24-أبريل-2025
بلغ عدد التلاميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي في مصر نحو 28.5 مليون تلميذ خلال العام الدراسي الماضي (منصة إكس)

بلغ عدد التلاميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي في مصر نحو 28.5 مليون تلميذ خلال العام الدراسي الماضي (منصة إكس)

لم يشهد قطاع في مصر فوضوية وضبابية وتغيرات محورية بين الحين والأخر كقطاع التعليم، خاصة ما قبل الجامعي، والذي تعرض لهزات عنيفة كان لها صداها القوي لدى الملايين من الأسر المصرية، التي عانت صداعًا مزمنًا على مدار أكثر من ثلاثة عقود كاملة جراء العبث في خارطة التعليم.

وتحول التغير في نظام التعليم قبل الجامعي إلى تقليد ثابت، تتوارثه الحكومات المتعاقبة، واحدة تلو الأخرى، ليصبح معه من الصعب الحصر الدقيق لعدد المرات التي شهدت فيها المنظومة التعليمية تغييرات، إما من حيث الشكل أو المضمون، ليجد عشرات الملايين من الطلاب المصريين أنفسهم كـ "فئران تجارب" في حقول وزارة التربية والتعليم المصرية.

تحول التغير في نظام التعليم قبل الجامعي إلى تقليد ثابت، تتوارثه الحكومات المتعاقبة

وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء(حكومي) بلغ عدد التلاميذ بمراحل التعليم قبل الجامعي في مصر 28.5 مليون تلميذ خلال العام الدراسى الماضى، (1.5 مليون تلميذ ما قبل الابتدائي (الروضة) بنسبة 5.2% من إجمالي المراحل التعليمية، 15.2 مليون تلميذ في المرحلة الابتدائية بنسبة 53.4% من الإجمالي، 6.7 مليون تلميذ في المرحلة الإعدادية بنسبة 23.5%، 2.7 مليون تلميذ في المرحلة الثانية بنسبة 9.4%، و 2.2 مليون تلميذًا في التعليم الفني، بنسبة 7.7% من إجمالي المراحل التعليمية)

الثانوية العامة.. بعبع الأسر المصرية

قبل ستة أشهر من الآن، وبينما كان أكثر من مليوني طالب في المرحلة الثانوية يستعدون للعام الدراسي الجديد، فوجئ الشارع المصري بوزير التربية والتعليم، المُعين حديثًا حينها، محمد عبداللطيف، بالإعلان عن تغيير نظام الثانوية العامة إلى نظام جديد يحمل اسم "البكالوريا"، حيث حذف مواد من المناهج الدراسية وأضاف أخرى، وحول البعض الأخر إلى مواد لا تٌضاف للمجموع، فضلا عن فرض رسوم على الراسبين في المواد أو الراغبين في تحسين درجاتهم قيمتها 500 جنيه عن كل مادة لخوض الامتحانات مرة أخرى.

وأثار هذا النظام الجديد الذي كان يطلق قديمًا على الثانوية العامة منذ عام 1905 وحتى عام 1928، الجدل داخل الشارع المصري، إذ حمل بين طياته نسفًا للنظام الثانوي من جذوره، حيث قسم المرحلة إلى 3 مستويات، الأول ممثلا في الصف الأول الثانوي حيث يدرس الطالب المواد الأساسية التي تُضاف للمجموع، وتشمل مواد التربية الدينية، واللغة العربية، والتاريخ المصري، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، والفلسفة والمنطق، واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مواد خارج المجموع تشمل اللغة الأجنبية الثانية، والبرمجة وعلوم الحاسوب.

أما المستوى الثاني والممثل في الصف الثاني الثانوي، فيتضمن دراسة المواد الأساسية في جميع التخصصات، وهي مواد اللغة العربية، والتاريخ المصري، واللغة الأجنبية الأولى، إضافة إلى المواد التخصصية، فيما يأتي المستوى الثالث والمعروف بالشهادة الثانوية، حيث الصف الثالث وفيه يدرس الطالب مادة التربية الدينية، بالإضافة إلى المواد التخصصية.

التعديلات الجديدة التي أوردها الوزير في نظامه المطروح تعتبر موادّ مثل الجيولوجيا وعلم النفس لا ضرورة لها، وعلى الجانب الأخر أدمجت الفيزياء مع الكيمياء، وأخرجت اللغة الثانية (الفرنسية أو الألمانية) من المجموع الرسمي المُحتسَب في الشهادة، وهو ما أحدث صدمة كبيرة لجميع أطراف تلك المرحلة، معلمين وطلاب وأسر.

المثير للقلق هنا والذي أغضب الجميع أن تلك التعديلات تمت بشكل فردي، دون حوار مجتمعي يضم خبراء التعليم وشيوخ التربية ممن لهم باع طويل في تطوير المنظومة التعليمية، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة قهرية لفرض أمر واقع، يمسّ مصير أبنائهم ومستقبلهم، ومن هنا جاء الرفض والغضب، وسط مناشدات بإقالة الوزير الذي أثار تعيينه جدلا كبيرًا بسبب ما أثير من شكوك حول صحة شهاداته التعليمية، وفقدانه للخبرات اللازمة لتقلد هذا المنصب الخطير.

وتعرضت الثانوية العامة المصرية خلال العقود الأخيرة إلى تغييرات جذرية، حيث الانتقال من نظام العامين إلى العام الواحد، وقد شهدت خلال العشرية الأخيرة تحديدًا، والتي تقلد المسؤولية فيها ستة وزراء تعليم، العديد من التغيرات المحورية، من النظام التراكمي السنوي إلى نظام البوكليت وصولا إلى البكالوريا.

الصف السادس الابتدائي.. أزمة الإبقاء والإلغاء

مع كل عام دراسي تخرج الكثير من الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي تتحدث عن إلغاء الصف السادس الابتدائي،  السنة النهائية في الشهادة الابتدائية، وهي الشائعات التي لم تأت من فراغ، حيث ظلت تلك المسألة الجدلية الشغل الشاغل للمصريين على مدار أكثر من 35 عامًا تعرض فيها هذا الصف للكثير من التغيير، بين الإلغاء والعودة.

وتنص المادة الرابعة من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لعام 1981 على أن تكون مدة الدراسة في التعليم الأساسي ( المرحلة الابتدائية والاعدادية) تسع سنوات، مقسمة على حلقتين، الحلقة الأولى ابتدائية ومدتها ست سنوات والحلقة الثانية الإعدادية ومدتها ثلاث سنوات، ما يعني أن الصف السادس قرار قانوني لا يمكن التراجع عنه إلا بتعديل قانوني.

-في عام 1988 كانت بداية القصة الجدلية للصف السادس الابتدائي، حين أعلن وزير التربية والتعليم وقتها أحمد فتحي سرور، إلغاء هذه السنة، لتصبح المرحلة الابتدائية خمسة سنوات فقط، بحجة التوفير في الميزانية، حيث كان هناك عجز في الاعتمادات المالية، وصل حجمه حينها  28 مليون جنيه.

-في عام 2004 أعاد وزير التعليم آنذاك حسين كامل بهاء الدين، الصف السادس مرة أخرى، الغريب أنه في ذلك الوقت كان سرور رئيسًا لمجلس الشعب (البرلمان) وقد صدّق على قرار العودة رغم إلغاءه لها حين كان وزيرًا قبلها ببضعة أعوام.

-في أيار/مايو 2013 قرر وزير التربية والتعليم، إبراهيم غنيم، تحويل الصف السادس الابتدائي إلى سنة نقل عادية وليس شهادة كما كان في السابق، معللًا ذلك بالأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها الدولة في ذلك الوقت، ساعيًا لتوفير 5 مليون جنيه للدولة من وراء هذا القرار.

-في أيلول/سبتمبر من نفس العام، أي بعد 3 أشهر فقط من القرار السابق، أعاد وزير التربية والتعليم، محمود أبو النصر،  العمل بالصف السادس الابتدائي كـ "شهادة" وليست سنة "نقل"، بحجة مخالفة قرار الوزير السابق للقانون.

فئران تجارب

"يتعاملون معنا كفئران تجارب، حتى أرائنا لا يأخذون بها، ولا يستشيرنا أحد في أي قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل أولادنا".. بهذه الكلمات عبر أحمد سالم ( موجه سابق في التربية والتعليم) عن غضبه مما أسماه "العبث" في المنظومة التعليمية، محذرًا من خطورة مثل تلك التحركات التي يدفع ثمنها الملايين من الأجيال التي يعول عليها في بناء مستقبل هذا البلد.

وأضاف سالم في حديثه لـ "الترا صوت" أنه بحكم خبراته التي جاوزت العقود الثلاثة داخل وزارة التعليم يمكن القول إن القرار داخل الوزارة يتم بشكل عشوائي، ويُتخذ بأسلوب فردي، ولا يخضع في كثير من الأحيان للقواعد المتبعة، والتي تضع في الحسبان الخضوع للدراسات المتأنية والنقاش المجتمعي التربوي الذي يستهدف استجماع كافة الآراء ثم وضعها على طاولة النقاش وبحثها تفصيلا ثم إخضاعها للتجربة أولا، قبل البت في الأمر واتخاذ القرار النهائي.

من جانبه يقول ممدوح متولي ( مدير حسابات بأحد البنوك) إن نجله الوحيد، وهو الآن في الصف الأول الثانوي، يعاني من حالة ارتباك شديد منذ إعلان الوزير عن نظام الثانوية الجديد، والذي رغم أنه لم يطبق بعد إلا أنه أحدث فوضى عارمة وأثار القلق داخل البيوت المصرية، مضيفًا في حديثه لـ "الترا صوت" أن أي تغيير في النظام التعليمي يجب أن يٌطرح أولا للنقاش المجتمعي، وأن يُستعان بأهل الخبرة، وألا يُؤخذ بشكل فردي سلطوي، مُلمحا أن مثل هذا الأمر لو تم على هذه الشاكلة في أي دولة متقدمة لأُطيح بالوزارة وأجبرت الحكومة على تقديم استقالتها، فالعبث بمستقبل الأبناء ليس ألعوبة بأيدي المستهترين، على حد قوله.