27-يونيو-2021

لوحة لـ ميلوسلاف خلوباك/ التشيك

تنحدرُ أخطاؤنا من خطأ تافهٍ وعادي، أثار الدهشة في قلب مقترفهِ الأول، فوهبَ لنفسه سلطة الحضور والانصراف طبقًا لقانون التغير المستمر، وطبعًا ليس نفسُ الخطأ الأول يحضرُ في هذه اللحظة، بل متشكلًا عبر مسار مطاردة حميمة تفترضه الذات بين طموح وآخر، حتى هيولاه، ليست هي الأولى، عندما يولد الخطأ في هذه اللحظة، فإنه يولد بتمامه وكماله، وعندما يموت كذلك.

*

 

لم أدرك أبدًا جدوى تشريحِ أفعالنا بمبضع الندم أو التفكر الغارق داخل الذات، أستلهم من الخطأ قدرة الخطأ على الولادة، قدرته على الموت، قدرته على المواكبة، وأُقدِّر فيه جرأته على تنصله من أصله، في حين أن الصوابَ لا يلهم سوى الكسالى، الخطأ باعثٌ على الحركة، والصواب باعثٌ على السكون، والسكون يعني موت. 

*

 

ندرة الأخطاء في هذا العالم باعثٌ آخر على تمسكي بها، وهجراني للصواب من باب أنني خاطئ هو هجران صائب من باب أنني خاطئ أيضًا، كون الخطأ يعتنق مذهب الحياة المتنوع، ولا يقف على الحياد إذا ما تلبس العالمَ صوابٌ مريب. 

*

 

كلما يتقدم الإنسان خطوة في عمره، بل كلما يتقدم العالم خطوة في التقدم والازدهار، يزداد صعوبة، وتعقيدًا، فتنفجر الحياة في وجهه متجلية في كل يوم بخطأ جديد، في عصرنا هذا، رأسُ الإنسان مليء بأخطاء متقدمة وحديثة، تشي بأن أيادٍي، ربما هي أيادي العالم، أيادي التكنولوجيا، أيادي الازدهار، تجنح به نحو الصواب، تتلاعب بتفاصيله كلها، الإنسان في هذا العصر، كائن مريض تمامًا، دون أن يشعر بمرضه، حياته تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، وهو يكافح من أجل خلاصه دونما أية فائدة، في حين أن خلاصه يكمن في قلبه، إذا ما تُرِكَ القلبُ على هواه. 

*

 

وعودًا على ذي بدء، أخطاؤنا التي تنحدر من الخطأ التافه ذاك، والتي لا تشبهه في صيرورتها صيرورة الإنسان نفسه، هي حيلٌ لا يتنبه لها سوى العباقرة المشتعلين بالحياة، وهؤلاء يحيون بالمقلوب، أي أنهم يخترقون الزمن ببصائر واثقة، أي أنهم رأوا ثقل الخطأ في الموازين قبل ارتكابه، فغامروا من دون أية رهبة أو تردد، على كل حال، أخطاؤنا تنحدر من خطأ لا يقل تفاهة عن وجودنا الذي نحياه، وهو خطأ لا مناص من إعادة النظر فيه، في سبيل المواصلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يُقتل الإنسان في أكثر الأماكن أمنًا

على أية حال يا غبار الطلع!