08-سبتمبر-2022
غلاف الكتاب

غلاف طبعة "مؤسسة هنداوي" من كتاب "الفتنة الكبرى: عثمان"

في عام 1947، أصدر الأديب والمفكر المصري طه حسين (1889 – 1973) كتابه "الفتنة الكبرى: عثمان" الذي تناول فيه، بأسلوب أدبي، واحدة من أخطر القضايا وأكثرها حساسية في تاريخ الإسلام، وهي الفتنة التي وقعت في عهد عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، وامتدت إلى عهد خليفته علي بن أبي طالب وأبنائه.

أثار الكتاب جدلًا واسعًا بسبب اتهام مؤلفه بتبرئة عبد الله بن سبأ من مسؤولية إشعال الفتنة ضد عثمان بن عفان

يُعيد عميد الأدب العربي في هذا الكتاب الذي صدر في جزئين، يحمل الثاني عنوان "الفتنة الكبرى: علي وبنوه"، النظر إلى هذه القضية نظرة محايدة: "خالصة مجردة لا تصدر عن عاطفة ولا هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدًا كاملًا من النزعات والعواطف والأهواء، مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغايتها".

ويضيف حسين في تقديمه للكتاب: "لا أجادل عن أولئك وعن هؤلاء، وإنما أحاول أن أتبين لنفسي وأُبين للناس الظروف التي دفعت أولئك وهؤلاء إلى الفتنة وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم وما زالت تفرقهم إلى الآن، وستظل تفرقهم في أكبر الظن إلى آخر الدهر".

رغم ذلك، أثار الكتاب جدلًا واسعًا وسجالات حادة في الأوساط الثقافية والدينية والتاريخية المصرية. ومع أنه لا يقارن بالجدل الذي أثاره كتابه الشهير "في الشعر الجاهلي" الذي صدر منتصف عشرينيات القرن الفائت، إلا أنه انتهى إلى النتائج نفسها تقريبًا، حيث جرى اتهامه بمهاجمة الإسلام ومعاداته.

غلاف الكتاب

يعود الجدل الذي أثاره الكتاب إلى اتهام البعض لمؤلفه بتبرئة اليهودي عبد الله بن سبأ من مسؤولية إشعال الفتنة وتبعات موقعة الجمل بإنكاره لوجوده وعدّه شخصية متخيلة أولًا، ثم بقوله: "أكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا – إن كان كل ما يروى عنه صحيحًا – إنما هو قال ما قال ودعا ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف، فهو قد استغل الفتنة ولم يُثِرها"، وذلك على عكس ما هو شائع في معظم الروايات التاريخية التي تنسب إثارتها إليه.

يُعيد حسين النظر في "الفتنة" التي وقعت في عهد عثمان بن عفان وامتدت إلى عهد علي بن أبي طالب وأبنائه

وفي المقابل، يرى البعض الآخر بأن حسين يدافع عمن أثار الفتنة ويحمّل مسؤولية وقوعها إلى عثمان بن عفان وولاته حين يقول: "سياسة عثمان في العزل والتولية لم تكن ملائمة للعهد الذي أعطاه. وليس من شك في أن الذين ضاقوا بهؤلاء العمال وثاروا عليهم ونقموا من عثمان توليتهم، لم يكونوا مخطئين".

دار الهجوم الذي تعرض له الكتاب ومؤلفه مدار المقولات السابقة، إلى جانب اتهامه بانتقاد الصحابة والحكم على نظام الخلافة بالفشل، وكذا تجربة الحكم الإسلامي عمومًا. ولعل أشهر مهاجمي الكتاب هو الأديب المصري محمود محمد شاكر الذي قال في مقالة منشورة في العدد 763 من "مجلة الرسالة" (شباط/ فبراير 1948)، إن حسين يصف الفتنة بـ "الفتنة العربية" لتبرئة ابن سبأ واليهود، وأنه: "خالف سنة العلم والعلماء في نفي الأخبار وتكذيبها بلا حجة من طريقة أهل التمحيص".