22-مايو-2018

يعادي الحزبان النظام الديمقراطي واللاجئين (Getty)

فاز حزبا حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال اليمينية المتطرفة، بالانتخابات الإيطالية، ومن المنتظر أن يشكّلا ائتلافًا حكوميًا يثير كثيرًا من الجدل، مع مخاوف على نظام الحكم الديمقراطي في إيطاليا، وتزايد العداء للمهاجرين. يضيف فوز الحزبين المناصرين لموسكو أسئلة جديدة حول مستقبل الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي، التي تفوز من خلالها أحزاب شعبوية بالسلطة. في هذه المادة المترجمة عن صحيفة "الفايننشال تايمز" نطلّ على مأزق جديد من مآزق الشعبوية الأوروبية.


وصلت إيطاليا إلى مشارف تنصيب أكثر الحكومات غير التقليدية وعديمة الخبرة لحكم واحدة من الديمقراطيات الأوروبية الغربية منذ معاهدة روما، التي تعتبر الاتفاقية التأسيسية للاتحاد الأوروبي في عام 1957. وستتألف تلك الحكومة من حزب حركة النجوم الخمسة المناهض للمؤسسة الديموقراطية، ورابطة الشمال اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين. وتَعتبر هذه الأحزاب أن النظام السياسي الحديث في إيطاليا بمثابة فشل ذريع وأن أساليب إدارة وسياسات الاتحاد الأوروبي مليئة بالعيوب.

ستكون حكومة الائتلاف بين حزب حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال الأكثر إثارةً للقلق

قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في إيطاليا في الرابع من شهر آذار/ مارس الماضي، سادت الافتراضات الراسخة في عواصم الاتحاد الأوروبي والأسواق المالية الأخرى، بأن حكومة الائتلاف بين حزب حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال ستكون الأكثر إثارةً للقلق من جميع النتائج المحتملة. والآن لا يحتشد البرابرة فحسب على أبواب روما، بل إنهم داخل أسوار المدينة بالفعل.

ومع ذلك، فإن روما في عام 2018 ليست روما في عام 410، وليس زعيم حركة النجوم الخمسة، لويجي دي مايو، ولا رئيس حزب رابطة الشمال، ماتيو سالفيني، مثل الملك ألاريك الأول ملك القوط الغربيين. إذ يتمتع الحزبان بشرعية ديمقراطية لا جدال فيها، بعد فوزهما في الانتخابات. ومن الصواب أن تتاح لهم الفرصة لحكم إيطاليا. إذ إن استبعاد الفائزين بالانتخابات من السلطة ليس خطوة جديرة في أي ديمقراطية ناضجة، ولا سيما إذا حقق المنتصرون نجاحًا عادلًا ونزيهًا، كما هو الحال في إيطاليا.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

ولا يُمكن للأحزاب الإيطالية الرئيسية إلا أن تُلقي باللوم على نفسها، وذلك بسبب الحقيقة التي تفيد بأن حزب حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال يحتلان أعلى المستويات السياسية. فعلى مدى عشرين عامًا على الأقل، انطبع المشهد الايطالي طويلًا بلون الفوضى الاقتصادية والتضخم وتصاعد البطالة. الى جانب تراكمات من البرامج الإصلاحية الشكلية أو التي صبغ العجز جهود تنفيذها. وإذا كان لا بد من أن يأتي حزب حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال إلى السلطة، فعليهما أن يُظهرا أنهما يستطيعان حكم إيطاليا بطريقة أكثر مسؤولية أكثر مما يتوقع خصومهم. أما إذا فشلوا، ستتاح للناخبين الفرصة لمعاقبتهم في الانتخابات المقبلة.

قد تكون الحكومة الإيطالية الجديدة ضد القوانين الأرستقراطية المالية للاتحاد الأوروبي

وبالرغم من كل ذلك، فإن السياسات المتعلقة بما يسمونه "عقد حكومة التغيير" تعطي الكثير من الأسباب التي تبعث على القلق. يعارض الحزبان اللذان يُمكن وصفهما بأنهما مولعان بروسيا، ومعارضان لعقوبات الاتحاد الأوروبي التي يفرضها على موسكو بعد ضمها لشبه جزيرة القرم وتقديم الدعم العسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا. وتفضل الرابطة عمليات الترحيل واسعة النطاق للمهاجرين غير الشرعيين، ويبدو أنها تكاد لا تهتم بما إذا كانت هذه التدابير تتعارض مع القانون الإيطالي والالتزامات الدولية للبلد.

تتعلق أخطر الشكوك بالمقترحات الاقتصادية للأحزاب. ويشمل برنامجهم فكرة حزب حركة النجوم الخمسة الرائدة عن ضمان حصول الفقراء على دخل شهري تبلغ قيمته 780 يورو، ومطالبة رابطة الشمال بإجراء تخفيضات ضريبية على الدخل ضمن نظام ضريبي مبسط. كما يتوقع أيضًا مراجعة إصلاحات نظام التقاعد الذي أقرته حكومة ماريو مونتي في عام 2011 لتهدئة الأسواق عندما بدأت أزمة منطقة اليورو تكتسح إيطاليا.

وستصل تكلفة هذه المبادرات إلى عشرات المليارات من اليورو. وتقترح حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال دفع تكاليف تلك المبادرات عن طريق خفض الإنفاق العام وبيع الممتلكات المملوكة للدولة وإصدار عفو عن المخالفين لقانون الضرائب، وتضييق الخناق على التهرب الضريبي وتعزيز النمو الاقتصادي. بالنسبة للحزبين اللذين يزعمان أنهما يمثلان شيئًا جديدًا، فإنه من المدهش كيف أن معظم هذه الأفكار قديمة. وقد قامت الحكومات الإيطالية السابقة، ولا سيما تلك التي يقودها سيلفيو بيرلسكوني، بتجربة تلك الأفكار. ولم تكن أبدًا أكثر فعالية إلا بشكل جزئي.

لم تكن مشكلة إيطاليا الرئيسية على مدى العقدين الماضيين نتيجة للعجز في الميزانية

ونتيجة لذلك، قد تجد حكومة حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال نفسها على خلاف مع القوانين الأرستقراطية المالية لحكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى والمفوضية الأوروبية. وسيكون للاتحاد الأوروبي ما يبرره على أرض الواقع. ومع ذلك، ينبغي أن يدرك أن مشكلة إيطاليا الرئيسية على مدى العقدين الماضيين لم تكن نتيجة للعجز في الميزانية، وإنما نقص في النمو الاقتصادي وعدم كفاية الإصلاح المؤسسي. هذه المجالات يمكن للاتحاد الأوروبي وينبغي عليه أن يعمل فيها بشكل بنَّاء مع الحكومة الإيطالية التالية، حتى لو كان ذلك يعني مسايرة النهج المُتمرد الذي تتبعه حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تعود الفاشية إلى إيطاليا مع عودة برلسكوني لصدارة المشهد السياسي؟

كل ما تحتاج معرفته عن انتخابات إيطاليا 2018 وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي