23-فبراير-2023
من إصدارات دار العودة

من إصدارات دار العودة

هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


في أواخر ستينيات القرن المنصرم، عرض الصحفي أحمد سعيد محمدية على رئيس الوزراء السوداني محمد أحمد المحجوب فكرة تأسيس دار نشر باسم "دار فلسطين"، لكن المحجوب الذي أُعجب بالفكرة اقترح عليه أن تحمل الدار اسم "العودة"، فوافق محمدية واختار من بيروت مقرًا للدار التي انطلقت مطلع السبعينيات، وأصبحت بعد سنوات قليلة علامة فارقة في مجالها.

قلما شهد الشعر العربي في تاريخه الحديث ناشرًا أعطى اهتمامه الكامل للشعر كما فعل صاحب "دار العودة"

تنوعت إصدارات الدار بين الأدب والترجمة والدراسات النقدية والفكرية والسياسية، لكنها تميّزت عن سواها باهتمامها المطلق بالشعر، ونشرها أعمال كبار الشعراء العرب على اختلاف أجيالهم ومدارسهم، حيث نشرت لمحمد بن حمير بن عمر الوصابي الهمداني المتوفي سنة 651 هجرية، ومحمد سامي البارودي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وأحمد رامي، وإبراهيم ناجي.

بالإضافة إلى علي محمود طه، وبدوي الجبل، وعبد الكريم الكرمي، وعمر أبو ريشة، وفدوى طوقان، ونازك الملائكة، ونزار قباني، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، ومحمد الماغوط، وأحمد عبد المعطي حجازي، وعبد العزيز المقالح، وأمل دنقل، ومحمود درويش، وغيرهم. ولم تكتف الدار بنشر الأعمال المفردة لهؤلاء الشعراء، بل قامت أيضًا بجمعها وإصدارها ضمن مجلدات فنية من القطع الصغير ذات لون أحمر مميز.

وكانت الدار تُعتبر، تقريبًا، الناشر الرسمي للشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي نشرت أعماله المفردة، ثم جمعتها وأصدرتها في مجلدين من القطع الصغير في ثمانينيات القرن المنصرم، قبل أن تُعيد إصدارها في التسعينيات في طبعة جديدة وخاصة جاءت في مجلدين من القطع الكبير، واشتملت على أعماله منذ بدايته وحتى تاريخ نشرها.

استمرت الدار بالاهتمام بالشعر ونشره حتى أفول نجمها وتدهور أحوالها. لكنها، رغم ذلك، استطاعت خلال سنوات نشاطها تأسيس مكتبة شعرية شبه كاملة تغطي قرنًا من الشعر العربي، الذي قلما شهد في تاريخه الحديث ناشرًا أعطى اهتمامه الكامل للشعر كما فعل صاحب "دار العودة"، التي قد تكون آخر دور النشر التي ترى في الشعر مشروعًا ثقافيًا.

هكذا أصبحت "دار العودة" علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي عمومًا، والشعر خصوصًا. وقد قدّمت الدار، عبر نشرها أعمال الشعراء العرب بشكل مفرد وجمعها لأعمال الشعراء الراسخين في كتب كاملة، صورة مميزة مفادها أن حركة الشعر العربي بمختلف مدارسها، من العمود إلى قصيدة التفعيلة وصولًا إلى قصيدة النثر، هي مشروع ثقافي ذو تاريخ أدبي واحد.