12-يناير-2022

الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


في أواخر آب/ أغسطس عام 1993، أعلن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (1941 – 2008) استقالته من اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير الفلسطينية"، احتجاجًا على توقيع "إعلان المبادئ"، أو ما يُعرف بـ "اتفاقية أوسلو"، التي وقعتها "منظمة التحرير الفلسطينية" وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، رسميًا، في 13 أيلول/ سبتمبر 1993.

تضمن نص استقالة محمود درويش من اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير الفلسطينية" نقدًا قاسيًا للمنظمة التي رأى أنها انتهت بعد قبولها التوقيع على "اتفاقية أوسلو"

أثارت استقالة محمود درويش من اللجنة التنفيذية، التي دخلها بعد انتخابه غيابيًا في عام 1987، وبعد طلبٍ من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والثقافية الفلسطينية والعربية، التي انقسمت بين من رأى في استقالته موقفًا وطنيًا مشرّفًا من شخصية كانت دائمًا متلازمة مع وعي الشعب الفلسطيني لنفسه وللصراع الذي يخوضه، بحسب تعبير الكاتب والصحافي اللبناني الراحل سمير قصير. وآخر اعتبرها تنصلًا من المسؤولية الوطنية في مرحلة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان.. حكاية نص غرامي مثير للجدل

رغم أهميته، لم يحظ نص استقالة صاحب "أحد عشر كوكبًا" باهتمام وسائل الإعلام العربية، التي رأى البعض أنها تجاهلته عمدًا بسبب مضمونه الذي يسلط الضوء، أولًا، على الأزمات القائمة داخل مؤسسات "منظمة التحرير الفلسطينية". ويُعبّر، ثانيًا، عن انقسام كوادر المنظمة بين مؤيدٍ للاتفاقية ومعارضٍ لها. ويقف، أخيرًا، على النقيض من توجهات معظم الأنظمة العربية التي كانت تميل إلى السلام مع دولة الاحتلال آنذاك.

يقول محمود درويش في نص استقالته: "إن ضميري لا يتحمل المشاركة في اتخاذ هذا القرار المغامر. وما دمت غير قادر على الإجابة عن الأسئلة المطروحة، لذلك، أتمسك باستقالتي من هيئة اتخاذ القرار، وأضع نفسي تحت تصرف الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا". ويضيف: "لتعذروني إذا قلت إنني لست مضطرًا للمشاركة في هذه المخاطرة. إن البصيرة لا تحتاج دائمًا إلى بصر، لكنها، الآن، في أشد الحاجة إليه".

وشدد الشاعر الفلسطيني في كلمته، أمام أعضاء اللجنة التنفيذية، على خطورة الاتفاق مع حكومة الكيان الصهيوني. كما ووجّه نقدًا قاسيًا للمنظمة، حيث قال: "إن هذه المنظمة، بهيكليتها وبُنيتها وأشخاصها، وربما بمحتواها.. هذه المنظمة قد انتهت.. نعم انتهت (...) سواء ذهبتهم بالتسوية السياسية حتى النهاية، أم خرجتهم من التسوية الآن". وأضاف: "إن دور المنظمة الباقي هو التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل، وفور التوقع ستتحول إلى شيء آخر.. ما هو هذا الشيء الآخر؟ فكروا منذ الآن، وفكروا بمصائر الكوادر الواقفة في مهب الريح".

وتساءل أمامهم: "هل هذه الصفقة هي جزء من اتفاق سلام شامل؟ أو هل تستحق منا التوقيع على معاهدة سلام أو مصالحة تاريخية؟ هل من الواضح أنها مرحلة أولى من تطبيق القرار 242 وفق جدول زمني واضح، وباعتراف واضح بأن هذه الأرض هي أرض محتلة؟ (...) ما هي حدود المرحلة الانتقالية التجريبية؟ هل هي حكم ذاتي بعد النجاح في التجربة والامتحان؟ وماذا لو فشلت؟ وهنا اسمحوا لي أن أحذر من أن وضعنا الراهن وبنيتنا الحالية تقدمان جوابًا سلبيًا على هذا السؤال".

في أحد الحوارات التي أُجريت معه بعد استقالته، أعاد محمود درويش أسباب إقدامه على الاستقالة إلى عدة عوامل، منها عدم رغبته في شغل أي موقعٍ قياديٍ أو رسمي. ولفت الراحل في هذا الحوار إلى أن وجوده في اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير الفلسطينية يعود إلى انتخابه غيابيًا. يقول في هذا الصدد: "أعتقد أن طبيعة العمل الرسمي تتنافى تمامًا مع طبيعة العمل الإبداعي، وليس في وسع الإنسان أن يقسّم نفسه إلى شخصيتين: هذه شخصية رسمية، وهذه شخصية إبداعية".

استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير الفلسطينية" احتجاجًا على توقيع "اتفاقية أوسلو" التي رأى أنها مخاطرة تاريخية

ولكن ما دفعه إلى الاستقالة فعليًا، والاستعجال في تقديمها، هو قراءته لمضمون "اتفاقية أوسلو" التي يقول إنه قدّم مرافعة نقدية واضحة لنصها، الذي أكد أنه لا يستطيع قبوله: "لا ثقافيًا ولا سياسيًا ولا أخلاقيًا". ولكنه، في الوقت نفسه، لا يدين من يقبله.

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: رسائل محمود درويش وسميح القاسم

وأشار مؤلف "ذاكرة للنسيان"، في الحوار نفسه، إلى أن ضميره، وفي حال حُكم عليه بالتصويت، لا يسمح له بأن يصوت ضد الاتفاق لكي لا يكون: "شريكًا في حرمان الشعب الفلسطيني من فرصةٍ ما قد تتمكن من تطوير الاتفاق إلى شيءٍ آخر"، وحتى لا يكون صوته: "عقبة أمام إتاحة فرصة للتجريب". ولكنه، في المقابل، لا يسمح له بأن يصوت لصالحه أيضًا، ذلك أنه يرى فيه، كما سبق وأشار في نص الاستقالة: "مخاطرة تاريخية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أرشيفنا الثقافي: قصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة".. نقد الهزيمة العربية

أرشيفنا الثقافي: "ذاكرة الشعوب".. سلسلة كتب منسية