1. ثقافة
  2. نصوص

أخلعُ روحي على ما أحبُّ

27 مايو 2025
لوحة الفنانة نبيلة عدني
لوحة الفنانة نبيلة عدني
محمد المطرودمحمد المطرود

"الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"

  • (قرآن كريم )

تقول الطيور: أنتَ حبةُ حنطةٍ مستويةٍ من حقولِ الجزيرةِ السوريةِ قبلَ جرادِ الظمأ والرايات، وقد يكونُ أصلكَ من خابيةٍ كانت معدّةً لتخزين الحبوب في ميزوبوتاميا، لها رنينُ الذهب ورهجهُ، طرقُ النحاس، التماعاتُ الفضةِ، ورجرجةُ الزئبقِ النقي، أو كنتَ رسالةً صلبةً من إلهِ المطرِ إلى شغفِ الأرضِ الليّنةِ للحَبَل، ثمّ تنقرني بشهيةٍ، وتطيرُ بفتاتي العالقِ بها إلى أعشاشها وفراخها الجوعى، علاقتها الفطرية مع الله. وها أنا أتلبّسُ حالَ القمحِ، وأتلمّسُ كأعمى طريقي بين الجنة الباردةِ والجحيمِ الحار لأنضجَ، وأتحوّلَ إلى سَببٍ للحياة.

حبيبتي المنقسمة في سحنتها على ثلاثة نيران باردة، ريف وبدو ومدن، وريح عالية في مهبّ المناديل: تقول: بعدَ أن تقرأ وجهي بيديها الغيمتين الصيفيتين: كم أنتَ نبعٌ يا حبيبي، تغسلُ وجهها الحنطي بمائي، ثمَّ تشربني مثل الحكاية على مهلٍ،  أراها الآن ممتلئةً بي، فيّاضةً على السهلِ، تتقاسمُ قربتَها الصغيرةَ مع عَطشى الحبّ، ومع نظرتي المائيةِ إلى جسدِها وشروقها حولي، وعلى سطحي وعمقي، حتى أنيّ صرتُ أسيحُ على السهوبِ والجبالِ، وأفتحُ مساربَ في حجرِ العاطفةِ والصبر، وأظنني امتلكتُ صلادةَ الماس وهشاشةَ الوحلِ الأنثوية.

يقولُ صديقي الذي لم أره من عَقدٍ ونيّف: مازالتْ عيناكَ على حالهما، عميقتان، بارقتان مثل زمردتين، يَجتّزُ واحدةً، يضعها في وعاءٍ زجاجي مزينٍ بالذهبِ الأحمرِ، والخطّ العربي، وبيت شعر من بحرِ الشغفِ كثير الجوازاتِ والقوارب، ويقول: سأريها لأطفالي، ليعرفوا أن عينَ صديقي جميلةٌ كعيني لعبةٍ ثمينةٍ، فأنظرُ في الأطفال، بينما عيني تسيلُ إلى الفرح، متقمصةُ دورَ صندوقِ الفُرجةِ.

يقولُ الجنودُ على الجبهةِ الأخيرة، وانتصروا في الحربِ، ربّما سنخوضُ حربًا أخرى، ثمّ ينظرونَ في أصابعِ كفي اليسرى، يقولون: هي مثاليةٌ للضغطِ على الزناد، وتنفعُ للمستقبل، أنا سعيدٌ: لأنَّ يدي ستساهمُ في صناعةِ (غدًا)، وبدلًا أن يشكرني الجنودُ على تضحيتي، أشكرهم، وأعودُ إلى أطفالي لأعانقهم فخورًا بكفٍ واحدةٍ. هذا المجدُ تليقُ به التضحيات، لكن بعدَ هذا النصر لن أستطيعَ التصفيق!

أنا لا أحب رياضة القدم، ولا الحمقى الـ يتقاتلون على جمجمةٍ من الجلد، أرى رأسي تتدحرجُ بينَ أقدامِ اللاعبين، غير أنَّ لاعبَ الدفاع في منتخبنا الوطني الجديدِ، الجديدِ كثيرًا، قال: لديكَ قدمٌ يمنى قويةٌ، يحتاجُها الوطن اليوم، وصرنا نلعبُ سويةً، هو بقدمهِ اليسرى، وأنا باليمنى، ولم نربحَ المباراة، بسببِ خطأ ارتكبهُ رأسُ الحربة، وها نحنُ نعيشُ في المظلومية والخسران، ونفكر بقتلِ قلبِ الهجوم، لولا أنَّ حكمَ الساحة صفرَّ للانتقالِ إلى ضرباتِ الترجيح، ضربةٌ من الخصمِ، وضربةٌ منا، ومازالتْ المباراةُ مستمرةً، ولا أملَ في الحسمِ بعد.

أمّا المصلون من مسلمين بطوائفهم، مسيحيين بروتستانت وكاثوليك، يهود مجددين وشومريم، إزيديين أنصار عدي بن مسافر، دروز، إسماعيليين، علويين، بهائيين، مندائيين، بوذيين مشاغبين في لوحةِ النيرفانا، مثقفين وأنصافُ كتّابٍ قالوا: أنتَ الأمامُ والإمامُ، خالقكَ خالقنا، وخالقنا أباكَ، فكن أولادهً، واصطفوا خلفي للصلاة، ولأني غير حافظ للتعاليمِ، رحتُ أهذي بالشعرِ والموسيقى، وقلتُ في نفسي: الله يفهمُ كل شيء، وسيبث الرقصَ في نفوسنا المتعبة، ورقصنا على نغمةِ:" ارفع راسك فوكـ أنتَ سوري حر"، حتى تحوّلت الدارُ الجديدةُ للعبادةِ مسرحًا اجتمعت فيهِ كلُّ الدياناتِ والأغنيات!

ومنذ ذلكَ اليومَ، أضيفُ إلى سيرتي الجديدة مهنةً جديدةً: معلّمُ الرقص، أصنعُ بالحركاتِ في المسرحِ الذي أديرهُ، وكانَ معبدًا سلمًا جهةَ السماء، كأني بهذا أحملُ في روحي طفلًا كانَت رغبتهُ "أن يخبرَ الله بكلِّ شيء"، ولم أرغب أبدًا أن أكونَ نبيًّا، إذ " لا كرامة لهُ بينَ أهلهِ".

وقالَت العرّافةُ لأمي، وكنتُ في الثامنةِ من عمري، سيموتُ الشقي بعدَ سنةٍ، في الخامس عشر من يناير" يوم مولدهِ"، أو في الأولِ من إبريل، يومَ خٍروج الإله تموز من المعتقلِ إلى الطبيعةِ، وستقضين سنينكَ يا أمّه الجميلةَ حزنًا، وستمتلأُ روحُكِ بآلافِ النايات.. وماتتْ أمي بعدَ سنتين، وبقيتُ لستٍ وأربعينَ سنةٍ، أبني قصري من الأخطاءِ الحميدة، انتظارًا لسيدِ الموت في يناير أو أبريل، وربّما يومٍ ريحٍ عالية تحرّكُ المناديل، قبل القيامة بيومٍ، أو بعدَ القيامة بيوم.

وأخيرًا صاحت بي المرتفعات: يا صقري ارتفع، فحملتُ على ظهري جناحين من حنيني إلى أهلي، وهبطتُ إلى الأعلى فأعلى بحثًا عنهم أحياء، أو بقايا جثثٍ نجتْ من السجون، أو بقايا قميصٍ أفرك بهِ عيني فأبصرُ ثانية، وحينَ لم أجد أحدًا على حالهِ، وجدتُني أحتاجُ إلى الأبدِ ويوم، لأعيدَ إعمارَ روحي، وأكونَ لائقًا بهذا الحزن.

كلمات مفتاحية
عمل فني - مصطفى لبان - الخُبر (المملكة العربية السعودية)

من الشريف الرضي إلى بدوي الجبل... أشعار صوَّرت الحج وطقوسه

إضاءة على أبيات شعرية في مدونة الشعر العربي الحديث تتناول الحج وطقوسه

أم كلثوم في لبنان (أرشيف أشرف غريب)

أم كلثوم... سيدة الغناء: كيف خلدها جبران ومطران في أشعارهم؟

لمناسبة ندوة "نصف قرن على وفاة أم كلثوم"، ضمن فاعليات معرض بيروت الدولي للكتاب 2025، نتذكر هنا أجمل ما قاله الشاعران جبران خليل جبران وخليل مطران من أبيات في مدحها

الشاعر ديان ستويانوفيتش

ديان ستويانوفيتش: العالم وصيتي للموت ووصيتي للولادة مرة أخرى

غنِّ لي بكامل صوتك/ وانمُ بي/ ثم اهبط حتى تصل القاع/ محاولًا إيجادي/ أيقظني بأغنيتك

المهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب (وزارة الثقافة المغربية)
فنون

اختتام الدورة الـ 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

حضور ملفت للجمهور المغربي في ختام الدورة 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

دونالد ترامب
سياق متصل

صناعة السجون: لماذا تحرص الشركات الخاصة على إبقاء الزنازين ممتلئة؟

تتّجه الولايات المتحدة إلى زيادة عدد السجون وذلك تحت ضغط الأعداد المتزايدة للنزلاء، حيث ارتفعت أعداد المعتقلين بشكل قياسي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض واستئناف سياسة مكافحة الهجرة

سد النهضة
سياق متصل

الانتهاء رسميًا من بناء "سد النهضة".. أي خيارات متاحة أمام القاهرة؟

في 29 حزيران/يونيو، أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي فشل مفاوضات "سد النهضة"، مؤكدًا تمسّك القاهرة بحصتها من مياه النيل واحتفاظها بحق الدفاع عن مصالحها المائية

الذكاء الاصطناعي
تكنولوجيا

من الغش إلى الفهم.. ميزة جديدة من ChatGPT قد تغيّر طريقة التعلم

ميزة "الدراسة معًا" لا تعتمد على تقديم الإجابات الجاهزة كما هو معتاد في ChatGPT، بل تقوم بطرح الأسئلة على المستخدم وتشجعه على التفكير والإجابة بنفسه