06-مارس-2025
تبون وماكرون

(AFP) تزداد وضعية العلاقات بين فرنسا والجزائر تعقيدًا

مع كل رفض جزائري لاستقبال جزائريين مرحّلين مدانين في فرنسا، أو رفض فرنسي لتسليم مطلوبين جزائريين مقيمين في فرنسا، تزداد أزمة العلاقات الفرنسية - الجزائرية تعقيدًا.

وكان آخر هذه التطورات، رفض محكمة "آكس أون بروفانس" جنوبي فرنسا، أمس الأربعاء، تسليم وزير الصناعة الجزائري الأسبق عبد السلام بوشوارب إلى الجزائر، علمًا بأن الوزير السابق صدر بحقه خمسة أحكام بالسجن في قضايا فساد ونهب المال العام خلال فترة توليه وزارة الصناعة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وقد رفض القضاء الفرنسي تسليم الوزير السبعيني بذريعة عدم توفر ضمانات كافية بشأن شروط المحاكمة العادلة والمعاملة داخل السجون الجزائرية.

في المقابل، رفضت الجزائر، أمس الأربعاء، مجددًا استلام مواطن جزائري تم ترحيله من فرنسا، بحجة عدم امتلاكه تصريحًا قنصليًا. ويُشار إلى أن المرحّل، البالغ من العمر 28 عامًا، مدان في فرنسا بارتكاب عدة جرائم، تشمل الإخلال بالنظام العام، والعنف ضد القاصرين وزوجته، والشتائم، والتهديد بالقتل.

وتنص الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، ولا سيما اتفاقية 1994، على أن "المواطن الجزائري يجب أن تقبله الجزائر في حال ترحيله من فرنسا بسبب إدانته في جرائم"، وهو ما يثير جدلًا متجددًا بين البلدين حول آليات تنفيذ هذه الاتفاقيات.

أنهى الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مسارًا من التقارب بين الجزائر وفرنسا

من الواضح أن الأزمة السياسية والخلاف المتصاعد بين البلدين حول عدة قضايا هما المسؤولان عن هذا الرفض المتبادل لطلبات التسليم والتسلّم.

يُشار إلى أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سبق أن عبّر عن استيائه من مماطلة باريس في تسليم القضاء الجزائري مطلوبين بتهم الفساد ونهب المال العام، رغم تقديم الجزائر كل البيانات المطلوبة للجانب الفرنسي. في المقابل، تعبر باريس، على لسان أكثر من مسؤول، بمن فيهم رئيس الحكومة ووزيرا الداخلية والخارجية، عن استيائها من رفض الجزائر تسلّم مواطنيها المرحّلين بسبب إدانتهم قضائيًا.
وعلى الرغم من التوتر المتبادل، لا يزال من المستبعد أن تصل الأزمة إلى حد القطيعة بين البلدين، لا سيما في ضوء استبعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأربعاء، إلغاء اتفاقية 1968، التي تمنح الجزائريين وضعًا خاصًا فيما يتعلق بالعمل والإقامة في فرنسا.

لكن في المقابل، من غير المرجح، على الأقل في المستقبل القريب،  أن ينجح الطرفان في تسوية الأزمة بشكل نهائي، مما يعني أن التركيز سيكون على إدارتها بدلًا من حلها.
ومع ذلك، يرى المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، الرئيس المشارك للجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية، أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية لم تشهد أزمة خطيرة كهذه من قبل، محذرًا من احتمال تفاقم التوتر بين البلدين.
يُذكر أن ولاية ماكرون الرئاسية الأولى اتسمت بتقارب ملحوظ مع الجزائر، حيث أطلق مبادرة لإنشاء لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية من أجل الحقيقة والمصالحة التاريخية، والتي تم اعتمادها خلال لقائه بنظيره الجزائري تبون في آب/أغسطس 2022. كما شهدت تلك الفترة إقرارًا جريئًا من ماكرون بأن "الاستعمار الفرنسي للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية".
كانت تلك الخطوات مصدر أمل في فتح صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية - الجزائرية، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. وجاء التغيير الأكبر الذي هزّ علاقات البلدين في تموز/يوليو 2024، عندما قررت فرنسا دعم خطة الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد لقضية الصحراء الغربية. وأكد ماكرون أن "حاضر الصحراء الغربية ومستقبلها تحت السيادة المغربية"، مما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس في 30 تموز/يوليو 2024.
يُشار إلى أن الجزائر رفعت قضية الصحراء الغربية إلى مستوى "ملف أمن قومي"، في تحول كبير في الأهمية الاستراتيجية للقضية، بعدما كانت تعتبر نفسها "مجرد مراقب وداعم لجبهة البوليساريو من منطلق مبدأ تقرير المصير".
وزاد من حدة التوتر بين البلدين اعتماد ماكرون في ولايته الرئاسية الثانية على حكومات مدعومة من أحزاب محافظة، وتطعيمها بوزراء يمينيين، مثل وزير الداخلية برونو روتايو، الذي يتبنى مواقف متشددة بشأن ملف الهجرة. وأدى ذلك إلى تصعيد في التعامل مع ملف المهاجرين الجزائريين، حيث استخدمته فرنسا كأداة ضغط في الرد على الإجراءات الجزائرية عقب موقف باريس المستجد من قضية الصحراء الغربية.
في هذا السياق، رفضت الجزائر استقبال المرحّلين من فرنسا، بحجة أن إجراءات ترحيلهم تعسفية أو لا تستوفي المتطلبات القانونية. كما أعلنت الخارجية الجزائرية، الأسبوع الماضي، ردًا على تقييد باريس دخول بعض الجزائريين إلى أراضيها والتهديد بإلغاء الاتفاقيات الثنائية، أنها ترفض "رفضًا قاطعًا مخاطبتها بالمهل والإنذارات والتهديدات".

رفضت الجزائر استقبال المرحّلين من فرنسا، بدعوى أن إجراءات الترحيل تعسفية أو لا تستوفي الإجراءات القانونية

يُشار إلى أن وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، كشف هذا الأسبوع عن عمل فريقه على "إعداد قائمة تضم أسماء مئات من الرعايا الجزائريين الذين تصفهم فرنسا بأنهم يشكلون خطرًا، وتسعى إلى إعادتهم إلى بلادهم". وقال روتايو في حديث صحفي: "ما أريده هو أن تستعيد الجزائر رعاياها، تماشيًا مع القانون الدولي، لضمان أمن الفرنسيين"، موضحًا أن المعنيين بالترحيل مدرجون في القائمة لأنهم "ارتكبوا أعمالًا تخلّ بالنظام العام، أو لأنهم مصنفون ضمن قائمة الأشخاص المتطرفين المتهمين بالإرهاب". وأضاف أن التعامل الجزائري مع هذا الطلب "سيكون اختبارًا للحقيقة"، وفق تعبيره.

وأضاف روتايو أن "الجزائر لا تحترم، من جانب واحد، الاتفاقات الدولية، بما في ذلك اتفاق شيكاغو لعام 1944، والاتفاق الثنائي مع فرنسا الموقع عام 1994، والذي ينص على أن المواطن الجزائري المُرحّل يجب أن تقبله بلاده". وتابع قائلاً: "لا أريد أن يتكرر ما حدث في ميلوز غدًا. ففي ميلوز، قتل إرهابي رجلاً يحمل الجنسية البرتغالية، وكان ينبغي أن يكون في الجزائر، لكننا عرضناه على السلطات الجزائرية مرارًا، إلا أنها رفضت استقباله".

في سياق متصل، دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى "الانخراط مجددًا في عمل معمّق بشأن اتفاقات الهجرة بين البلدين"، محذرًا من أي "ألاعيب سياسية في هذا النقاش"، الذي يُعدّ مسؤولًا حاليًا عن توتر العلاقات الفرنسية - الجزائرية.

وقد اعتبر محللون أن تصريحات ماكرون جاءت بمثابة "ضوء أخضر" لتصعيد الأزمة، واستغلال التوتر القائم بين البلدين لتحقيق أجندات داخلية من قبل أطراف سياسية على الجانبين.