14-أكتوبر-2016

أدونيس (تصوير: المهرجان الدولي للشعر

يمكن الحديث باستغراق عن المشاكل المرتبطة بأساسات جائزة نوبل، لا باختياراتها فقط، ومثلها الجوائز العالمية الكثيرة، التي تفترض وجود قيم جمال وذائقة عالمية واحدة، وتستغني عن مكون أصيل من مكونات الأدب والفن، أي محلية هذا الفن أو هذا الأدب. أو عن ارتباطها بخيارات سياسية، تجعل شاعرًا سوريًا مهمًا مثل أدونيس، يخسر دوره الأساسي كمثقف عربي وسوري أثناء لهاثه وراء الجائزة "الأولى" في العالم.

مشكلة أدونيس الأساسية أنه، بينما يمارس التطبيع ودعم الأنظمة، يفعلها تحت مبررات تنويرية فارغة

ليست مشكلة الشاعر السوري المرشح الدائم لجائزة نوبل للآداب، والخاسر الدائم لها، مشاركته في مؤتمر مع إسرائيليين فحسب، ولا تمسحه الدائم ببلاط الرجل الأبيض والمؤسسات البيضاء، ولا مواقفه من الثورة السورية، وليست هذه التصرفات منفصلة عن جملة مواقف وتصرفات الرجل، فتوقه المتواصل للوصول إلى العالمية وجوائزها، وإدراكه لسبل الوصول إليها، على ما يبدو، كان عتبة لأفكار كثيرة أخذت نفس المنحى.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا أتمنى نوبل لأدونيس!

مشكلة أدونيس الأساسية، أنه يرتكب كل ما سبق، تحت مبررات تنويرية فارغة. فيطبع مع مثقفين إسرائيليين بحجة علو الثقافة وسموها عن الصراع السياسي! ويقف مع الدكتاتور السوري وإن بشكل غير مباشر، بحجة أن الثورة لا تخرج من الجوامع (لا يدرك المثقف العربي والشاعر الملم بالتراث الإسلامي والمهووس بعدائه، أن الجامع اكتسب اسمه في التراث الإسلامي من خلال هذه الوظيفة، أي وظيفة الجمع. وأن الجامع واحد من الفضاءات العامة المهمة في التراث الإسلامي، لكنه على ما يبدو، لا يريد أن يرى فضاء عامًا منتجًا للثورة، سوى ساحات باريس).  

بدءًا من مواقفه بالنسبة للمرحلة الراهنة عربيًا، ومن انتشار سؤال الإرهاب والتطرف، استغل أدونيس هذه التجربة، وذهب إلى تقديم نماذج عملية على أطروحاته الغرائبية، فنفى إمكانية حدوث ثورة حقيقية حتى لو كان النظام فاشيًا، إلا بالتخلص نهائيًا مما يطلق عليه "الذهنية الدينية"، ودعا إلى توجيه الحرب ضد التراث قبل الاستبداد، وأن الدين أخطر من العسكر! فبرر الاستبداد، ووقف معه من حيث لا يبدو أنه فعل ذلك.

يكرر "المفكر العربي" أفكار اليمين الأوروبي، والأمريكي الأكثر تشددًا، بحجج التنوير،  فيعيد "الإرهاب" إلى أزمة في التراث والثقافة العربية، بمباشرة لم يتجرأ عليها يمينيون أمريكيون. حتى لا يجد سامعه فرقًا بين مقولاته الأساسية عن الديمقراطية والثورة والدولة الدينية، وبين التصورات الاستشراقية الكلاسيكية عن المجتمع العربي، أو عن "تخلف" هذا المجتمع الذي تتكرر الإشارة إليه في مقابلاته وكتاباته، في وقت صار مخجلًا على المستشرقين أنفسهم التعامل مع مثل هذه المفردات.

يؤكد أدونيس باستمرار على وجود مشكلة "أصيلة" في ثقافة المجتمع العربي، أساسها الدين لا التدين وحسب، ويرى أن أي ثورة ديمقراطية يجب أن تبنى على إلغاء الدين تمامًا، مكررًا المقولة العجائبية عن تناقض الدين حتى كثقافة، مع الديمقراطية، قافزًا عن جهد عظيم بذله مفكرون عرب في محاربة هذه المقولة. ويتجرد  من التراث الثقافي الإسلامي جميعه، مؤكدًا أن أي عملية تحول ديمقراطية يجب أن تكرر النموذج الأوروبي تقليدًا كاملًا.

نموذج أدونيس نموذج مباشر على المثقف التنويري الذي صممته الدكتاتوريات العربية لفترة طويلة

اقرأ/ي أيضًا: أدونيس.. من شاعر إلى ناشط

ولم يختلف الشاعر السوري عن غيره ممن أشاروا بنقد خجول إلى النظام السوري، دون أن يتحملوا استحقاقات هذا النقد، وتبدو السمة الواضحة لمواقفه أن يدافع عن النظام، ولا يهاجم الثورة فقط. وإضافة إلى ذلك، فإنه يذهب إلى نفس مذاهب الأنظمة التي تستخدم الدين كحجة أمنية أو كمبرر للهجوم على أي ثورة، وعلى الحركات الاجتماعية المطالبية في المجتمعات العربية.

انتصر أدونيس لشيعيته، كما وصفه صادق جلال العظم، بحجج الإرهاب الإسلامي السنيّ، وعاد إلى طائفته عندما صار دور المثقف الخارج عن طائفته دورًا عمليًا وملحًا، وكشف المثقف العلماني عن صحة المقولة القديمة، أن الطائفية ليست ظاهرة دينية بالمرة، "والعلماني الشيعي" دليلُ ذلك. ولن تنغص عليه شيعيتُه أثناء التمسح في بلاط اليمين الأوروبي، في وقت صار الإسلام السني فيه، العدو الأساسي لهم والمرادف للإرهاب. 

نموذج أدونيس نموذج مباشر على المثقف التنويري الذي صممته الدكتاتوريات العربية لفترة طويلة، المثقف الذي يستخدم التنوير حجة للدفاع عن ظلام الاستبداد، ويبقى عالقًا في أسئلة النهضة وعصرها. ونموذج المثقف الذي يستثمر مرحلة الانتقال التي تعيش فيها المجتمعات العربية، لكنه ليس الاستثمار في مشروع تحرر يجب أن يكون فيه دور المثقف وحضوره ملحًا، ولكن من أجل التقرب الواضح من الموديل الذي تصممه المؤسسات الأوروبية للمثقف وللأخلاق. ولعل أدونيس بذلك يخوض صراعًا –متعلقًا ببنية الجائزة وشبيهاتها- في التنافس على الظهور بهذه الصورة. 

اقرأ/ي أيضًا:

مطالبات بسحب جائزة السلام الألمانية من أدونيس

عن أدونيس المنتحل والمكرّم