03-فبراير-2017

تعاني أرامل العراق من ألم مضاعف وحياة قاسية (دليل سيلمان/أ.ف.ب)

مثل النائحات في التراجيديا الاغريقية، تتجمع نساء منثورات الشعر وهن يشقن أثوابهن وسط عويل ثاقب أمام دائرة الطب العدلي (المشرحة) وسط العاصمة العراقية بغداد، إنه مشهد يكاد يتكرر كل يوم في العراق الذي تتناهبه الحرب والتفجيرات والقتل على الهويّة، وهذا المشهد وغيره هو محرّك صعود الخط البياني لأعداد الأرامل في العراق. ومن "المشرحة" حيث تتسلّم المرأة جثمان زوجها، تبدأ رحلة الارملة العراقية في العوز، إذ تحاصر بتربية أبنائها وفي توفير الحد الادنى من مستلزمات العيش الكريم. لا تلتفت مؤسسات الدولة العراقية الى ما تؤول إليه حياة الارامل اللواتي قضى أغلب أزواجهن في جبهات القتال ضد "داعش" أو وقودًا لتفجيرات السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة التي تجول في الشوارع والاسواق والجوامع والمدارس والكنائس العراقية.

تشير الإحصائيات إلى أن أعداد الأرامل في العراق بلغ 3 ملايين أرملة وفق منظمة "اليونيسف"

وتتضارب الاحصائيات الرسمية العراقية مع إحصائية المنظمات الدولية بشأن أعداد الأرامل في العراق، ففي الوقت الذي تصر فيه وزارة التخطيط العراقية على أن عدد الأرامل في العراق بحدود المليون أرملة، تؤكد منظمة "اليونسيف" التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالأسرة والطفولة عام 2010 أن عدد الارامل في العراق يبلغ نحو 3 ملايين أرملة.

أقرأ/ي أيضًا: العراق.. أطفال في مهن القسوة والعنف

وتقلّل لجنة المرأة والأسرة والطفولة في البرلمان العراقي من أهميّة الإحصاءات الصادرة عن الحكومة، وتؤكد ان العراق لا يمتلك أي إحصائيات دقيقة عن أعداد الأرامل والأيتام في العراق، وتحيلها إلى "وجود إرادة سياسية تمنع إجراء الإحصاء السكاني الذي يحدد نسب مثل هذه الشرائح". وبحسب دراسة أجرتها منظمة الإغاثة الدولية فإن نحو 60 بالمئة من الأرامل العراقيات فقدن أزواجهن في أعمال عنف أعقبت غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في نيسان / أبريل 2003. وعن حال الأرامل المعيشية، قالت النائبة في البرلمان العراقي انتصار الجبوري، أن "الأرامل يستلمن شهرياً 100 ألف دينار (أقل من 75 دولار) كراتب من دائرة الرعاية الاجتماعية"، لافتة إلى أن "هذا المبلغ لا يكفي أجور نقل لمدة أسبوع". وبحسب الجبوري، فإن أغلب النساء الأرامل تقع على عاتقهن مسؤولية أسرة بعد فقدان المعيل، لذلك فإن ملايين العراقيين مهددين بالضياع إذا لم تبادر الحكومة بوضع برامج عاجلة لإغاثة هذه الشريح التي تزداد كل يوم.

60 %  من نساء العراق فقدن أزواجهن بعد غزو العراق وتتقاضى كل واحدة أقل من 75 دولارًا شهريًا للإعالة

بالمقابل، فإن النساء اللواتي كان أزواجهن يعملون في المؤسسات الرسميّة، فإن عليهن دفع رشا من أجل حصولهن على مبلغ التقاعد الشهري الذي لا يتجاوز في أفضل أحواله (400 دولار) أميركي، وقد تمتد المعاملة الرسميّة للحصول عليه، بسبب البيروقراطية والفساد، إلى أكثر من عام.

وفي الآونة الأخيرة، انتشر مقطع فيديو لسيّدة مسنّة في محافظة المثنى جنوب العراق وهي تنتشل ما يمكن بيعه من النفايات من أجل أن تسد قوت يومها، وسرعان ما اتضح أن هذه السيّدة هي أم لجندي عراقي قُتل في عمليات الانبار، والحكومة لم تخصّص لها أو لزوجته راتبًا تقاعديًا، وهو المعيل الوحيد لهما. وإذا كان أمر الإعالة صعبًا، فإن الأعراف الاجتماعية تحيل حياة الأرامل ولاسيما الشابات منهن إلى جحيم، خاصّة مع تصاعد نمط الحياة العشائرية في المجتمع العراقي.

وعاشت إيمان عباس، وهي موظفة حكومية، بعد أن فقدت زوجها على يد إحدى الميليشيات في شرق بغداد، في حداد مستمر وتوقّفت حياتها مع بناتها الأربع، "وجدت نفسي وحيدة في خضم مجتمع لا يرحم، حيث يترتب علي أنا وبناتي الاربعة مواجهة الحياة القاسية بصمت، وان نترك كل شيء"، قالت عباس لـ"الترا صوت"، قبل أن تضيف "لا نتجمل ولا نفكر بإعادة تأسيس حياة جديدة، الهمس الذي يدور حولي ونظرات الرجال حولي تجعلني أعيش وحيدة في عالم ليس لي ذنب فيه ان أكون إلا ارملة وبناتي فقدن والدهن".

أقرأ/ي أيضًا: موازنة العراق لعام 2017.."مكانك راوح"

وأشارت عباس إلى أن "احساس الوحدة صعب وكلام الناس أصعب منه ألف مرة وان فكرت يوماً بالزواج سأتهم بنكران الجميل للزوج الأول وبعدم مراعاة مشاعر أهل زوجي".

عباس، بصفتها موظفة، تعيش حياة متوسّطة، لكن وبالرغم من هذا فإن أكثر من نصف مرتبها يذهب لقاء الإيجار الشهري للمنزل "لم أتسلم أي تعويض رغم مرور سنوات على موت زوجي"، متابعة بالقول "غالبيّة الأرامل راحوا أزواجهن ضحية العجز الامني الذي كان سمة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى الآن". مثل عباس، وقبلها أم الشهيد كما يطلق عليها سكّان محافظة المثنى، حكايات عديدة في العراق، ولا يكاد زقاق يخلو من قصص عن الأرامل ومعاناتهن، إلا أن الحكومة العراقيّة لا تحرّك ساكنًا لتحسين اوضاعهن أو تجنيبهن معاناة الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تزداد صعوبة في العراق، والأدهى من ذلك أن يمتد الفساد إلى دائرة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل، إذ تتحدّث وسائل إعلام محليّة عراقيّة عن أن بعض الأحزاب تقوم بتسجيل أسماء أرامل وهميّة في الدائرة من أجل الحصول على أموال شهريّة لتمويل عمل الأحزاب.    

أقرأ/ي أيضًا:

العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب

أطفال العراق.. ثمن خلافات الساسة