أزمة أنظمة التقاعد في المغرب.. نقاشات تسبق خطوة الإصلاح
23 أغسطس 2025
تتوالى منذ مدة التحذيرات في المغرب من أزمة حقيقية تلوح في أفق صناديق المعاشات المدنية، بما تشكله من تهديد لمصير معاشات المتقاعدين الحاليين والمستقبليين.
وقد أطلقت ثلاث مؤسسات رسمية عليا، هي بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، إنذارًا غير مسبوق بشأن المخاطر التي قد تعصف باستدامة صناديق المعاشات في غضون السنوات المقبلة.
في المقابل، تؤكد الحكومة أن الإصلاح الشامل لأنظمة التقاعد ضرورة لضمان حقوق الأجيال القادمة، بينما تتمسك المركزيات النقابية برفض أي إجراء يُحمّل الشغيلة المغربية كلفة إنقاذ تلك الصناديق، في مشهد ينذر بتصاعد التوتر الاجتماعي والسياسي مع اقتراب موعد الحسم.
ثلاث مؤسسات مغربية عليا تحذر من مخاطر تهدد استدامة صناديق المعاشات خلال السنوات المقبلة
ناقوس خطر يفرض التعجيل بالإصلاح
من جديد، شكّل التقرير السنوي الـ12 حول الاستقرار المالي "ناقوس خطر" دقّه بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، حيث شدّد على ضرورة الاستعجال في إصلاح أنظمة التقاعد.
وجاء في التقرير، الصادر في 4 آب/أغسطس" الجاري، أنه "من دون إصلاح شامل (رفع سن التقاعد إلى 65 عامًا، مراجعة طريقة احتساب المعاش، دمج الأنظمة)، ستواجه بعض الصناديق صعوبات جدية في تغطية التزاماتها المالية خلال العقد المقبل".
وأوضح التقرير أن "العديد من صناديق التقاعد تسجل عجزًا تقنيًا متواصلًا، إذ تقل المساهمات السنوية عن المنافع المؤداة للمتقاعدين"، محذرًا من أن هذه الفجوة تُغطّى مؤقتًا من عائدات الاستثمارات، لكنها مع مرور الوقت ستستنزف الاحتياطات.
إشكالية بنيوية مُهدّدة
تعتبر أستاذة القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، أميمة عاشور، أن التقرير يشكّل "تحذيرًا مؤسسيًا صريحًا يكتسب قوة خاصة لصدوره عن ثلاث هيئات رقابية عليا، ما يعكس أن الأزمة تجاوزت بعدها التقني أو المالي، لتتحول إلى إشكالية بنيوية تُهدّد استقرار النظام التقاعدي على المدى المتوسط والبعيد".
وأوضحت عاشور في تصريح لـ"الترا صوت" أن "الحكومة تعتزم إطلاق مشاورات فنية في شتنبر المقبل، تتضمن مقترحات من قبيل رفع سن التقاعد تدريجيًا، وزيادة المساهمات، واحتساب المعاش على كامل المسار المهني، ودمج الأنظمة في قطبين عام وخاص".
وتشدد الأستاذة الجامعية على أن "أي إصلاح ينبغي أن يستند إلى حقوق المساهمين، ومبدأ التضامن بين الأجيال، وضمان استدامة الأنظمة، مع توسيع قاعدة المنخرطين وإدماج فئات جديدة من العاملين في القطاع الخاص، مثل العمال غير الأجراء"، مضيفة أن "التأخر في التوافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين سيضاعف الأعباء المالية ويهدّد التوازن بين الأجيال".
ليس وليد اللحظة
يرى عضو اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد عن نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد الحق حيسان، أن "الوضع الراهن لصناديق التقاعد ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات وسياسات تشغيل غير ملائمة أضعفت نظام التوزيع القائم على تضامن الأجيال".
وأوضح حيسان في حديثه لـ"الترا صوت" أن "الحكومات تعهّدت ما بين 2014 و2024 بتوظيف 265 ألف شخص، لم يُوظف منهم فعليًا سوى 164 ألفًا، في مقابل خروج نحو 193 ألفًا إلى التقاعد".
وأضاف أن "الدولة تخلّفت لعقود عن أداء التزاماتها كمشغّل، منذ 1971 وحتى منتصف التسعينيات، حيث قُدّرت المبالغ المستحقة بـ11 مليار درهم، حُوِّل جزء منها فقط لصندوق المعاشات المدنية، فيما وُجهت 6 مليارات درهم إلى الصندوق العسكري".
وأبرز أن "سوء الحكامة واستثمارات فاشلة أسهما في استنزاف أموال صناديق التقاعد دون أي محاسبة"، محذرًا من أن "أي إصلاح جديد سيكون على حساب المتقاعدين والأجراء إذا لم تُسدد الدولة ما بذمتها لهذه الصناديق".
وشدد حيسان على "ضرورة فتح حوار مجتمعي شفاف حول هذا الملف"، معتبرًا أن الحكومة التي يرأسها رجل الأعمال عزيز أخنوش "تستند إلى أغلبيتها البرلمانية في فرض خياراتها".
التقرير السنوي الـ12 حول الاستقرار المالي يحذر من ضرورة الإسراع في إصلاح أنظمة التقاعد
ليست مسؤولية الأُجراء
يطفو النقاش حول أزمة صناديق المعاشات في المغرب من جديد، بعد مرور عقد على آخر تعديل طال أنظمة التقاعد في عهد حكومة عبد الإله بنكيران (حزب العدالة والتنمية)، التي تدخّلت سنة 2014 وأقرّت إصلاحًا جزئيًا وُصف بـ"الدواء المُر".
وقد تضمّن ذلك الإصلاح رفع سنّ التقاعد تدريجيًا من 60 إلى 63 سنة، وزيادة نسبة الاقتطاعات من 10 إلى 14 %، وتغيير طريقة احتساب المعاش، ما أثار آنذاك جدلًا واسعًا، إذ اعتبرت النقابات أن الإجراء حمّل الموظفين كلفة اختلالات تتحمّلها الدولة.
ويؤكد عضو المكتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خالد السطي، أن "أي إصلاح لأنظمة التقاعد يجب أن يبتعد عن المقاربات المالية الصرفة، لأن الأزمة الحالية ليست مسؤولية الأجراء".
ورفض السطي، في تصريحه لـ"الترا صوت"، "تمديد سن التقاعد أو رفع نسبة الاقتطاعات أو تقليص المعاشات"، داعيًا الحكومة إلى "توحيد الأنظمة في إطار إصلاح شامل يحقق الاستدامة، ويحافظ على الحقوق المكتسبة، ويعزز الثقة في المؤسسات بدل تكريس التوجس الاجتماعي".