08-ديسمبر-2022
لقطة من فيلم "المومياء"

من الفيلم

هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


"المومياء" هو عنوان فيلم المخرج المصري شادي عبد السلام (1930 – 1986)، الذي يوصف بأنه ملحمة بصرية أوجدت روابط وصلات استثنائية فريدة بين مصر الفرعونية والمعاصرة، من خلال تناوله موضوع سرقة الآثار الفرعونية، وطبيعة علاقة المصريين بتراث أسلافهم الذين صنعوا حضارتهم.

يُعتبر الفيلم علامة فارقة في تاريخ السينما العربية، وجاء في المرتبة الثالثة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري

يُعتبر الفيلم، الذي عُرض عام 1969، علامة فارقة في تاريخ السينما العربية والمصرية، وجاء في المرتبة الثالثة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري، بينما جرى اختياره كأفضل فيلم عربي في استفتاء شارك فيه 475 شخصًا من خبراء صناعة السينما حول العالم، خلال الدورة العاشرة من "مهرجان دبي السينمائي" عام 2013.

يسلط "المومياء"، وهو الفيلم الروائي الوحيد في مسيرة المخرج الراحل، الضوء على صراع الفرد بين ماضيه وحاضره. كما يبيّن كيف يتآكل الماضي، وحضارته، في حاضر يجد أبناؤه في نهب إرث أسلافهم وآثار حضارتهم مصدر دخل. إذ يروي الفيلم الذي تدور أحداثه خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، قصة شقيقين يكتشفان أن قبيلتهما تعيش، منذ مئات السنين، على سلب وبيع محتويات توابيت فراعنة مخبأة في جوف جبل لا يعرفه سوى والدهما الذي يبوح لهما بسره قبل وفاته، حيث درجت العادة أن يبوح الشخص الذي يعرف مكان المقبرة بسرها إلى أبنائه قبل وفاته.  

وبعد صراع طويل مع القلق والخوف وتأنيب الضمير، يقرر أحدهما إفشاء هذا السر، ويُعبّر عما يدور في داخله علانيةً، فيسارع أعمامه إلى قتله وإلقاء جثته في النيل للحفاظ على سر القبيلة، الذي يبوح به شقيقه الأصغر "ونيس" إلى بعثة الآثار بعد اكتشافه لمقتل شقيقه، وصراعه مع ذاته وضميره. الأمر الذي يضعه في مواجهة أبناء قبيلته الذين عاشوا، ومن قبلهم آبائهم وأجدادهم، على نهب محتويات توابيت الفراعنة التي، وللمفارقة، خُبأت في جوف الجبل خوفًا من سرقتها.

يقوم الفيلم على قصة حقيقية، إذ قال صاحب "الفلاح الفصيح" إنه يتناول: "حدثًا حقيقيًا عابرًا قرأته منذ ما يقارب من الخمسة عشر عامًا. وقبل كتابة السيناريو استعنت بمراجع موثوق بها للغاية، وخاصة كتاب "المومياوات الملكية بالدير البحري" لعالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو. وكذلك كتاب "حياة وموت أحد الفراعنة" لمدام نوبلوكور. وكما جاء في الفيلم، فقد تم عام 1881 وبالقرب من طيبة، العاصمة الفرعونية، اكتشاف مخبأ يحتوي على مومياوات لعدة فراعنة معروفين ينتمون لأحد الأسر التي حكمت ما بين عامي 1900 و900 قبل الميلاد".

يتناول فيلم "المومياء" موضوع سرقة الآثار الفرعونية، وطبيعة علاقة المصريين بتراث أسلافهم الذين صنعوا حضارتهم

وأضاف المخرج المصري الراحل: "سُرقت التوابيت الخاصة بهم أثناء تدهور الإمبراطورية. فما كان من بعض الكهنة الورعين إلا أن وضعوا المومياوات في توابيت حجرية وأخفوها في مخبأ. ولكن إحدى القبائل عثرت عليها، واستفادت طوال قرون من الزمان من هذا الإرث لإعانتها على البقاء من حالة الفقر والحاجة. وفي الحقيقة، حصل "ونيس" آخر من حملوا هذا السر الذي تناقلته الأجيال، على مكافأة قدرها 500 جنيه مصري، لأنه أبلغ الآثار بمكان هذا الكنز. لقد حذفت هذا الحدث من الفيلم، فقد كان كفيلًا بالتقليل من قيمة ما فعل".

وتابع عبد السلام: "ما شد انتباهي في هذه التراجيديا هو جانبها الرمزي. فمصر، التي تعلم أنها وريثة حضارة مغرقة في القدم، تسعى للتنقيب عن تاريخها لإعادة اكتشافه". كما أكد أيضًا بأن ما يعنيه من الفيلم هو تناول إشكالية الثقافة القومية.