12-يوليو-2018

يفتقد الجزائريون حضور الرئيس في حياتهم (Getty)

إلى السّيد رئيس الجمهورية

ليس من الذّوق أن تكون رسالتي إليكم طويلة، بحكم أن اسمكم بات، منذ سنوات، مقرونًا بعبارة "شفاه الله" عوضًا عن "وفّقه الله". لذلك سأكتفي بتذكيركم بموقف وقفتموه خلال حملتكم الانتخابية الأولى في تيزي وزّو، قلتم فيه: "يلعن بو البلاد اللي تحقر ولادها".

لشدّة حاجتنا كجزائريين إلى رئيس في يومياتنا، حاولنا أن نتصالح مع الوضع، ونخاطب صورتكم في الإطار

إذن، بعد تسعة عشر عامًا من موقفكم ذاك، أولاد الجزائر باتوا "محقورين". مساكين، لم يجدوا حتّى رئيسًا يقول لهم: عيدكم مبارك.

تذكير ثانٍ

سيّدي الرّئيس

لشدّة حاجتنا إلى رئيس في يومياتنا، حاولنا أن نتصالح مع الوضع، ونخاطب صورتكم في الإطار، لكننا وجدناها لا تتفاعل، فوجد قطاع واسع من شبابنا أنفسهم يتفاعلون مع رئيسة دولة كرواتيا.

إلي وزير السّكن والمدينة والعمران

هل يحقّ لمدينة لا تحسن البناء أن تعتبر نفسها مدينة؟ بناء المكان والإنسان معًا؟ يصبح المكان الجميل خرابًا من دون إنسان مبنيّ جماليًا، ويُعدّ الإنسان الجميل متشرّدًا من دون مكان جميل.

اقرأ/ي أيضًا: صورة بوتفليقة تنوب عنه في المحافل.. والجزائريون يسخرون من الصدمة

مررت على حيّ في الجزائر العاصمة بنته دولة خليجية تبرّعًا، فأصبتُ بالإسهال حين قارنته مع الأحياء التي بنتها وتبنيها حكومتنا. سكنات تسمح بالنظر والتنفّس، مساحات خضراء تؤثثها ألعاب للأطفال، مسجد أنيق، مصحّة، مكتب بريد، دكاكين مبتسمة، قاعة للأعراس والمناسبات والنشاطات الثقافية.

لماذا نبني كأننا نرحل غدًا؟ كأنها ليست بلادنا! حتى فرنسا التي كانت تعرف في العمق أنّ الجزائر ليست لها كانت تبني كأنها لن ترحل أبدًا، فتركت لنا تراثًا معماريًا رائعًا. ما معنى أن تصمد العمارة التي بنتها فرنسا قبل قرن ونصف، وتسقط العمارة التي بنتها حكومة الاستقلال في زلزال خفيف؟

ما المانع من أن يكون لدينا مسرح في كل تجمّع يصل عدد سكّانه إلى عشرة آلاف ساكن؟ سينما، فضاء ثقافي مفتوح، فضاء رياضي، مكتبة؟ وبشيء من العمل الموكول إلى أهله تعرف هذه الفضاءات كيف تزرع الحياة في شوارعنا.

أليس مثيرًا للخوف على المستقبل أن تحضر وزارة الدّاخلية منذ تصميم المشروع السّكني وتغيب وزارة الثقافة؟ هل هذا ما يفسّر كون تجمّعاتنا السّكنية تسمّى بالأرقام، تشبّها بالزّنزانات؟ أنا أصلًا كنت أقيم في حي 950 في مدينة بودواو وها أنا أقيم في رقم آخر في مدينة برج بوعريريج. إن الجدران وحدها لا تمنح الحياة. وإننا نملك ما يجب من إمكانياتٍ لنجعل هذه الجدران حيّة.

سألت مرة مسؤولًا في مدرسة الفنون الجميلة: هل طلبت وزارة السكن والمدينة والعمران يومًا من المدرسة أن تعطي رؤيتها الجمالية للمحيط؟ فوصفني بأنني رومانسي ينتظر من فاقد الشيء أن يعطيه. لماذا إذن نصرف المال على معاهدَ لا نستشيرها في تخصّصها؟ لماذا تستمرّ الدّولة في تغذية الجمعيات المدنية، التي لا نرى لها أثرًا في الميدان؟ ولماذا لا تبادر الجمعيات الواعية إلى الضغط على السلطات حتى تغيّر عقليتها في التّعاطي مع المحيط؟

معالي الوزير

لا أدري إن كانت الحكومة صادقة في أرقام ما أنجزته من سكنات. لكنني متأكد من كونها كاذبة في اعتبارها بيوتًا، لأنها علب لا تسمح بالتنفّس.

إلى وزير الاتصال

هل لاحظت أنّ معظم الصّحفيين الجزائريين، الذين يراسلون منابر أجنبية كتبوا بروح وطنية عالية عن الخرجة الأخيرة للانفصالي فرحات مهنّي؟ إذا لم تجد القدرة على الاعتذار عن تهمة العمالة لهؤلاء، فلا تعد إليها مرّة أخرى على الأقل. كفّوا عن أكذوبة أن الوطن هو حاكموه. وأن الكتابة ضدّهم هو خيانة للوطن.

اقتراح: يمكننا أن نصدّق أن الوطن هو حاكموه. وأن نتعامل على هذا الأساس. شريطة أن يكونوا جديرين بالحكم وقادرين عليه وحاضرين في حياة المواطن ورهانات الوطن، لا أن يكونوا مجرّد إطارات يطوف بها الأطفال في الأزقة.

معالي الوزير

هل قرأتم بما يكفي دلالة تفاعل الشارع الجزائري مع حضور رئيسة كرواتيا في مونديال روسيا؟

إلى وزير المجاهدين

لماذا لا تبذل وزارة المجاهدين وما إليها من مؤسسات وهيئات معنية بالذاكرة الوطنية جهدًا في البحث عن طرق جديدة في الاحتفال بالأعياد الوطنية؟

اقرأ/ي أيضًا: العيد في الجزائر.. قداسة الحضور وضغوط التقشّف

ألم تنتبهوا إلى أنها باتت منفرةً من حيث شكلها، حتى أنها باتت مقتصرة على بقايا الأسرة الثورية؟ أم أنكم لا تؤمنون بأن هذا الاستقلال ولد أجيالًا جديدةً تملك عيونًا جديدة وآذانًا جديدة وقلوبًا جديدة وعقولًا جديدة وأحلامًا جديدة، ومن حقها أن تجد ذاتها في هذه الاحتفالات؟ هنا يطرح سؤال إشراك هذه الأجيال في وضع فلسفة جديدة للاحتفال بأعياد الجزائر نفسَه.

إن أبشع خطأ يرتكبه من يخافون على البلاد أن يعتقدوا أن هذا الجيل لا يملك ما يكفي من الارتباط بالوطن يؤهله لأن يستلم المشعل. وإن أجمل ما يفعلونه أن يدركوا أنهم شاخوا، وكلنا نشيخ، والخوف على المشعل وهو في أيديهم أكبر من الخوف عليه وهو في أيادٍ شابة. ثم لماذا لا يتحملون قليلًا من المسؤولية: هل طلع هذا الجيل من الفراغ؟ إنه ثمرتهم، فمن الأولى باللّوم: الفلّاح أم الثمرة النّاقصة؟ هذا إذا وافقنا على أن هذا الجيل ثمرة ناقصة.

إذا لم تستحوا منا نحن الأحياء، فاستحوا من الشهداء، ربي يرحمهم، وأبوك منهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مناورة بوتفليقة حول الضمير الديني للجزائريين

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد