1. عشوائيات
  2. مجتمع

أزمة المياه في مصر: العجز يشتد والتمييز في التوزيع يعمّق المعاناة

28 يوليو 2025
أزمة المياه
نساء مصريات يقفن في طابور أمام خزان مياه (AFP)
عماد عنان عماد عنان

يُعدّ الأمن المائي من أبرز القضايا التي تؤرق المصريين وتستأثر بجزء كبير من تفكيرهم واهتماماتهم، في ظلّ المخاوف المتزايدة من تراجع حصة البلاد من المياه، بعد اقتراب اكتمال سد النهضة الإثيوبي، الذي أعلنت أديس أبابا عزمها تشغيله رسميًا عقب الانتهاء من مراحله الخمس.

وكان وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، قد فجّر مفاجأة من العيار الثقيل بتصريحاته التي أدلى بها في تشرين الأول/أكتوبر 2024 حين أعلن صراحة أن مصر تعانى من الفقر المائي، وأن احتياجاتها المائية تقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، في حين تقدر مواردها المائية الفعلية بنحو 59.6 مليار متر مكعب سنويا ( 55.5 مليار متر من مياه نهر النيل، و30.1 مليار متر من مياه الأمطار، و2.4 مليار متر من المياه الجوفية، و400 مليون متر من تحلية مياه البحر، مع إعادة استخدام 21.6 مليار متر مكعب سنويًا من المياه) ما يعني أن العجز المائي السنوي يتجاوز 54 مليار متر مكعب من المياه.

قال وزير الري المصري هاني سويلم في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إن مصر تعاني من الفقر المائي، وتحتاج إلى 114 مليار متر مكعب سنويًا

وكشف الوزير عن تراجع نصيب المواطن المصري من المياه من 2000 م3 سنويًا في ستينات القرن الماضي إلى أقل من 1000 م3 (خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة) وصولًا إلى 500 م3 سنويًا في الوقت الحالي، الأمر الذي دفع الحكومة المصرية  لتبني "الخطة القومية للموارد المائية لعام 2037" والتي تستهدف من خلالها توفير الموارد المائية لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

تفاقم العجز المائي

في دراسة تحت عنوان "الموارد المائية وترشيد استخدامها في مصر" كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) عن  ارتفاع الاستخدامات من الموارد المائية المتاحة خلال الفترة من 2002 - 2011 من 66.6 مليار م3 إلى 74.5 مليار م3 بنسبة زيادة قدرها 23.7% في ظل ثبات حصة مصـر من مياه النيل عند 55.5 مليار م3 سنه طبقًا للاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا الشأن .

الدراسة استعرضت مسلسل تراجع نصيب الفرد من الموارد المائية منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الألفية الجديدة، حيث تراجع من 2526 م3 عام 1947 (وفرة مائية) إلى 1672 م3 عــام 1970 (كفـاية مائية) ثم 1600م3 عام 1976،  ثم 1200 م3 عام 1986.

و بدأ دخول المصريين  مرحلة الفقر المائي بدءً من عام 1996 حين انخفض متوسط نصيب الفرد إلى 900 م3 من المياه سنويًا ومنه إلى 600 م3 عام 2015 وصولا إلى أقل من 500 م3 خلال العام الحالي 2025، وسط توقعات بانهيارها لتصل إلى أقل من 33 م3 بحلول عام 2050، ما سيدفع البلاد نحو مُعدل ضاغط للفقر المائي يُشكل عائقًا أمام الجهود التنموية.

وتتعدد الأسباب التي ساهمت في تفاقم العجز المائي المصري، على رأسها ارتفاع معدلات النمو السكاني التي بدورها ستؤدي إلى زيادة الطلب على المياه للاستخدامات الصناعية والمنزلية، ما يزيد من نسبة الفقر المائي في متوسط حصة الفرد، فحين كان نصيب الفرد 2536 م3 سنويًا من المياه كان تعداد السكان الإجمالي 19.9 مليون نسمة، وبطبيعة الحال لن يكون الحال كما هو حين يكون التعداد 175 مليون نسمة في 2050.

كذلك بناء سد النهضة الذي رغم التطمينات بشأن تراجع تأثيره لكن كافة التقديرات تذهب باتجاه تداعياته العكسية على حصة المصريين من المياه، حيث تتوقع تقديرات أن تتقلص حصة مصر من مياه النيل بمقدار متوسط من 10 إلى 15 مليار متر مكعب، ما يؤدي إلى فقدان البلاد ما يقرب من 18% من حجم الأراضي الزراعية بما يعادل مليونًا و800 ألف فدان زراعي من أصل 10 ملايين فدان.

علاوة على ذلك فالبنية التحتية المتهالكة لشبكات المياه وما ينجم عنها من هدر وفقد لكميات كبيرة من المياه،  تلعب دورًا مؤثرًا في تفاقم هذا العجز، فبحسب مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، فإن حجم المهدر من مياه الشرب  يبلغ 3.7 مليار م3 سنويًا بما نسبته 33% من استهلاك المياه في القطاع المنزلي.

وكان الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) قد أصدر تقريرًا بمناسبة اليوم العالمي للمياه، كشف من خلاله أن نسبة المهدر من المياه النقية المستخدمة عبر الشبكات بلغت 37.6% من إجمالي كمية المياه المنتجة على مستوى الجمهورية للعام 2015/2016.

6 مليون مصري بلا صنبور مياه

يعتمد المصريون على ثلاثة مصادر رئيسية للمياه، الأول نهر النيل الذي تحصل منه مصر على 55 مليار متر مكعب من المياه سنويًا،  تغطى نحو 95% من احتياجات المياه العذبة، ثم المياه الجوفية وتليها الأمطار والفيضانات ويشكلان معًا 5% من المياه المستخدمة، والتي تذهب معظمها في مجالات الزراعة والصناعة.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 93% من المصريين ( 92 مليون مواطن) يحصلون على مياه الشرب من خلال صنبور أو أكثر داخل منازلهم أو الوحدات العقارية التي يعيشون فيها، فيما هناك أكثر من 6 مليون يمثلون نحو 7% من إجمالي السكان لا يوجد بداخل منازلهم صنابير مياه، مما يدفعهم نحو مغادرة البيت بحثًا عن المياه الصالحة للشرب من أماكن أخرى، ووفقًا للتعداد العام لعام 2016/2017.

وبحسب التعديد ينقسم الـ 6 مليون مصري ممن لا يمتلكون صنبور مياه في منازلهم مقسمون على المحافظات التالية (الشرقية 745.617 مواطنًا، الجيزة 722.012 مواطنا، المنيا 495.766 مواطنا ، البحيرة 449.394 مواطنًا ، سوهاج 429.602 مواطنًا، قنا 388.622 مواطنًا ، الغربية 374.705 مواطنًا، القليوبية  309.621 مواطنًا، أسيوط 281.298 مواطنًا ، شمال سيناء 216.991 مواطنًا ، بني سويف 193.398 مواطنًا، الدقهلية 170.770 مواطنًا، مطروح 168.675 مواطنًا، القاهرة 140.003 مواطنًا ، كفر الشيخ 137.684 مواطنًا، الفيوم 124.125 مواطنًا، الأقصر 114.784 مواطنًا ، البحر الأحمر 85.064 مواطنًا، أسوان 82.561 مواطنًا ، الإسماعيلية 60.818 مواطنًا، الاسكندرية 48,256 مواطنًا ، بورسعيد 41.472 مواطنًا ، جنوب سيناء 36.770 مواطنًا، دمياط 15.242 مواطنًا الوادي الجديد 8.004 مواطنًا، السويس 2.782 مواطنًا).

غياب العدالة في التوزيع

تشير التقديرات إلى أن الاستخدام المنزلي لا يشكّل سوى نحو 20% من إجمالي المياه المستهلكة، بينما تستحوذ الأنشطة الزراعية والصناعية على النسبة الأكبر. ورغم ذلك، تُحمِّل الحكومة المواطن العادي جانبًا من المسؤولية، وتطالبه بترشيد الاستهلاك.

تتعدد الأسباب التي ساهمت في تفاقم العجز المائي المصري، على رأسها ارتفاع معدلات النمو السكاني التي بدورها ستؤدي إلى زيادة الطلب على المياه للاستخدامات الصناعية والمنزلية

وتزداد قتامة المشهد في ظل غياب العدالة في توزيع المياه بين المواطنين؛ إذ لا يُعامل جميع السكان على قدم المساواة. فالمقيمون في المدن الجديدة والأحياء الراقية يحظون بمعاملة تفضيلية مقارنة بسكان المناطق الشعبية والأقاليم النائية، مما يُفرغ خطاب الترشيد من مضمونه حين يتجاهل هذه الفجوات البنيوية.

في دراسة تحت عنوان "ندرة المياه الحضرية الخفية في القاهرة " تناقش الباحثة دينا خليل إشكالية التوزيع غير المتكافئ للمياه، مؤكدة على وجود فجوة كبيرة في التوزيع، فحصة الفرد في القاهرة تبلغ 599 لتر من المياه يوميا، بينما حصة الفرد في محافظة المنيا (جنوب) لا تتجاوز 109 لتر يوميًا، ما يعني أن نصيب الفرد في القاهرة خمس أضعاف نصيب الفرد في المنيا.

لم يقتصر التوزيع غير المتكافئ للمياه على تفضيل سكان القاهرة على أبناء المحافظات الأخرى فحسب، بل امتد ليشمل التمييز بين مناطق القاهرة نفسها. إذ تحظى بعض الأحياء بحصة مائية تفوق غيرها بكثير؛ فمثلًا، يبلغ نصيب الفرد في منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة، والتي يقطنها نحو 330 ألف نسمة، حوالي 1742 لترًا يوميًا، بينما يبلغ في القاهرة الجديدة 1733 لترًا يوميًا — أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط الاستهلاك في القاهرة (599 لترًا يوميًا)، ونحو 16 ضعف حصة الفرد في محافظة المنيا.

الصادم في هذا التفاوت، كما كشفت إحدى الدراسات، أنه ليس نتيجة خلل عشوائي، بل هو متعمد، مشرعن، ومنصوص عليه فيما يُعرف بـ"الكود المصري لتصميم وتنفيذ خطوط مواسير مياه الشرب والصرف الصحي". فهذا الكود يحدد سمك المواسير بحسب نوع المنطقة، وبالتالي يُحدد حجم المياه المخصصة للفرد. فعلى سبيل المثال، يمنح سمك المواسير في المدن الجديدة الفرد 300 لتر يوميًا، بينما ينخفض هذا الرقم إلى 220 لترًا في المناطق الحضرية، ولا يتجاوز 180 لترًا يوميًا في المناطق الريفية.

كلمات مفتاحية
التدخين

"عض قلبي ولا تعض سيجارتي".. كيف تحوّل تدخين المصريين من عادة إلى اقتصاد قائم بذاته

رغم الوعي المتزايد بمخاطر التدخين الصحية، فإن الملايين في مصر ما زالوا أسرى لهذه العادة

صدمات نفسية

بعد حرب غزة: صدمات نفسية متفاقمة وحالات انتحار متزايدة بين جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي

باتت الصحة النفسية لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في الحرب على غزة قضية مطروحة في النقاش الإعلامي، مع تزايد حالات الانتحار

أفغانستان

أفغانستان على حافة أزمة جديدة: تعثّر اقتصادي وتزايد في أعداد العائدين

أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اليوم الأربعاء، تقريرًا جديدًا سلّط فيه الضوء على الوضع الاقتصادي في أفغانستان

غزة
سياق متصل

غزة والضفة في مواجهة تصعيد إسرائيلي متواصل

تشهد الأراضي الفلسطينية، في قطاع غزة والضفة الغربية، موجة جديدة من التصعيد الإسرائيلي

tsamym-altra-wyb-qyas-jdyd.png
نشرة ثقافية

"بلياتشو غزة" يتوّج بجائزة لجنة تحكيم مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي

فوز فيلم "بلياتشو غزة" بجائزة لجنة تحكيم مهرجان وهران

مجلس-الأمن-يقرّ-مشروع-قرار-أميركي-يؤيّد-خطة-ترامب
سياق متصل

مجلس سلام وقوة دولية.. مجلس الأمن يقرّ مشروع القرار الأميركي حول غزة

وافق مجلس الأمن الدولي، فجر اليوم الثلاثاء، على مشروع قرار أميركي يهدف إلى منح تفويض دولي لتنفيذ أحد البنود الرئيسية في خطة ترامب

أحداث السويداء
سياق متصل

جدل واسع حول نتائج لجنة التحقيق في أحداث السويداء

أقامت لجنة التحقيق الوطنية حول أحداث السويداء مؤتمرًا صحفيًا لعرض آخر ما توصلت إليه خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشأن ما تعرضت له محافظة السويداء