29-يناير-2023
لوحة لـ أناتولي كريفولاب/ أوكرانيا

لوحة لـ أناتولي كريفولاب/ أوكرانيا

في تلك الليلة، طرقت أجراس الحُب المُشتعلة على هيئتها؛ صارت رياحًا تلحفُ الأجساد في مخيلة السماء. الساعةُ المُعلقة، هجتّ ضلوعها لكل وجنةٍ انبعثت نورها خفةً من الأمطار المتساقطة على عجل، غسلت صلواتها بِحبنا؛ اليدُ المازحة طوت الهواء في الثلوج العائمة على الأراضِ المشتاقة لوقع أقدامها في حيّنا الجميل.

لم نترك مجالًا لبقائنا على مزاج الغيوم، فالعرّافة التي بصرّت في قُعر حياتنا، لم تترك للشيوخ مكانًا في ديننا، ولا لوحتنا التي شكلتها البيوت بين الحرب المُرتجلة في ثلاثين دقيقة قبل انقضاء العالم على ملامحها في عبورها على الشفاه من مسالك الشتاء؛ نقمة الجلد الفارغة، صلّت للموتى القادمين من الرياح، والراحلين لجُعبة النساء.

كان هناك وقتٌ للاستمتاع بشهوات الشتاء علينا، كنّا أجسادًا منفصلة، واحدًا للحياة، وآخر للشتاء المُباغت، حتى حبات الثلج فرشت لحافها كل عين؛ هرولنا بِوحلِنا نحو القليل من الأمتار المنتصبة بردًا، جلسنا على ركاكة الأفكار المشتعلة في ذاكرتنا، ثرثرنا حُبًا، وقلبّنا الشتاء خريفًا، واقتربنا من نهايتنا.

رُباعية الحياة في حُبنا؛ تلك الأجساد المعلقة في كل كأسٍ ممتلئة، في تركها للشموع المباحة على طاولات؛ اما التراجيديا الغربية، اجتازت كل الحب على شكل اللهو، أو الاستمتاع، وقلبت بأوتارها مصاريع الوقت بخفة العقارب؛ اللحية المهذبة، ضاعت بين خُصل الشعر البني المسترسل بقسوة، العِناق وحده كاد أن يقطع حبال الذكريات، تلك التي لحفتني بكلماتها منذُ زمن ربما منذ عقد.

أجسادنا المنسية على نحيب السرير، تركتنا بائعين لممارسات السماء؛ وغناء الحرير، طرحت الذكريات أرضًا، وغردت للعندليب المنسي على أوتاره، وللوحل في عقولنا، للمسافات، لهشاشة الحب، للدخان المبعثر، للحجرة الدافئة، لمنزلي الخشبي؛ جميع المنافي تؤدي لطاقم من الغبار، استوطن في صدورنا.

هذهِ أنتِ، قسم ختمتهُ مرتين، وطَنين شربهُ الحالمون في سكرة غائبة؛ التمعتِ بينَ تلك الأثداءِ المُعلقة على جسد السماء، وبين كاحلٍ مزقتهُ الرياح شعرةً إثر شعرة، ففي اجتذاب الصيف لِعروقنا، تقاسمنا مثل قطرات الندى في أفواهنّا كالشياطين لِشجرةِ المُعجم، لقواسِم حركتها الأطراف على سجادةٍ، للحنين الذي غمرنا، ولم نغمرهُ، لساكِنِ الكتب بين البقاء والخيال، متى سنبقى في هذا العش، وكأننا لم نكن طيورًا من قبل.