25-يوليو-2017

الرئيس التركي في ضيافة أمير الكويت (الأناضول)

بينما دأبت صحف القاهرة والرياض على تصوير زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخليج، سعيًا في حلّ أزمة حصار قطر، وكأنها والعدم سواء؛ كانت المؤشرات القادمة من إسطنبول مختلفة.

فوفقًا لأردوغان نفسه، في تصريحات له بعد عودته من الجولة التي شملت السعودية والكويت وقطر، وبدأت الأحد وانتهت مساء أمس الإثنين، فإن زيارته واتصالاته في المنطقة "شكّلت خطوة مهمة على طريق إعادة إرساء الاستقرار والثقة المتبادلين"، ملمِّحًا إلى أنه "من الصعب إعادة بناء ما دُمِّر، فبناء العلاقات بين الدول يستغرق وقتًا".

تنظر تركيا للخليج من زاوية أوسع تصل للتحالف الاقتصادي، خاصة مع توتر العلاقات بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي

ويرى أردوغان، وفقًا لعدة تصريحات سياسية، أن "المشاكل السياسية مؤقّتة"، ولذلك فأزمة الخليج أبسط من أن يقيم جولات قمة تشمل رؤساء وملوك المنطقة لحلها، فالزيارة لا تقتصر على رأب صدع الأشقاء، خاصة وأن الكويت تقوم بهذا الدور، وتدعمها تركيا، وهو ما بدا واضحًا في بيان رئاسي صدر من أنقرة يؤكد على "دعم أردوغان للجهود الكويتية بهدف تجاوز الأزمة في منطقة الخليج، إضافة إلى مبادرات أخرى بهذا المعنى".

لماذا زار أردوغان الخليج إذن؟

تنظر تركيا لعلاقاتها بالخليج من زوايا أوسع، تصل إلى التحالف الاقتصادي، ولذلك فهي تريد دولهُ هادئة، خاصة بالتزامن مع توتر العلاقات بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، حيث أعلنت برلين الأسبوع الماضي إعادة توجيه سياستها تجاه تركيا ومراجعة جميع صفقات السلاح المبرمة معها، واحتمال فرض عقوبات اقتصادية على خلفية اتهامها بقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وهي الاتهامات التي لا يلقي أردوغان لها بالًا، ويوسِّع دائرة حلفائه لاجتياز "الكمَّاشة الأوروبية".

اقرأ/ي أيضًا: قطر وتركيا.. القصة وراء أقوى تحالفات المنطقة

هل تراجعت السعودية والإمارات؟

روَّجت صحف سعودية وإماراتية، في مقدمتها "عكاظ" و"إرم"، أن السعودية استقبلت الرئيس التركي ببرودٍ بروتوكولي يشير إلى عدم تسوية الأزمة، مستندة إلى مصادر خليجية لم تسمِها، قالت إن فرص نجاح وساطة الرئيس أردوغان "ضئيلة للغاية لعدّة اعتبارات استراتيجية"، فيما يبدو أنها إشارة إلى علاقاته القوية لقطر، والتي ربما جعلته أكثر وضوحًا في نقد الحصار الملفق ضدها.

ولامت صحيفة "عكاظ" السعودية على أردوغان موقفه المؤيّد لقطر منذ بدء الأزمة، إلى الحد الذي جعله يرسل قوات لتعزيز وجود تركيا في القاعدة العسكرية بالدوحة، معتبرة إياه "طرفًا غير محايد"، في محاولة لوَصْم الزيارة بالفَشل فور نهايتها، دون أن تلتفت إلى انحسار مقاطعة لقطر، متمثلة في عددٍ من الخطوات، آخرها قائمة الإرهاب المخفَّفة التي أصدرتها دول المقاطعة الأربعة أمس الإثنين، والتي لم تتطرَّق إلى شخصيات عامة قطرية كما فعلت في القائمة الأولى.

والخطوة السابقة كانت عودة باقة قنوات "بي إن سبورت" الرياضية القطرية للعمل مجددًا في الإمارات، بعد فترة حجب دامت لخمس أسابيع، وكذلك في السعودية، بالإضافة إلى رضوخ النادي الأهلي المصري للقنوات الرياضية وتراجعه عن مقاطعتها، خوفًا من استبعاده من بطولة الأمم الإفريقية، وذلك بعد وصول خطاب رسمي للنادي من "بي إن سبورت" يهدد بذلك، نظرًا لأن الشبكة هي الراعية للبطولة.

لماذا زار أردوغان الخليج؟ الأسباب الحقيقية

حاولت صحف دول الحصار الخليجية أن تحصر زيارة أردوغان للخليج في وساطة لحل أزمة مقاطعة قطر، لكن بيان الرئاسة التركية كشف كذب تلك الادِّعاءات، فأشار إلى أن الزيارة شملت الاتفاق على ضرورة تعزيز العلاقات في الاستثمار والسياحة والصناعات الدفاعية بين الدول، كما أنّه بحث مع العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ملف مكافحة الإرهاب، ووفقًا لمركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي، فإن أردوغان سعى من خلال الزيارة إلى إدامة الاستثمارات الخليجية في تركيا.

وربما يُشير مرافقو أردوغان إلى الأغراض التركية من وراء الزيارة، إذ صحب أردوغان في زيارته كل من وزير التجارة والجمارك ووزير الاقتصاد ووزير المصادر الطبيعية بالإضافة إلى ممثل عن هيئة العلاقات الاقتصادية الخارجية، وهو ما يؤكد إن الزيارة لا تأتي على خلفية حصار قطر وفقط، ولقد أشارت وكالة الأنباء السعودية (واس) إلى أنّ المباحثات بين أردوغان والعاهل السعودي تطرقت إلى العلاقات المتبادلة وتطورات الأوضاع في المنطقة، وأن ملفات الزيارة تنوّعت ما بين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.

وكان ملفتًا، ليلة الزيارة، ادّعاء صحف السعودية والإمارات بأنّ أردوغان حمل "تنازلات سرية" من أمير قطر إلى دول الحصار وخاصة الملك سلمان، لكن هذه الادعاءات لم تصمدْ طويلًا أمام خطاب الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أعلن فيه بوضوح مواقف دولته من حصار الخليج، ملخّصًا الأزمة في أن "الدول التي قطعت علاقتها مع قطر معتمدة على مفهوم الإرهاب، سرعان ما تبين لها أن المجتمعات الغربية ترفض إطلاق تهمة الإرهاب لمجرد وجود خلاف سياسي، أو لتشويه صورة دول أخرى وعزلها عن الساحة الدولية"، مُؤكدًا: "نرفض أن يتحكم أحد بسياسات قطر، وإغلاق وسائل الإعلام، والتحكم في حرية التعبير ببلادنا".

كان الموقف التركي من الأزمة واضحًا منذ البداية، وهو: لا صلح على حساب الدوحة، ما يُؤكد التزام أنقرة بمبادئ خطاب أمير قطر

وإن كان أردوغان قد حمل على عاتقه ملف الصلح الخليجي، إلا أنه لم يكن الملف الوحيد، بل ربما لم يكن في مقدمة الملفات، خاصة وأن موقفه واضح من البداية: لا صلح على حساب الدوحة، ملتزمًا بمبادئ خطاب أمير قطر للحل، فلن يكون هناك حل لا ينطلق من أرضية قطرية.

لماذا لم يذهب أردوغان إلى الإمارات؟

في خطابه حدد أمير قطر  الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مبدأين يجب أن يكون الحلّ في إطارهما، وهما "احترام سيادة كل دولة، وألا يوضع الحل في صيغة إملاءات من طرف على طرف، وإنّما تعهدات والتزامات متبادلة". وفي معرض مفاوضاته لإنهاء المقاطعة الخليجية، برز مطلب تركي بوقف الحصار والتفاوض المباشر شرطًا للوساطة، أو الحلّ.

اقرأ/ي أيضًا: أمير قطر: نحارب الإرهاب بلا هوادة وندعم المقاومة وحرية التعبير

تلك المبادئ تفسِّر إعراض أردوغان عن زيارة الإمارات خلال جولته الخليجية، رغم تحسُّن العلاقات بين تركيا والإمارات مؤخرًا، فهو ينظر للإمارات باعتبارها الدولة المتهورة في المنطقة، التي تريد تحقيق كل المكاسب وحدها، وإن عنيَ ذلك الفوضى فيما حولها. 

وكانت علاقات تركيا والإمارات متوترة لفترات طويلة انتهت مؤخرًا بزيارة عبد الله بن زايد، وزير الخارجية إلى أنقرة، التي قيل إنها أعطت ثمارها في إزالة أهم عقبة كانت توتر العلاقات بين الجانبين، وتتمثل في وجود معارضين إماراتيين في إسطنبول، ووافقت حكومة أردوغان على إبعادهم من أراضيها إلى جهة مجهولة يعتقد أنها بريطانيا.

وبالنسبة إلى أردوغان، فإن "قطر التزمت سياسة عقلانية تسعى إلى حل أزمة الخليج منذ بدايتها"، وفق قوله، لكن وجود الإمارات، التي قادت الأزمة لن يكون طرفًا في الحل، بل يمكن أن يعطله، على عكس السعودية، التي تجمعه بها علاقات "أكثر اتزانًا"، خاصة أنه يحمل وجهة نظر يشترك فيها مع الجانب الأمريكي، تفيد بأن "الأزمة لن تفيد أحدًا". وأتت زيارة أردوغان في توقيت سياسي اكتسب أهميته من كونه يعقب دعوة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الجمعة الماضية، لرفع الحصار عن قطر.

مع "وسيط الخير بين الأشقاء".. وليس ضده

إلى جانب عدّة ملفات، وجد أردوغان، أنّ الفرصة الآن مناسبة للتأكيد على دعمه للكويت، فهو ليس بديلًا ولا منافسًا لها في الوساطة، وإنما رديف ومساعد، يريد أن يدعمها في الحل.

بالنسبة إلى أردوغان فإنّ الإمارات لا يمكن أن تكون طرفًا في الحل، بل قد تعطّله، وهو ما يفسر عدم زيارته لها

وبرز ذلك الاتجاه في وصف أمير الكويت بـ"وسيط خير بين الأشقاء" على صدر الصفحات الأولى لعدّة صحف تركية اهتمّت بتغطية الأزمة، وذلك كلّه في ضوء تصريحات أردوغان، التي تمسّك بها قبل جولته، والتي تؤكّد على "عقلانية قطر" حيال الأزمة، التي عبَّرت عنها الدوحة على لسان فهد بن محمد العطية، سفيرها في روسيا، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية عن قدرة بلاده من كافة الاتجاهات على الاستمرار بالظروف الحالية، تحت الحصار، إلى أن تلتزم الدول الأربع بالقانون والاتفاقات الدولية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية والإمارات أكبر الخاسرين من الحصار الفاشل ضد قطر 

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي