16-أبريل-2018

من الجلسة

شاركت في ندوة "كتابة اليوميات والسّير" في "معرض تونس الدّولي للكتاب"، رفقة اليمني عبد الله ناجي والتونسي كمال الرّياحي والمغربي أحمد المديني. وقد طرح مدير الجلسة الباحث في الموضوع نفسه محمّد آيت موهوب أسئلة سعت إلى لملمة أطرافه، منها: هل يمكن للذّات العربية أن تبدع في هذا النوع من الكتابة القائمة على الحرية والشفافية والجرأة؟ في فضاء عربي يُهيمن فيه الجماعيّ على الفردي؟

ننتمي إلى حضارة مولعة بكتابة تاريخ الأمّة العامّ، رغم اكتظاظه بالدّم، وزاهدة في كتابة تاريخ اللحظة الفردية

قلت إنني أتوقّع أن ينتعش أدب اليوميات مستقبلًا في الفضاء العربي، بفعل انتشار مواقع التّواصل الاجتماعي، التي نقلتنا من سؤال الهوّية: من أنت؟ في زمن الهاتف الثّابت، إلى سؤال الحالة: كيف حالك؟ حيث يظهر اسم المتّصل في شاشة الهاتف النقّال مع صورته وموسيقى مميّزة له. وسؤال الحالة ما انتشر في مجتمع إلا فرض خطاب حقوق الإنسان فرضًا، حتى وإن كانت المنظومة الحاكمة قامعة.

اقرأ/ي أيضًا: تعرف على 5 من أهم كتب السير الذاتية

هنا تطرح هذه الأسئلة نفسها: هل كانت الثورات العربية تندلع، بصفتها مسعىً يتوخّى حقوق الإنسان، وبغضّ النظر عن نتائجها، التي تُناقش في سياق آخر، لولا انتشار هذا الخطاب في أوساط الشّعب، خاصّة الشّباب؟ هل كان ذلك ممكنًا قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ في الفضاءات العربية؟ لقد تعاملت معها بعض الأنظمة العربية في البداية، نظام حسني مبارك، نظام زين العابدين بن علي، نظام علي عبد الله صالح، نظام معمّر القذّافي ونظام بشّار الأسد، بصفتها ألعاب أطفال، فإذا بها تلقى نهايتها بسبب فاعليتها وتفاعلها.

إن العربيّ المولود في بيئة متحفّظة في كشف أسرار البيت ومناخاته، فالبيت العربي مفتوح إلى الدّاخل ومدجّج بالأسيجة والنوافذ والأبواب المغلقة، انسجامًا مع ثقافة الحريم، شرع ينشر صور بيته من الداخل في فيسبوك وغيره، بل إن ذلك بات يحصل على أيدي النّساء والفتيات أنفسهنّ. كما بات لا يجد حرجًا في التقاط "السّيلفيات" لنفسه في كلّ بقعة، وهذا تأريخ للّحظة والتجارب الإنسانية الصّغيرة، وما أدب اليوميات إذا لم يكن قائمًا على هذه الرّوح؟

إننا ننتمي إلى حضارة مولعة بكتابة تاريخ الأمّة العامّ، رغم اكتظاظه بالدّم، وزاهدة في كتابة تاريخ اللحظة الفردية، رغم اكتظاظها بالإنسانيات. وهذا مؤشّر على أنها أمّة لا تقيم للفرد وزنًا، فهي تنظر إليه بصفته ملكَها، ولا يجوز له أن يستقلّ بالتعبير عن ذاته إلا من زاوية تعبيره عن انتمائه وولائه لها. من هنا، ظلّ أدب اليوميات والسّيرة الذاتية والمذكّرات أدبًا منظورًا إليه عربيًا بعين الاستهزاء والتوجّس والاحتقار، وهو المعطى الذي توشك مواقع التّواصل الاجتماعيّ على أن تضع له حدًّا.

ينوي أحدنا كتابة يومياته اللصيقة بالذات، فيجد نفسه قد كتب تاريخ المرحلة أيضًا. مثل غاسل ثيابه يغسل معها يديه بشكل عفوي

في مجال النّشر، نجد الفرق بين النّاشر الغربي والنّاشر العربي، في كون الأول ينشر يوميات الناس العاديين، إسكافي.. طبّاخ.. سائق ميترو.. طبيب، بينما يشترط الثّاني أن يكون كتاب اليوميات أو السّيرة لشخصية مشهورة. ليس من باب استغلال شهرتها فقط، بل احتقارًا للذوات التي ليس لها مضمون سياسي أو ثقافي أو إعلامي أو عسكري أيضًا، فالعبرة عنده بسلطة الصّفة لا بسلطة التّجربة. والأمر كان مسحوبًا أيضًا على القارئ العربي ونظيره الغربي.

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على 3 من أهم كتب السيرة العربية

ينوي أحدنا كتابة يومياته اللصيقة بالذات، فيجد نفسه قد كتب تاريخ المرحلة أيضًا. مثل غاسل ثيابه يغسل معها يديه بشكل عفوي. وأرى أن ظلال المرحلة وصورها في ما يُكتب باسم اليوميات هو التّاريخ الحقيقي لها، في ظلّ نزعة التّزوير المهيمنة على التّاريخ الرّسمي الذي يُكتب بأقلام منحازة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد خضيّر.. ما فات وما لم يفت من السيرة

عباس كيارستمي.. إضاءات على السيرة