03-أغسطس-2016

(Getty) أحمد زويل

تعرَّفَ جيلي على أحمد زويل من خلال المناهج الدراسية والدعاية الرسمية. فهو أول مصري يحصد نوبل في الكيمياء (1999)، وثالث مصري يحمل الجائزة، بعد أنور السادات (1978)، ونجيب محفوظ (1988)، ونالها من بعده محمد البرادعي (2005). وهو ليس السادات، الذي حصل على الجائزة في سياق سياسي استسلمت فيه مصر للعدو، ولا هو محفوظ، الذي لا تكن له الطبقة الوسطى – التي طالها المد الديني الوهابي بقوة – كبير تعاطف أو وئام. إنه البطل الشعبي للطبقة الوسطى المصرية: الشاب، المولود في الفلاحين، الذي يتحدى الظروف، ويجتهد في تحصيل العلم، ويسافر، ويُحَارب من قِبل الرجل الأبيض، ويكد ويتعب، ثم ينتصر.

أعاد زويل اختراع نفسه بوصفه شخصية عامة، وينبغي أن يُقرأ بما هو كذلك

مثَّل أحمد زويل المثال لكل الطلاب العلميين في مرحلة التعليم الثانوي، ولكل طلاب كلية العلوم، بل لكل طلاب مصر. إنه المثال الناصري الذي لمَّا يزل يداعب أحلام المصريين والعرب من أبناء الطبقة الوسطى: يمكن للتعليم أن يرفع من وضعنا الاجتماعي. بالإضافة إلى مكونات أخرى ما بعد ناصرية: أن نكون عالميين ومكرَّمين في العواصم الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: الحياة العاطفية للفلاسفة

رفض زويل أن يُقدِّم نفسه على أنه عالم كيمياء فحسب، وصار يبدي رأيه في كل مشكلٍ اجتماعي وسياسي وثقافي، وأعاد اختراع نفسه بوصفه شخصية عامة. وينبغي أن يُقرأ بما هو كذلك.

قبيل ثورة "25 يناير"، تحدَّثت الصحف عن منافسين محتملين للرئيس المصري، محمد حسني مبارك، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وجاءت سيرة أحمد زويل، بجانب عمرو موسى ومحمد البرادعي. كان الأخير واضحًا في مسألة أنه من اللازم وجود بديل عن مبارك، بينما كان موسى يقدِّم خطوة ويؤخر أخرى، في الوقت الذي يتحدث فيه زويل عن وجوب التغيير، وكان يعني بذلك تغيير منظومة التعليم حتى تناسب مقتضيات العصر، وتغيير العقول والمفاهيم والتصورات.

سوف ينضم زويل، في خضم الثورة، إلى ما عرف بـ "لجنة الحكماء" (وقد ظهرت أكثر من مجموعة بهذا المسمَّى في ذلك الوقت)، وأوكلت هذه اللجنة إلى نفسها مهمَّة الوساطة (عدم تنحي مبارك وإنما إعلانه عدم التجديد لفترة رئاسية أخرى) بين "شباب التحرير" ونائب رئيس الجمهورية، عمر سليمان، كما ضمَّت عمرو موسى ويحيى الجمل وأحمد كمال أبو المجد وغيرهم. فيما بعد تنحي مبارك، سيروِّج زويل، شأنه شأن أقرانه، و"الإخوان المسلمين"، والأحزاب، للثقة في حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهو سيظل على هذه الثقة، بل المزيد منها، عند إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي، في عام 2013. كما سيؤيد المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية. في لقاء تلفزيوني، في عام 2014، يقول زويل: "لقائي مع الرئيس السيسي، عقب عودتي لمصر، كان مطوَّلًا وأسعدني جداً، ورأيت فيه إنسانية فى التعامل، كما أن العلم فى مقدِّمة اهتماماته". من الجدير بالذكر، أن الحكومة المعيَّنة من قِبل السيسي، ستقوم، فيما بعد، بتخفيض ميزانية التعليم والبحث العلمي والصحة.

سيحصد أحمد حسن زويل جائزة وولف في الكيمياء من إسرائيل، وسيكون واحدًا من نجوم التطبيع في مصر

مع ذلك، يمكننا القول إن الميلاد السياسي لزويل يسبق تلك الفترة بكثير. في تسعينيات القرن الماضي، بينما يستقبل نجيب محفوظ الإسرائيليين في صالونه الثقافي، ويصير علي الشلقاني قطبًا من أقطاب القانون والتطبيع مع إسرائيل، وتحديدًا في نفس العام الذي سيعلن فيه المسرحي علي سالم أنه يفكر في زيارة الدولة العبرية (1993)، سيحصد أحمد حسن زويل جائزة وولف في الكيمياء من إسرائيل. وسيكون واحدًا من نجوم التطبيع في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: محمد صبحي.. بابا العسكري

حين نجادل بشأن ما قدَّمه أحمد زويل للعرب، يُقال لنا إنه قدَّم ما قدَّمه للإنسانية. وهو ما يذكِّر بنكتة استشراقية تُروى عن فيكتور هوغو. في عيد ميلاده الخمسين، الذي أقيم في قصر الإليزيه، حضر ممثلون عن أمم كثيرة حفل الأديب الكبير. وكلما أعلن الحاجب عن الممثل الذي يرغب في تقديم التهاني، رد هوغو، بكل جلال، معظمًا المُهنئ برمزٍ من وطنه. فلما قال الحاجب: "السيّد ممثل إنكلترا!"، ردَّ هوغو: "إنكلترا، آه شكسبير!" ثم تابع: "السيّد ممثل إسبانيا!" فجاء الرد: "إسبانيا، آه ثربانتس!" ثم تابع: "السيّد ممثل ألمانيا!" فجاء الرد: "ألمانيا، آه غوته!". لكن حين قال الحاجب: "السيّد ممثل ما بين النهرين"، تلجلج هوغو وبدا كأنه قد فقد كل ذاكرته وحماسته وإهابه وبلاغته، إلا أنه سرعان ما بادر قائلًا: "ما بين النهرين، آه الإنسانية!". الذين يجادلون بعالَمية أو عالِمية زويل، ينتظرون منا أن نهتف بكل رقاعة: "زويل، آه الإنسانية!". هذه "الإنسانية" ليست أكثر من شعار ديماغوجي يرفع في وجه من يتحدَّث عن ما قدَّمه الرجل، بما هو شخصية عامَّة، من صداقة للطغاة وإسرائيل والغرب.

اقرأ/ي أيضًا:

ياسر المناوهلي.. الإفلات من مصير الهُواة

نهاية الشيطان الأكبر