هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
إلى جانب تداعياتها السياسية والعسكرية المدمِّرة، أحدثت هزيمة حزيران/ يونيو 1967 زلزالًا في أوساط المثقفين العرب الذين حاولوا، كلٌ بطريقته، التأريخ لها والتعبير عنها والوقوف على أسبابها بوصفها حدثًا مأساويًا فارقًا عبّر عن واقع سياسي وثقافي عربي مأزوم، وأحوال شعوب مقهورة ومحاصرة بالفقر والقمع والترهيب.
أتاحت مجلة "جاليري 68" لكتّابها مساحة فريدة للتعبير عن ذواتهم وهمومهم الوطنية بأسلوب فني لا يخلو من وجهة نظر سياسية
في ظل أجواء ما بعد الهزيمة، وتحت تأثير تداعياتها، ظهرت في العالم العربي عدة حركات وجماعات ثقافية وأدبية حملت على عاتقها مهمة التعبير عن أحوال العالم العربي بعد الهزيمة، والتأريخ لها بوصفها نتاج سياسات الأنظمة القمعية التي سعت إلى كشف عوراتها وتعرية فسادها بوصفها المسؤول الأول عن وقوعها. كما ظهرت أيضًا عدة مجلات ثقافية تصدّت للمهمة ذاتها، ومنها مجلة "جاليري 68" التي أسسها عدة أدباء ومثقفين مصريين، وصدر العدد الأول منها في أيار/ مايو 1968، عشية الذكرى الأولى لوقوع الهزيمة، باسم "الأدباء 68"، قبل أن يتغيّر اسمها إلى "جاليري 68".
في تقديمه لها، كتب الشاعر والفنان التشكيلي المصري أحمد مرسي: "يعيش الوطن العربي هذه الأيام تجربة مخاض عظيمة وأليمة. ذلك لأن النكسة العسكرية التي حلّت بأمتنا لم تكن نهاية في حد ذاتها. بل كانت الثمن الفادح للوقوف على الحقيقة عارية. وهذه الحقيقة هي الأرض الصلدة التي نقف عليها بأقدامنا اليوم، في انتظار لحظة الميلاد المجيد".
وأضاف: "وبصدور العدد الأول من مجلة 68 في ظل الأحداث التاريخية والمصيرية التي تشهدها البلاد، لا يسع المجلة إلا أن تقطع على نفسها عهدًا بأن يكون لها شرف وضع لبنة متواضعة في صرح الوطن الاشتراكي الديمقراطي الحر الجديد". ومع أنها ليست مجلة سياسية إلا أنها، وبحسب الفنان المصري، تؤمن: "بأنها لو نجحت في الكشف عن حقيقة ما يختلج في جوانح الكتّاب والشعراء والفنانين من أبناء جيل اليوم، تكون قد أوفت بالعهد الذي قطعته على نفسها، بالمشاركة في معركة التحرير والبناء".
مثّلت مجلة "جاليري 68" مرحلة جديدة عنوانها التجديد والتمرد على الأشكال والأساليب الأدبية والفنية التقليدية
وعدا عن كونها ردة فعل على الهزيمة، إلا أنها تُعد أيضًا تجربة فريدة من نوعها في مصر والعالم العربي عمومًا، خلال النصف الثاني من القرن الفائت، سواءً لناحية استقلاليتها عن المؤسسات الرسمية، أو قدرتها على التحايل على القوانين التي كانت مفروضة آنذاك على الصحف والمجلات. ناهيك عن أنها مثّلت مرحلة جديدة عنوانها التجديد والتمرد على الأشكال والأساليب الأدبية والفنية التقليدية.
واجهت المجلة تحديات مادية تسببت في تعثّر صدورها، حيث أصدرت 4 أعداد فقط عام 1968، و3 في عام 1969، وتوقفت عن الصدور طيلة عام 1970، قبل أن تعود وتُصدر عددها الثامن والأخير في شباط/ فبراير 1971، لتختتم بذلك مسيرة واحدة من أهم التجارب العربية في مجالها وأكثرها مغامرةً وجرأة، حيث أتاحت لكتّابها، على اختلاف توجهاتهم، مساحة فريدة للتعبير عن ذواتهم وهمومهم الوطنية بأسلوب فني لا يخلو من وجهة نظر سياسية.
