أزمة تمويل تهدد مهام الأمم المتحدة.. تقليص واسع في قوات حفظ السلام يثير المخاوف
9 أكتوبر 2025
تعاني الأمم المتحدة من أزمة مالية خانقة، دفعتها مرارًا إلى تقليص نطاق عملها وبرامج تدخلها حول العالم. ويأتي جانب من هذا التقشف تحت ضغوط سياسية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي طالبت المنظمة بإصلاحات جوهرية بعد اتهامها بالفساد وبالانحياز ضد الجهود الأميركية في "اتفاقيات السلام" التي أبرمها أو سعى لإبرامها.
ولوّح ترامب، على خلفية تلك الانتقادات والمواقف السلبية، بإمكانية تعليق المساهمة الأميركية في تمويل المنظمة، التي يقع مقرها الرئيسي في نيويورك منذ تأسيسها عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية.
خفض قوات حفظ السلام
أُنشئت الأمم المتحدة أساسًا لتعزيز السلام العالمي وتقليص مساحة الفوضى في النظام الدولي، وهي الفوضى التي يعتبرها منظّرو العلاقات الدولية من "الواقعيين" سببًا رئيسيًا لاندلاع الحروب والنزاعات بين الدول والجماعات، نظرًا لغياب سلطة عليا قادرة على ردع العدوان.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، شكّلت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام التي انتشرت، على مدى العقود الماضية، في بؤر توتر متعددة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وآسيا.
تقدَّر الأموال المستحقة للأمم المتحدة لدى الولايات المتحدة الأميركية بحوالي 2.8 مليار دولار ترفض إدارة ترامب تسديدَها للمنظمة الأممية
لكن هذه القوات، التي طالما اضطلعت بمهام حفظ السلام، باتت هي الأخرى في مرمى سياسات التقشّف؛ إذ أكّد مسؤولان كبيران في الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، في حديث لوكالة "رويترز"، أن المنظمة "ستخفض ربع قوات حفظ السلام في 11 مهمة حول العالم خلال الأشهر المقبلة، بسبب نقص التمويل، فيما لا يزال الدعم المالي المستقبلي من الولايات المتحدة غير مؤكد".

وقال مسؤول أممي كبير آخر، طلب عدم كشف هويته:"بشكل عام، سيتعين علينا إعادة نحو 25% من إجمالي قوات حفظ السلام والشرطة التابعة لنا، إلى جانب معداتهم، كما سيتأثر عدد كبير من الموظفين المدنيين في البعثات".
ومن المتوقع أن يصل عدد القوات التي سيتم الاستغناء عنها إلى ما بين 13 و14 ألفًا من العسكريين وأفراد الأمن.
ومن شأن هذا التقليص الكبير أن يؤثر سلبًا على عمليات حفظ السلام في بؤر التوتر المختلفة التي تنتشر فيها القوات الأممية، ما قد يؤدي إلى انهيار الهدوء النسبي والعودة إلى مربع الحرب في مناطق مثل مالي ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مناطق سبق أن اعتبرت إدارة ترامب أن بعثات الأمم المتحدة فيها "باءت بالفشل".
قال مسؤول أممي كبير آخر، طلب عدم كشف هويته:"بشكل عام، سيتعين علينا إعادة نحو 25% من إجمالي قوات حفظ السلام والشرطة التابعة لنا، إلى جانب معداتهم
كبار المساهمين يعرقلون مهام قوات حفظ السلام
تُعدّ الولايات المتحدة الأميركية أكبر مساهم في تمويل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ تغطي نحو 26% من الميزانية، تليها الصين بنسبة تقارب 24%.
وعلى الرغم من أن هذه الالتزامات المالية غير طوعية بل تفرضها قرارات الجمعية العامة، فإن واشنطن وبكين تتأخران باستمرار في السداد.
وكشفت مصادر في الأمم المتحدة لوكالة "رويترز" أن الولايات المتحدة كانت متأخرة عن سداد نحو 1.5 مليار دولار قبل بدء السنة المالية الجديدة في الأول من تموز/يوليو، ثم أضيف إليها 1.3 مليار دولار أخرى، ما رفع إجمالي المستحقات إلى أكثر من 2.8 مليار دولار.
ومن هذه المبالغ الضخمة، لم تتعهد إدارة ترامب سوى بدفع 680 مليون دولار فقط، بعد أن ألغى الرئيس الأميركي في آب/أغسطس الماضي نحو 800 مليون دولار من تمويل عمليات حفظ السلام المخصصة لعامي 2024 و2025، وفقًا لمراسلة رسمية من البيت الأبيض إلى الكونغرس.
كما اقترح مكتب الميزانية في البيت الأبيض إلغاء تمويل بعثات حفظ السلام لعام 2026 بالكامل، مبررًا القرار بـ"فشل تلك البعثات في مالي ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية".

وتنتشر القوات الأممية في الوقت الراهن في مناطق ودول عديدة، بينها لبنان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكوسوفو وقبرص وجمهورية أفريقيا الوسطى والصحراء الغربية، إضافة إلى المنطقة المنزوعة السلاح في هضبة الجولان السورية.
كما تنتشر قوات أممية على خط وقف إطلاق النار الذي يقسم كشمير بين باكستان والهند، فضلًا عن قوة خاصة في منطقة "أبيي" المشتركة بين السودان وجنوب السودان.