03-نوفمبر-2022
الشاعر السوري نزار قباني

الشاعر السوري نزار قباني

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


في عام 1967، نشرت مجلة "الآداب" البيروتية، في عدد تموز – آب المزدوج، قصيدة للشاعر السوري الراحل نزار قباني (1923 – 1998) بعنوان "هوامش على دفتر النكسة"، التي كتبها بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، ويرى العديد من النقاد والقراء العرب أنها أقوى ردود الفعل الشعرية على الهزيمة، وأكثرها عنفًا وجرأة، لما تضمنته من نقد حاد لواقع الدول العربية وأنظمتها السياسية.

أشعل الهجوم على نزار قباني بسبب قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" واحدًا من أكبر السجالات الأدبية في مصر والعالم العربي خلال القرن العشرين

أثارت القصيدة جدلًا واسعًا وسجالات حادة في الأوساط الثقافية العربية، وتعرّض نزار بسببها إلى هجوم عنيف من بعض الأدباء والسياسيين والصحافيين والمثقفين المصريين، قاده الشاعر صالح جودت والروائي يوسف السباعي، الذين اعتبروا أن هدف نزار من القصيدة هو إهانة الأمة العربية، وطالبوا السلطات المصرية حينها باتخاذ إجراءات عقابية مناسبة بحقه، فمُنع من دخول مصر، وتوقفت الإذاعة المصرية عن بث قصائده المغناة، إضافةً إلى منع قصائده من التداول، فيما طالب البعض بمصادرة كتبه من المكتبات وحرقها.

أشعل الهجوم على مؤلف "هوامش على الهوامش" واحدًا من أكبر السجالات الأدبية في مصر والعالم العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حيث شارك فيه معظم الكتّاب والأدباء المصريين والعرب، الذين انقسموا بين فئة تؤيد نزار وتدافع عن قصيدته بوصفها محاولة للوقوف على أسباب الهزيمة، ودعوة إلى الاعتراف بها ومعالجتها. وأخرى معارضة ترى أن الغاية من القصيدة هي إهانة الأمة العربية والرقص فوق جراحها.

يقول قباني في كتابه "قصتي مع الشعر" إنه يمكن تلخيص العناصر الرئيسية للهجوم الذي تعرض له بالنقاط التالية: "1- أنا شاعر وهبت روحي للشيطان وللمرأة وللغزل الفاحش.. فلا يحق لي، بالتالي، أن أكتب شعر الوطنية. 2- أنا المسؤول الأول عن هزيمة حزيران، بما كتبته ونشرته خلال عشرين عامًا، من شعر عاطفي ساعد على انحلال أخلاق الجيل الجديد. 3- أنا في "هوامش على دفتر النكسة" سادي، أعذب أمتي، وأرقص فوق جراحها. 4- أنا أثبّط الهمم، وأقتل الأمل، وبالتالي فأنا عميل أخدم بكلامي مصلحة العدو.. ولذا يجب شطب اسمي من قائمة العرب. 5- أنا لست وطنيًا، ولكنني أركب موجة الوطنية. وولادتي بعد حزيران – كشاعر ثوري – ولادة غير طبيعية".

اتسعت دائرة الهجوم على صاحب "قالت لي السمراء" إلى درجة دفعته إلى مخاطبة الرئيس جمال عبد الناصر عبر رسالة أبلغه فيها بما تعرض له بسبب "هوامش على دفتر النكسة"، وأوضح من خلالها الأسباب التي دفعته إلى كتابتها وغايته منها. يقول في مطلع الرسالة: "سيادة الرئيس جمال عبد الناصر.. في هذه الأيام التي أصبحت فيها أعصابنا رمادًا، وطوّقتنا الأحزان من كل مكان، يكتب إليك شاعر عربي يتعرّض اليوم من قبل السلطات الرسمية في الجمهورية العربية المتحدة لنوع من الظلم لا مثيل له في التاريخ".

وأضاف: "تفصيل القصة أنني نشرت في أعقاب نكسة الخامس من حزيران قصيدة عنوانها "هوامش على دفتر النكسة" أودعتها خلاصة ألمي وتمزقي، وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتي العربية، لاقتناعي أن ما انتهينا إليه لا يُعالج بالتواري والهروب، وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا. وإذا كانت صرختي حادة وجارحة – وأنا أعترف سلفًا بأنه كذلك – فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة، ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح".

اعتبر البعض أن نزار قباني هو المسؤول الأول عن النكسة بسبب شعره العاطفي الذي ساعد على انحلال أخلاق الجيل الجديد

واختتم الشاعر السوري رسالته بالقول: "يا سيدي الرئيس.. لا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه، والمجروح على جراحه، ويسمح باضطهاد شاعر عربي أراد أن يكون شريفًا وشجاعًا في مواجهة نفسه وأمته، فدفع ثمن صدقه وشجاعته.. يا سيدي الرئيس.. لا أصدق أن يحدث هذا في عصرك".

انتهت الحملة على نزار قباني بتوجيهات من عبد الناصر، الذي يقول الشاعر الراحل إن أحد المقربين منه روى له أنه: "وضع خطوطًا تحت أكثر مقاطع الرسالة وكتب بخط يده التعليمات الحاسمة التالية: 1- لم أقرأ قصيدة نزار قباني إلا في النسخة التي أرسلها إلي. وأنا لا أجد أي وجه من وجوه الاعتراض عليها. 2- تُلغى كل التدابير التي قد تكون اتُخذت خطًأ بحق الشاعر ومؤلفاته، ويُطلب إلى وزارة الإعلام السماح بتداول القصيدة. 3- يدخل الشاعر نزار قباني إلى الجمهورية العربية المتحدة متى أراد، ويكرّم فيها كما كُرِّم في السابق".