليون دولار منها عبر الوكالة الأميركية للتنمية.
منظمة اليونيسف قالت إن انعدام الأمن والفيضانات والطرق غير السالكة أدت إلى عرقلة وصول الأطفال إلى الخدمات الصحية المنقذة للحياة في #السودان. pic.twitter.com/dP2rlQ1Hmr
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 1, 2025
وتعتبر رئيسة الاتصالات في برنامج الأغذية العالمي، ليني كينزلي، أن تعليق ترامب للمساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا قد يكون كارثيًا على السودان، مضيفةً: "الآن ليس الوقت المناسب لسحب التمويل. لقد حان الوقت لزيادة التمويل"، مؤكدةً أن "كل تأخير يعني خسارة أرواح".
وكانت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة قد أشارت في بيان صدر مؤخرًا إلى أن "عدد النازحين داخليًا بلغ 11 مليونًا و585 ألفًا و384 شخصًا، بينهم 8 ملايين و856 ألفًا و313 نازحًا داخليًا منذ 15 نيسان/أبريل 2023"، لافتةً إلى أن النازحين موزعون على أكثر من 10 آلاف موقع في الولايات الـ18 بمختلف أنحاء السودان.
وأوضحت المنظمة الأممية في بيانها أن حوالي 3.5 ملايين شخص عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، مشيرةً إلى أن أكثر الولايات تضررًا من النزوح هي ولاية الخرطوم بنسبة 31%، تليها ولايتا جنوب دارفور بنسبة 18 % وشمال دارفور بنسبة 15 %، وهو ما يعني أن 64 % من النازحين يتوزعون في هذه الولايات الثلاث.