17-فبراير-2017

أحمد مسّاد

يبدو أنّ حبل الكذب قصير جدًّا، خاصّة في عصر "تويتر" و"يوتيوب". الفضيحة تكون بجلاجل وتغريدات وفيديوهات، والغلطة تكون بترند وهاشتاغ "يجرّس" على من يرون في التقليد والسرقة الإبداعيّة الطريقة الأسهل للشهرة والوصول إلى عدد أكبر من المتابعين، والسبيل الأقصر للتغطية الإعلاميّة و"التأثير". لم تكن الكوميديا الأردنيّة بحاجة إلى دليل جديد لإثبات أنّها في واقع الأمر لم تقم على قدميها أصلًا، وأنّها لا تزال تتخبّط بين التقليد والسرقة وأسطورة المحتوى الساخر "الهادف" الذي يعتقد أنّ السماجة بحدّ ذاتها والاعتماد على الألفاظ النابية والحركات العجيبة يمكن أن تخلق كوميديا حقيقيّة ذات قيمة وكيان أصيل. الأمثلة كثيرة، ويبدو أنّ الأردنيين صارت لديهم خبرة ليست قليلة في كشف هذه النماذج التي يرى البعض على وسائل التواصل الاجتماعي أنّها تسيء لصورة المجتمع الأردني باستمرار محليًّا وعربيًّا.

لم تكن الكوميديا الأردنيّة بحاجة إلى دليل جديد لإثبات أنّها في واقع الأمر لم تقم على قدميها أصلًا ولا تزال تتخبّط بين التقليد والسرقة 

قصة فضائح "الكوميديين" الأردنيين الأخيرة التي سيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلّق بأحمد مسّاد، واحد من بين كثيرين ظهروا في الآونة الأخيرة على "يوتيوب" وشبكات التواصل ويصفون أنفسهم بأنهم ممثلون كوميديّون وساخرون. بنى أحمد جمهورًا من المتابعين، بالاعتماد على جرأته في تناول بعض الموضوعات وأسلوبه على الشاشة، إذ يعتمد على تقريب الوجه من الكاميرا لتكثيف الصورة والانفعالات الوجهية المبالغ بها. ويتناول أحمد مسّاد في الفيديوهات التي تلقى انتشارًا واسعًا أردنيًا بعض القضايا المجتمعيّة كالتعليم والعلاقات بين الجنسين والأسرة والفقر وغير ذلك من مواضيع مجتمعية ويوميّة حساسة. كما يتابع أحمد بعض ما ينشر عربيًّا من فيديوهات ومقالات وينقدها ويسخر منها في مقاطع الفيديو التي ينشرها.

اقرأ/ي أيضًا: صراع "أمل" - "الجديد".. تناقضات عصابة الممانعة

كانت السقطة الكبيرة الأولى لأحمد مسّاد حين سخر من مدوّنة سعودية تتكلّم عن التمييز بين النّاس في السعودية في الأنساب وكيف يؤثّر هذا على الشباب الراغبين في الزواج بين العائلات. الفيديو الذي عرضته الفتاة السعودية واضح أنّه كان ينتقد هذه الظاهرة ويحاول السخرية منها عن طريق التفريق بين نسب "ابن العائلة المعروفة" ونسب غيره من الأشخاص. ولأنّ مساد لم يعرف أنّ هذه المدوّنة تعرض المعلومات على سبيل السخرية لا على سبيل الاقتناع بها، فقد تسرّع وقام بنشر فيديو يسخر من هذه المدوّنة السعوديّة، التي تسخر هي الأخرى بأسلوبها من ظاهرة اجتماعيّة. فاختلطت الأمور ببعضها، واتّهم المغرّدون المتابعون لأحمد بأنّه لا يعرف الفرق بين السخرية والجدّ، وأنّه أخطأ حين استغلّ تدوينة الفتاة السعوديّة وحرفها عن هدفها ليسخر منها.

أمّا السقطة الأخيرة والأقسى لمسّاد، فلم تكن بعيدة أو غير متوقّعة. فأحمد مساد، محتواه وأسلوبه معًا، ليسا أصليين ويخلوان من الإبداع والموهبة الشخصيّة الفريدة. هذا ليس اتّهامًا أطلقه مغرّدو تويتر وحسب، بل لقد كشف بعض المغرّدين المصريين أنّ أحمد مسّاد يسرق المحتوى مباشرةً، بأسلوبه ومواضيعه وتوقيته، من مدوّن مصريّ يدعى هاني مصطفى ينشر مقاطع فيديو ساخرة على اليوتيوب، فنشر هاني مقطع فيديو يوضّح فيه الأمر وينتقد فيه أحمد مسّاد لسرقة أفكاره وأسلوبه بشكل حرفيّ وواضح بشكل ينتهك حقوق ملكيّته الطبيعية للأفكار والأسلوب الذي يدّعي هذا الأخير أنّه ابتكره وطوّره منذ خمسة أعوام.

أما مساد، فلم يكذب خبرًا. بعد فترة من الصمت، قرّر أن ينشر فيديو يعترف فيه بأنّه قلّد فعلًا، بالمحتوى والأسلوب، المدوّن المصري هاني مصطفى، معبّرًا في هذا الفيديو عن اعتذاره واعترافه بفضل هذا الأخير عليه في النجاح الذي حقّقه. وفي حين يرى متابعون أنّ الاعتذار قد جاء متأخرًا وأنّه لم يكن ليحصل لولا أنّ مساد كشفَ وافتضحت سرقته لأعمال الآخرين، يرى آخرون أنّ الكوميديا الأردنيّة لا تحتاج أيّ مسمار آخر ليدقّ في نعشها، لأنّها تحتاج معجزة لبعثها وبثّ الروح فيها من جديد.

اقرأ/ي أيضًا:

الجامعة في مواجهة الطالب في الأردن: ماذا يحصل؟

العنف الطلابي..ظاهرة مخيفة في الأردن