28-فبراير-2017

سعد الحريري في أحد مؤتمرات تياره (أنور عمرو/أ.ف.ب)

تترنّح مؤسسات "المستقبل" أمام إعصار الأزمة المالية الهوجاء التي تعصف بها منذ ما يزيد عن عامين. الحجرة التي تسند الخابية أصغر من كتلة حصى، وليست صلبة حتى، سائلة كمخدّر تُحقن به همم العاملين في مؤسسات الحريري؛ التلفزيون والجريدة والإذاعة والتيار.. وحتى موظفين شركة سعودي "أوجيه" الذين يُعانون الأمّرين بعد أن استعانوا بالصديق والغريب لسداد ديوانهم المتعاظمة.

تترنّح مؤسسات "المستقبل" أمام إعصار الأزمة المالية الهوجاء التي تعصف بها منذ ما يزيد عن عامين

كيف يعيش من يلتزم بدوامات عمله التي لم يوافق القيّمون على المؤسسات "تقصيرها" أو إعادة صياغتها لتتناسب مع الأزمة المالية؟. سؤال يحرق قلوب السائلين، أما من يعيش المأساة فلا خيار أمامه سوى متابعة عمله كالمعتاد وبلا تلكؤ بالمعنويات المسحوقة والكاهل الذي تعب وأُرهق حتى المرض والإعياء. فإما الاستمرار أو الرحيل، والكلّ يُراهن على "القشّة" التي يتمسك بها للبقاء في "الغربال"، أو تعويض الصرف كـ "أبغض الحلال" وأقربه إلى اتجاه تيار العاصفة وفق مقولة "ما متت، ما شفت غيرك كيف مات؟".

أقرأ/ي أيضًا: هل صحافة بيروت في موت غير معلن؟

لولا الوعود التي تصل الشهر بالشهر والعام بالعام، لما انتظم العمل في الجريدة والتلفزيون، وإن كانت الإنتاجية المتوقّعة لهاتين المؤسستين تراجعت إلى حدودها الدنيا فُأخرجتا عن أي منافسة في سوق الإعلام السياسي والاجتماعي لبنانيًا. كل من يؤيّد خط الحريري يأسف لتداعي المنبر "المستقبلي" الذي يُفترض من خلاله خوض المعارض السياسية، أما المعارضون فشامتون ويضربون المثل بالإعلام "الحريري" والعاملين فيه للتأكيد على خسارة التيار وانحسار حضوره على الساحة اللبنانية في مواجهة مروحة الحلفاء "المتزعزعة" و"جبهة" الخصوم الثابتة منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.

وبلغت الضائقة المالية الخانقة عامها الثاني والأفق بعيد. ملبّد بالديون المستحقّة والقروض وفوائدها التي لم يتمكن الموظفون من سدادها للمصارف، وبالخوف والتوتر الشديدين من لوائح الأسماء المستبعدة التي تُكتب في مكاتب المدراء المظلمة بعيدًا من معايير الكفاءة و"الولاء" للمؤسسة والنهج.

شمس "المستقبل" لم تشرق على "المستقبليين" بعد منذ أشهر، فلا سماء زرقاء حتى الساعة تستريح تحتها نفوسهم. البعض يحمدالله على "صموده" في مكتبه وإن بلا راتب. آخرون ضاقوا ذرعًا تحت وطأة الظروف المعيشية التي تحوّلت معها الضروريات إلى حلم لا يُبلغ، فبات لسان حالهم "أصرفونا اليوم قبل الغد.. فماذا بعد". البعض الآخر يسير على روتين الأيام الشحيحة، يتأثر بالوعود تارة، ثم أمام الحاجة يئن، لكنه يواظب آلياً على العمل وينفسّ حنقه بتعليقات مموّهة على وسائل التواصل الاجتماعي. بالجد تارةً وبالنكات حينًا آخر حول الراتب المغيّب والبطاقة المصرفيّة التي نسي كلمة مرورها.

حياة الموظفين في مؤسسات المستقبل الإعلامية مليئة بالديون  وبالخوف والتوتر الشديدين من لوائح الأسماء المستبعدة قريبًا

في الجريدة صُرف من صُرف وبقي من كُتبت له حياة أخرى في المكاتب بمشيئة القيمين. قبل نحو ثلاثة أعوام، حطّت الطائرة وأقلعت وحملت كثرة من الموظفين إلى البيوت وقلّة وجدت بديلًا في مؤسسات أخرى بتعويضات وُصفت حينها بـ "الحرزانة" (أي الكبيرة). مؤخّرًا وبحُجة الأزمة عينها التي صبر عليها الموظفون بانتظار "الفرج"، تم الاستغناء عن العشرات دون أن يرفّ للمسؤولين عن حملة "النحر" جفنًا. التعويضات جاءت هذه المرّة قليلة، ولم تُدفع إلا بعد متابعة مع الجهات المختصة أجبرت الإدارة على دفع المستحقات بالتقسيط. من كان حظه كبيرًا في البقاء، كُتب عليه مزيد من الشقاء بلا رواتب أو حتى سِلف، ومزيد من الخوف والترقّب.. فالأزمة ومفاعليها مستمرّة والاستغناءات لا حسيب عليها أو رقيب.

في التيار السيناريو نفسه، لوائح وتبليغات فدموع مرارة على سنوات من الخدمة في صرح سُرّح من حماه بالقلب بدون وجه حق. هنا لا صرف للتعويضات أو جزء منها حتى الساعة، و"الشباب" اعتصموا أمام التيار ومنزل رئيس الحكومة سعد الحريري في وسط بيروت.. ولم تُسمع كلماتهم أحد. يسأل أحد المهددين بالصرف، متحفظًا على إشهار هويته، عن "أولاده الذين حُرموا من التعليم، فمن يعوّض عليهم عامًا دراسيًا يخسرونه من حياتهم؟". كلمات الأسف على الحال لم تعد تجدي، فعلام يأسف "إن كان أحدٌ لا يأسف علينا؟!" بحسب ما يقول.

أقرأ/ي أيضًا: أزمة في صحيفة "البلد" البيروتية.. بوادر إغلاق؟

التلفزيون أيضًا لم يسلم. بعد أن تُرك الموظفون لمصيرهم المفتوح على المعاناة والعوز، حان قبل أيام موعد التسميات التي استبعد من خلالها عدد منهم إلى منازله. و"الحبل عالجرار".. الأعصاب مشدودة والحزن في القلب. لكن رغم التوتر عليهم العمل دون انقطاع، كي لا يقع عليهم الاختيار فيصبحوا خارج المؤسسة. علماً أن "السكين توجّه إلى رقاب يعرفها القيّمون مسبقاً وبعيدًا عن معياري الكفاءة أو الالتزام.. تصفية حسابات" هكذا يوجز أحد الخائفين على مصيرهم، فيشير إلى أن التوظيف الذي تمّ في أغلبه على أساس المعارف والعلاقات ستتم المفاضلة فيه عند الصرف وفق الأساس نفسه.

كان الاستبشار كبيرًا لدى العاملين عندما تم تكليف الحريري تشكيل الحكومة ما عنى لهم أن ظروفهم ستتحسن بشكل أو بآخر، لكن الفكرة جاءت تباعًا بعد مضي أشهر على التأليف ومع الكلام المقرون بالفعل في الاستغناء عن مزيد من الموظفين. عندما حضر الحريري إلى التلفزيون العام المنصرم وبكى عند مخاطبته العاملين وشُكرهم على متابعتهم العمل دون تقاضي رواتبهم، "طيّب خاطر" كل موظفيه في الجريدة والتيار والتلفزيون فمدّهم بجرعة من الصبر على تحمّل الأوضاع "غير القانونية" التي يرزحون تحتها. واعتبروا في ذلك الحين أن صبرهم وتحمّلهم سيكون محلّ تقدير من قبل من قدّروا ظرفه وصبروا على أزمته، لكن أحد المصروفين يقول: اكتشفنا أن "جميلنا" رُمي ببحر سيكون أسهل علينا "تبليطه" من تقاضي مستحقاتنا".            

أقرأ/ي أيضًا:

أزمة "النهار" في الـ2017.. إنهاء عمل 100 موظف؟

طوني خليفة .. "العين بالعين" والناسخ أظلم