أحمد زكريا: الشعر هو طريقتي الوحيدة في التعبير
10 يونيو 2025
في عالم الشعر والترجمة، يُعد أحمد زكريا أحد الأسماء البارزة التي تسعى لتجسيد تجربته الغنية بين ثقافتين مختلفتين (العربية والتركية). في حواره حول ديوانه الأحدث "ما لم أستطع قوله لأحدهم بلغة أخرى"، الصادر عن دار النهضة العربية (2023). يتناول "زكريا" قضايا الهوية، الغربة والتفاعل بين الثقافات. فهو شاعر ومترجم، يستفيد من تجاربه في تركيا بعد مغادرته مصر، ليقدم رؤى جديدة حول الشعر كوسيلة للتعبير عن الحنين والصراعات الشخصية.
وترجمات زكريا تصدر بالاشتراك مع المترجمة التركيّة ملاك دينيز أوزدمير أمثال: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لأورهان كمال (المتوسّط، 2020)؛ "غجر إسطنبول" لعثمان جمال قايجلي (مرايا، 2021)؛ "أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة" لناهد سري أوريك (الأهلية، 2021)؛ "جثّة تضع حذاء كرة القدم" (الدار العربية للعلوم - ناشرون، 2021)؛ "فندق القسطنطينية" لـ زولفو ليفانلي (الأهلية، 2022).
من خلال هذا الحوار مع الترا صوت، نتعرف على أفكاره ومشاعره تجاه الوطن واللغة وأثر السفر والتجربة الثقافية على إبداعه الشعري.

*في البداية، لماذا اخترتَ عنواناً طويلاً نسبيًّا هو: "ما لم أستطع قولَه لأحدهم بلغة أخرى"؟
- بالتأكيد لم أتعمد اختيار عنوانًا طويلًا، لكنني كنتُ أختار بين عنوانين مقترحين: الأول "ما لم أستطع قولَه لأحدهم"، والثاني "في لغةٍ أخرى"، واستشرت الصديقة الشاعرة جيهان عمر فاقترحت عليَّ أن أدمج العنوانين ليصبح "ما لم أستطع قولَه لأحدهم بلغةٍ أخرى"، وأعجبني ولم أتردد في استخدامه.
شعرتُ أنني أريد أن أعبر عن الحالة التي أعيشها بين بلدين
*هل تُعد الغربة حالة دائمة بالنسبة لك؟ وكيف أثرت هذه الحالة على رؤيتك للشعر والكتابة بشكل عام؟
- لا أعرف إن كانت حالة دائمة أم لا، لكنها أثرت بالتأكيد على نصوص هذا الديوان، وخصوصًا أنها جاءت بعد توقفٍ عن النشر لسنوات من بعد خروجي من مصر. شعرتُ أنني أريد أن أعبر عن الحالة التي أعيشها بين بلدين؛ مصر التي عشتُ فيها لسنواتٍ طويلةٍ، وتركيا التي أصبحت فيها كلَّ حياتي الآن.
*نقرأ في الديوان أنك أهديت بعض قصائدك لشعراء. من هم الشعراء والكتاب الذين تأثرت بهم؟
- الإهداءات لم تكن لشعراءٍ فقط، كانت أيضًا لمطربين أتراك وأكراد تأثرتُ كثيرًا بأغانيهم أمثال: زكي موران وأحمد كايا. أما الشعراء، فهما التركي ناظم حكمت والعراقي سعدي يوسف، وقد تأثرتُ بهما بالتأكيد، وبغيرهما من العديد من الشعراء العرب وغير العرب.
*تشعر بأنك تعيش حالة من الانفصام عن وطنك الأم، رغم قرب تركيا جغرافيًّا وثقافيًّا. ما الذي يجعلك تشعر بهذه الغربة العميقة؟
- المسألة ليست بالمسافة، في رأيي. وحتى إن كانت الثقافة التركية قريبة من العربية، فقد وصلتُ إلى تركيا ولم أكن أعرف كلمة تركية واحدة. وكانت مسألة تعلُّم اللغة صعبة للغاية في البداية. لم أدرك من قبل مدى أهمية اللغة. كنتُ يتيمًا بلا لغة.
*كيف تحاول لملمة وطنك الأم في مهجرك الجديد؟ وما هي الأدوات التي تستخدمها لتحقيق ذلك؟
- قد تبدو إجابتي غريبة، لكنني أحاول أن أفعل ذلك بالاندماج أكثر في المجتمع التركي. أريد أن أكون جزءًا مؤثرًا من الثقافة التركية ولكن كمصري. أحاول أن أفعل ذلك بالترجمات الأدبية التي أنجزها بين العربية والتركية مع رفيقة حياتي المترجمة التركية المُستعربة ملاك دينيز أوزدمير.
*هل تعتقد أن طبيعة العلاقة التاريخية والثقافية بين البلدين تقلل من حدة الشعور بالغربة؟ أم أنها على العكس تزيدها تعقيدًا؟
- كان من المفترض أن تقلل العلاقة التاريخية والثقافية بين البلدين من حدة الشعور بالغربة، ولكن للأسف، تسببت القوميتان التركية والعربية خلال العقود الأخيرة، في خلق فجوة كبيرة بين الشعبين. يؤسفني أن أقول: إن الأتراك لا يعرفون عن العرب سوى أنهم بلاد الإسلام، ويربطون الثقافة العربية بالإسلام بشكل كبير. ولا يختلف الوضع بالنسبة لمعرفة العرب بالمجتمع التركي وثقافته.
*هل تعتقد أن الشعر هو وسيلتك الوحيدة للتعبير عن هذا الحنين والبحث عن الهوية؟ أم أن هناك وسائل أخرى تستخدمها؟
- الشعر هو طريقتي الوحيدة في التعبير، ولكن لديَّ أيضًا محاولة نثرية ستصدر قريبًا عن مدينة أنطاكية التاريخية. وقد أقمتُ فيها لما يقرب من عامين، وأثرت فيَّ بشكل كبير، وكتبتُ عنها قصيدة في ديواني الأخير، لكنني شعرتُ أن تجربتي هناك تستحق الأكثر، ولذلك خصصتُ لها كتابًا سأنتهي منه قريبًا.
*كيف يؤثر السفر على كتاباتك؟ وهل تعتبر أن السفر هو مصدر إلهام دائم لك؟ ماذا عن عادتك في الكتابة؟ متى تجد الإلهام؟
- هذه أمور نسبية بالتأكيد، ولكن السفر يلهمني بشكل كبير. ليس لديَّ عادات محددة في الكتابة، لكنني غالبًا ما أكتب أثناء التسكُّع في شوارع إسطنبول. لدي شغف كبير بأحياء إسطنبول القديمة. كثيرًا ما أقرأ عنها وأتمشَّى فيها، وغالبًا ما أبدأ بكتابة السطور الأولى للقصيدة وأنا أتمشى ثم أتمها ليلًا في البيت.
أقرأ الآن كثيرًا من الأدب التركي بشكل عام والشعر بشكل خاص
*كيف أثرت تجربة الغربة في تركيا على رؤيتك للشعر والكتابة بشكل عام؟ وهل غيرت من أسلوبك الشعري السابق؟
- تعلُّم أي لغة جديدة والقراءة بها يؤثر بالتأكيد على تجربة أي شاعر. وهذا ما حدث معي. أنا أقرأ الآن كثيرًا من الأدب التركي بشكل عام والشعر بشكل خاص. كما أقرأ كثيرًا من الأدب العالمي بالتركية أيضًا، لأن حركة الترجمة إلى التركية أقوى بكثير من الترجمة إلى العربية. وقد أثر كل ذلك على تجربتي وأسلوبي بالتأكيد.
*كيف تتفاعل قصائدك مع التراث الشعري العربي والتركي؟ وهل تعتبر أنك تبني على هذا التراث أم تحاول خلق لغة شعرية جديدة؟
- يسعى كل الشعراء إلى خلق لغةٍ شعريةٍ جديدة بالتأكيد، ولكن في رأيي لن يحدث ذلك إلا بعد "هضم" الشاعر لتراث لغته الأم جيدًّا. وهذا ما أحاول فعله، وأتمنى أن أوفق في ذلك.
*كيف تنظر إلى تجربة الترجمة من العربية إلى التركية؟ وهل تعتقد أنها أثرت على كتابتك الشعرية؟
- الترجمة هي من أعادتني إلى الشعر من جديد. إلا أنني لا أعرف ما مدى تأثيرها على نصوصي، ربما يلاحظ القراء ذلك أكثر مني. ولكن بالتأكيد هناك تأثير بشكل أو بآخر للشعراء الذين أقرأ لهم كثيرًا وأعيش مع نصوصهم وأترجمها إلى العربية.
*ما هي طموحاتك المستقبلية كشاعر؟ وهل هناك مشاريع أدبية جديدة تعمل عليها؟
- طموحي كشاعر ألا أتوقف عن كتابة الشعر أبدًا، وأن يكون كل ديوان مختلفًا عن الآخر. أما مشاريعي الأدبية القادمة فأنا أعمل حاليًّا على ديوان جديد، ربما يصدر في نهاية العام القادم، بالإضافة إلى كتابٍ أنطاكية الذي سيصدر قريبًا.

*ماذا أضافت لك جائزة ابن بطوطة؟ وهل أصبحت الجوائز ضرورية للكاتب وتوسع من انتشار الكتاب؟
- حصلتُ على جائزة ابن بطوطة مناصفة مع ملاك دينيز أوزدمير فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم – الرحلة الصحافية" (2021-2020) عن كتاب "الدنيا قِدرٌ كبير وأنا مِغرفة.. رحلة مصر والعراق" للكاتب التركي عزيز نيسين. وفي رأيي، الجوائز، على قلّتها، دافع معنوي كبير إلى جانب قيمتها المادية التي تجعل المترجم غير مضطر إلى ترجمة أعمال ليس راضيًّا عنها، من أجل تسديد الفواتير فحسب؛ كما تعكس الجوائز تقدير المؤسّسة الثقافية لعمل المترجم، الذي غالبًا ما لا ينتبه إليه أحد. بالإضافة إلى أن الجوائز تسلط الضوء بالفعل على الكتاب الفائز.