أدب الطفل العربي.. رحلة ثقافية بأقلام كبار الكُتّاب والشعراء

الكتابة للأطفال لها متعة خاصة، فما بالك إذا كتب روائيون للأطفال؟ في عقود سبقت، كتب روائيون عدة للأطفال، كتابات أثرت في أجيال كاملة. نُشرت أغلبها على صفحات المجلات، وأصبحت في طيّ النسيان. هُنا نحاول تذّكر هؤلاء الروائيين، وسعي البعض لنشر أعمالهم ليقرأها أطفال اليوم.

منذ خمسينيات القرن الماضي، كتب عدد من الشعراء وكتّاب الروايات والقصص القصيرة للطفل؛ من بين هؤلاء كان صلاح جاهين وفؤاد حداد وسيد حجاب، حيث نُشرت أعمالهم في مجلة "كروان" عام 1964، والتي استمر نشاطها لعامٍ واحد. وكان يترأسها الكاتب المسرحي نعمان عاشور والرسام محيي الدين اللبّاد، كما يذكر خالد عبد الحميد، صاحب دار مرح لأدب الطفل.

يحيى الطاهر عبد الله أيضًا كان واحدًا من كُتّاب أدب الطفل. في الفترة بين عامي 1968 و1971، كانت قصصه تُزيّن صفحات مجلة "سمير" في ذلك الوقت؛ من بينها حلقات مسلسلة نُشرت في شهر رمضان بعنوان "مملكة الحبهان". وكانت عبارة عن مسابقة تفاعلية عن الأمثال الشعبية، كما يقول عبد الحميد. كما كتب الطاهر مجموعة مقالات تعريفية عن دول أفريقيا بعنوان "دائرة معارف ترانزستور".

من بين من أبدع في الكتابة أيضًا للطفل كان الراحل صنع الله إبراهيم، الذي تعاون مع الرسام محيي الدين اللبّاد، وأنتجا 14 عملًا مترجمًا من جميع أنحاء العالم، في سلسلة كانا مسؤولين عنها تابعة للمؤسسة العربية للدراسات والنشر، وكان مقرها بيروت.

منذ خمسينيات القرن الماضي، كتب عدد من الشعراء وكتّاب الروايات والقصص القصيرة للطفل؛ من بين هؤلاء كان صلاح جاهين وفؤاد حداد وسيد حجاب، حيث نُشرت أعمالهم في مجلة "كروان" عام 1964

في الحديث عن أدب الطفل، لا يمكن إغفال دور "دار الفتى العربي" التي تأسست عام 1974 في بيروت، والتي استكتبت عددًا من الروائيين والشعراء أيضًا أمثال غسّان كنفاني وصُنع الله إبراهيم وفؤاد حدّاد. ومن بين الأعمال التي شارك بها صُنع الله سلسلة "الحكايات العلمية للصغار"، وهي سلسلة تصفُ ما يحدث في الأرجاء المختلفة وعلى الأرض في الصحراء والغابات، وعلى شواطئ البحر وفي المحيطات وفي أعماقها، وما يجري من أحداثٍ مثيرة وظواهر غريبة، أبطالها وشخصياتها الطيور والحيوانات وكائنات البحر المختلفة. فهي حكايات تبرز الصراع الذي يدور بين الكائنات من ناحية وصراعها مع الطبيعة من ناحيةٍ أُخرى.

كتب صُنع الله أيضًا سلسلة "رحلة السندباد الثامنة"، وتتكون من 14 قصة مصورة تقدم شخصيات من التاريخ القديم والمعاصر، العربي والعالمي، ومن خلالها يتعرف الطفل على قصص كفاح الشعوب من أجل كرامتها وحُريتها.

ومن بين مشاركات غسان كنفاني في دار الفتى كانت مجموعة بعنوان "أطفال غسان كنفاني"، وهي عبارة عن ست قصص قصيرة كتبها في فترات ما بين 1956 و1969، أبطالها من الأطفال الذين عانوا من الظُلم الاجتماعي وقهر الاحتلال، لكنهم يرفضون الوهم والخرافة، ويتحدون واقعهم.

جار النبي الحلو كتب للأطفال أيضًا، من بينها سلسلة "باهي وبغبغ" التي نُشرت في مجلة قطر الندى، ورواية بعنوان "محاكمة في حديقة الحيوان"، وقصص عديدة من بينها "الكتكوت ليس كلبًا"، و"أنا ومراكب أبي".

من بين أغزر الكُتّاب الذين ألفوا للأطفال كان الدكتور محمد المنسي قنديل، فقد كتب في مجلتي "ماجد" و"العربي الصغير" مئات القصص. وقد قال في إحدى حواراته الصحفية: "إن الكتابة للأطفال هي التي حافظت على توازنه النفسي، خاصة في فترات الصمت والتوقف عن الكتابة".

ألّف قنديل نحو 12 مؤلفًا للطفل، من بينهم "حكايات صغيرة لريم"، وريم هي اسم ابنته، كما كتب "الهروب إلى جزيرة القرنفل"، الحاصلة على جائزة فاطمة بنت هزّاع لقصة الطفل العربي. وكذلك قصة "من وحيّ ألف ليلة وليلة"، ضمن سلسلة المعارك المنشورة بدار ثقافة الأطفال.

من بين أغزر الكُتّاب الذين ألفوا للأطفال كان الدكتور محمد المنسي قنديل، فقد كتب في مجلتي "ماجد" و"العربي الصغير" مئات القصص

كما لم يغفل قنديل عن الكتابة عن ثورة كانون الثاني/يناير 2011، فألّف "3 حكايات عن الغضب"، وهي مجموعة قصصية، مؤمنًا بأن الأطفال يجب أن يعرفوا أحداث الثورة دون تزييف، فقد أدرك في وقت ما أن حكايات الثورة سيتم تشويهها.

شارك قنديل في تأسيس أكثر من مجلة عربية للطفل مثل مجلة "علاء الدين" الصادرة عن مؤسسة الأهرام في مصر، ومجلة "باسم" الصادرة عن مؤسسة الأبحاث السعودية.

بسبب اهتمام دار المرح بكتابات الطفل القديمة، فقد أصدرت سلسلة بعنوان "حلاوة زمان"، معنية بقصص الأطفال المنشورة قديمًا. ويذكر عبد الحميد أنه حتى الآن نُشر ضمن السلسلة ثلاثة كتب؛ وهي "مذكرات أرنب الغابة" ليحيى الطاهر عبد الله، وقصة "البوري الحكيم جدًا جدًا" للشاعر فؤاد حداد، وديوان "كروان"، وهو عبارة عن مجموعة قصائد الشعر التي نُشرت في مجلة كروان قديمًا. كما سيصدر قريبًا قصص مصورة من تأليف صُنع الله إبراهيم ورسومات نبيل تاج.

تعاونت أيضًا الدار مع روائيين كتبوا للطفل، فقد نشرت قصة "عندما اختفى الضحك من العالم" للروائي "أحمد الفخراني"، وقصة "عزيزة وأمل" للكاتب محمد خير، كما ستصدر له قريبًا قصة "هالة في المتاهة".

يرى عبد الحميد أن الكتابة للطفل ليس بها تخصص، ولا يوجد كاتب متخصص في أدب الطفل وآخر لا. "بالطبع أسلوب الكتابة والصياغة يختلف، لكن الكتابة للجميع وموجهة لكل الفئات أيضًا"، ويتذكر أسماء روائيين وشعراء كبار كتبوا للطفل مثل سيد حجاب وصلاح جاهين وفؤاد حداد وعبد الرحيم منصور ويحيى الطاهر عبد الله.. "جميعهم كتبوا في مجلات كروان وسمير، وكتبوا بالعامية أيضًا للأطفال".

يعتقد عبد الحميد أن ضعف إنتاج أدب الطفل الحالي يرجع لوجود مصادر معرفة أخرى منافسة مثل "التيك توك": "ولا يُجدي بأي حال رفض وسائل المعرفة الأخرى، لكن من الأفضل البحث عن كيفية الاستفادة منها". والسبب الآخر في تراجع إنتاج أدب الطفل هو الانحدار في استخدام اللغة العربية الفُصحى، خاصةً أن الكثير من الأطفال الآن لا يتحدثون العربية من الأساس.