07-مارس-2020

تستمر أزمة سد النهضة بعد سنوات من التفاوض (Getty)

تعالت حدة المواقف بين مصر وإثيوبيا بخصوص سد النهضة الذي تُقيمه أديس أبابا على نهر النيل منذ انسحابها من المفاوضات في واشنطن، وبعد أن كانت الأزمة على مقربة من الحل والتوصل إلى اتفاق نهائي بشأنها عادت بشكل أكثر خطورة مما يهدد بإمكانية الوصول إلى تدخلات عسكرية فيها.

تعالت حدة المواقف بين مصر وإثيوبيا بخصوص سد النهضة الذي تُقيمه أديس أبابا على نهر النيل منذ انسحابها من المفاوضات في واشنطن

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد استضافت في العاصمة واشنطن مفاوضات بشأن السد بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان بالإضافة إلى البنك الدولي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، حيث تم التباحث على مدار عدة أشهر حول النقاط الخلافية والتي يأتي أبرزها فيما يتعلق بسنوات ملء خزانات السد وحصص المياه المتوقع أن تحصل عليها كل من مصر والسودان بعد بدء تشغيله، وكذلك آلية التنسيق والغشراف على إدارته بعد الانتهاء منه.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة سد النهضة.. دليلٌ على فشل الدبلوماسية المصرية

وفي يوم الأربعاء، 26 شباط/فبراير الماضي، أعلنت أديس أبابا عدم مشاركتها في الاجتماع الأخير الذي كان مقررًا فيه التوقيع على الاتفاقية التي تم التفاوض بشأنها، وذلك بعد أيام من استلام الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، مسودة الاتفاقية التي أعدتها الولايات المتحدة بمشاركة البنك الدولي.

كما نشرت وزارة الخزانة الأمريكية الاتفاق المبدئي حول تحديد إجراءات ملء السد، الذي تم التوصل إليه بين الفرقاء الثلاث برعاية وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، ورئيس البنك الدولي، ديفيد ملباس، اللذين شاركا في المحادثات بصفة مراقبين. وأكد الاتفاق المبدئي على التزام الأطراف بالتوصل إلى اتفاق شامل وتعاوني قابل للتأقلم مع المتغيرات والمنفعة المتبادلة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، وأنهم اتفقوا على أن "ملء السد سيجري على مراحل بصورة مشتركة طبقًا للظروف المتاحة، التي تأخذ بعين الاعتبار الوضع المائي في النيل الأزرق والتبعات المحتملة للملء بالنسبة إلى الاحتياطيات المائية لدول المصب".

وعقب إعلان إثيوبيا انسحابها من المفاوضات أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بيانًا أعربت فيه عن خيبة أملها من غياب إثيوبيا عن المراحل النهائية للاتفاق، ومؤكدة فيه على ضرورة عدم البدء في ملء خزان سد النهضة وألا يتم إجراء الاختبارات النهائية إلا بعد الاتفاق وفق المفاوضات وبنود إعلان المبادئ الواردة في اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث لا سيما مبادئ عدم التسبب في ضرر كبير لبلدان المصب.

وكانت الدول الثلاث قد وقعت إعلانًا مشتركًا لمبادئ حول مشروع سد النهضة عام 2015، والذي نص على 10 بنود كان أهمها اعتراف مصر بأحقية إثيوبيا في إنشاء السد، وعدم الإضرار بدول المصب، والاستخدام المنصف والمناسب للموارد المائية، وتطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض أو من خلال الوساطة.

وبعد بيان وزارة الخزانة الأمريكية عقد وزيرا الخارجية والري الإثيوبيان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، أعلن فيه جود أندارجاشيو، وزير الخارجية، إن بلاده ستبدأ في تعبئة خزان السد بعد 4 أشهر أي خلال شهر تموز/يوليو المقبل، وأنه لا توجد قوة يمكنها أن تمنع بلاده من ذلك، كما طالب وزارة الخزانة الأمريكية بتصحيح ما ورد في بيانها الذي وصفه بـ "غير الدبلوماسي"، رافضًا ما وصفه بالتدخل الأمريكي في تحديد مصلحة بلاده، قائلًا إن "الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه".

وبعد ساعات من مؤتمر الوزيرين، عقد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اجتماعًا موسعًا مع قيادات القوات المسلحة بحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقيادات الأفرع والإدارة العسكرية، وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إن السيسي قد أكد عليهم بضرورة التحلي بأعلى درجات الاستعداد القتالي وأعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي في ظل التحديات الراهنة، والذي فُهم منه بأنه تلويح بالتدخل العسكري في قضية السد كحل نهائي بعد فشل المفاوضات التي تستمر منذ 7 سنوات.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد صرح خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي خلال جلسة للبرلمان قائلًا: "يقول البعض أمورًا عن استخدام القوة من جانب مصر، يجب أن نؤكد على أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد، وإذا كانت هناك ضرورة للحرب فنستطيع حشد الملايين، وإذا كان البعض يستطيع إطلاق صاروخ فالآخرون قد يستخدمون القنابل".

وقد أصدرت جامعة الدول العربية بيانًا أكدت فيه على تضامنها مع حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه نهر النيل ورفض أية إجراءات أحادية من الجانب الإثيوبي، وهو البيان الذي تحفظ عليه السودان رسميًا ورفضته أديس ابابا.

وكانت مصر قد لوحت عدة مرات باستخدام القوة العسكرية لمنع إثيوبيا من بناء سد النهضة منذ فترة حكم الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، والذي قال إن "المسألة الوحيدة التي يمكن أن تقود مصر للحرب مرة أخرى هي المياه"، وبالمثل قال وزير الدفاع الأسبق، عبد الحليم أبو غزالة، إنه "يجب أن نسعى باستخدام القوة الشاملة لمنع تنفيذ المشروعات في بعض دول حوض نهر النيل، التي تهدف إلى تخفيض نصيب مصر من المياه". 

وفي عام 2012، نشر معهد ستراتفور للدراسات الأمنية، رسائل إلكترونية تعود إلى عام 2010، ذكرت تفاصيل محادثة بين رئيس المخابرات العامة آنذاك، عمر سليمان، وبين مبارك؛ تضمنت خطة عسكرية لحماية حصة مصر في مياه نهر النيل، إذ ذكر سليمان قائلًا "إذا تحول الأمر إلى أزمة، سنرسل طائرة لقصف السد، وتعود في نفس اليوم. أو يمكننا أن نرسل قوات خاصة لتخريب السد"، كما لفتت الرسائل إلى عملية مشابهة نفذتها مصر بالفعل في عام 1976، بتفجير معدات كانت في طريقها إلى إثيوبيا بحريًا، بغرض استخدامها في بناء سد ضخم.

وتُشير المقارنة العسكرية بين الدولتين إلى التفوق الكبير للجيش المصري عسكريًا على نظيره الإثيوبي، كما تمتلك مصر علاقات ونفوذ بدول إرتريا وجنوب السودان المجاورتين لإثيوبيا.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

وفي عام 2011، كانت إثيوبيا قد أعلنت رسميًا عن عزمها إنشاء سد النهضة بتكلفة أربعة مليارات دولار أمريكي، بغرض أن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في القارة السمراء، إذ يتوقع من السد توليد الكهرباء بطاقة إجمالية تبلغ 6450 ميغاوات، ليعد المشروع القومي الأبرز في البلاد. 

ى باتت مصر ضمن قائمة الدول الفقيرة مائيًا بمعدل 500 متر مكعب للفرد الواحد في العام، وهي نصف الكمية التي يحددها التعريف الدولي للفقر المائي

وسيؤثر هذا السد على حصة مصر من نهر النيل، الذي تعتمد عليه بنسبة تتجاوز 95% كمصدر للمياه متعددة الاستخدامات، إذ تبلغ حصتها منه حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، وهي كمية لم تعد كافية بالأساس، حتى باتت مصر ضمن قائمة الدول الفقيرة مائيًا بمعدل 500 متر مكعب للفرد الواحد في العام، وهي نصف الكمية التي يحددها التعريف الدولي للفقر المائي، والمقدرة بألف متر مكعب، بعجز يصل إلى 40 مليار متر مكعب حاليًا.