قدم الرئيس السوري، أحمد الشرع، الذي تم تعيينه من قبل إدارة العمليات العسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد بعد سقوط نظام آل الأسد، تلخيصًا للقضايا الرئيسية التي سيتم العمل عليها خلال المرحلة المُقبلة في حوار مطوّل مع مجلة "الإيكونوميست".
لم تخرج إجابات الشرع الذي ظهر في أول مقابلة مع وسيلة إعلام أجنبية منذ توليه منصبه الجديد عن حواراته السابقة، بقدر ما أعاد التأكيد على مجموعة من النقاط التي أُثيرت خلال هذه المقابلة.
عاملان يزيدان من معاناة السوريين
مثل جميع الحوارات السابقة، افتتح الشرع إجابته عن الأسئلة بالإشارة إلى الفترة التي حكم فيها النظام السابق لمدة تصل لنحو 54 عامًا، والتي شهدت خلالها تراجع الدولة السورية على مختلف الأصعدة، بما في ذلك الإقليمي والسياسي والاقتصادي مع محيطها المجاور، فقد كان أكثر ما يشغل النظام السوري خلال هذه السنوات "استخدام الأساليب الأمنية للحفاظ على السلطة". لا يخفِ الشرع في المقابلة دور النظام السابق في تعزيز الانقسام الاجتماعي عبر اعتماده على "فئة معينة من الشعب ضد الفئات الأخرى، مما شكل تهديدًا بحدوث حرب أهلية شاملة في سوريا".
يؤكد الشرع الذي ورث تركة من الفساد والدمار والانهيار الاقتصادي والوضع الأمني غير المستقر أن المرحلة الانتقالية التي ستمتد لنحو خمس سنوات ستتمحور "حول إعادة بناء الدولة على أسس جديدة وحديثة وسوف تعمل على تعزيز العدالة والإرشاد، ومشاركة كافة شرائح المجتمع في إدارة البلاد"، والتي يأتي في مقدمتها "توحيد الشعب السوري داخل البلاد"، بوصفه "رأس المال الأهم" في سوريا، مستندًا في حديثه إلى معركة دمشق التي أفضت إلى دخول مقاتلي إدارة العمليات العسكرية إلى العاصمة، والتي كان لها دور كبير في الحفاظ على "السلم الأهلي"، إذ إنه على الرغم من وجود "بعض الانتهاكات"، إلا أنها تبقى "محدودة"، بحسب ما أخبر الشرع "الإيكونوميست".
يؤكد الشرع الذي ورث تركة من الفساد والدمار والانهيار الاقتصادي والوضع الأمني غير المستقر أن المرحلة الانتقالية التي ستمتد لنحو خمس سنوات ستتمحور "حول إعادة بناء الدولة على أسس جديدة وحديثة"
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه إدارة الشرع، يبرز أيضًا التحدي الأمني ممثلًا باحتكار الدولة للسلاح، وهو يرى في هذا الجانب أنهم قطعوا "شوطًا كبيرًا" لضبط السلاح المتفلت، باستثناء مناطق شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مؤكدًا أن المفاوضات "تجري معهم لحل مسألة السلاح".
يشير الشرع أيضًا في المقابلة إلى أن أكثر عاملين يزيدان من معاناة السوريين يتمثلان بالعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا خلال فترة حكم النظام السابق، والتوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية، وما سينجم عنه من "متاعب في المستقبل".
النظام فشل في اغتنام الفرص الإقليمية والدولية
في قراءته لمحاولات إعادة النظام السابق إلى حظيرة جامعة الدول العربية خلال العامين الماضيين، يرى الشرع أن نظام الأسد "كان دائمًا سلبيًا في اغتنام الفرص التي أتيحت له إقليميًا ودوليًا"، وهو ما فرض حتمية العمل العسكري الذي أفضى في النهاية إلى انهياره، وهروب بشار الأسد إلى موسكو. هذه التطورات فرضت على إدارة العمليات العسكرية العمل على تجنب فراغ السلطة خلال الشهرين الماضيين. وفي المقابلة يشرح الشرع أن توليهم للسلطة جاء بعد المشاورات مع الخبراء القانونيين الذين أكدوا أن "الأعراف الدولية تقول إن القوة التي حققت النصر للثورة هي التي يحق لها اختيار الرئيس".
يحدد الشرع في المقابلة الشروط التي يجب توفرها لتنظيم انتخابات مستقلة في سوريا، والي يلخصها بـ"الحاجة إلى إحصاء سكاني، وعودة المقيمين في الخارج، وفتح السفارات، واستعادة الاتصال القانوني مع الناس"، كما أنه يوجد أولئك الذين اضطروا للنزوح داخليًا أو إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، وهم في الأساس غير مسجلين في سجلات الأمم المتحدة. وفي هذا الشأن، يؤكد الشرع أنه يجري العمل على "تطوير قانون الانتخابات والدستور والقوانين التي ستنظم البلاد"، وذلك بالتشاور مع مع الخبراء والأمم المتحدة، لافتًا أيضًا إلى وجود "لجنة دستورية ستعمل على صياغة الدستور، وهي تضم خبراء موثوقين يتمتعون بكفاءة عالية".
يتم العمل مع الخبراء على إعداد إعلان دستوري
في معرض إجابته عن سؤال الديمقراطية، أظهر الشرع نوعًا من "البراغماتية" التي وصف بها خلال حواراته ولقاءاته السابقة، معتبرًا أنه "إذا كانت الديمقراطية تعني أن الشعب يقرر من سيحكمه ومن يمثله في البرلمان، فإن سوريا نعم تسير في هذا الاتجاه".
كذلك تحدث الشرع عن التوجه لإعلان دستوري سيكون "عبارة عن مجموعة من المبادئ التي تحدد هوية الدولة وشكلها ومستقبلها وبعض الأمور المهمة في هذا الصدد"، كما أنه يرفض إلغاء جميع القوانين السابقة نظرًا لوجود "الكثير من القضايا المفتوحة"، مؤكدًا أن "أي قانون سيصدر سيعرض على مجلس نيابي مؤقت سيصوت على إقراره أو عدم إقراره".
من بين الأسئلة الإشكالية التي طرحها فريق "الأيكونوميست"، كان السؤال المرتبط بأن يقوم الحكم في سوريا على أسس الشريعة الإسلامية، وهو ما أجاب عنه الشرع بالقول: "هذا الأمر متروك للخبراء ليقرروه. فإذا وافقوا عليه، فإن دوري هو تنفيذه؛ وإذا لم يوافقوا عليه، فإن دوري هو تنفيذ قرارهم أيضًا". أما فيما يخص دور المرأة في مستقبل سوريا، فإن الشرع أشار إلى "الفهم الخاطئ" للإسلام، مشيرًا إلى أن "أغلبية الموارد البشرية في الجامعات الآن من النساء، وسوق العمل هي سوق عمل واسعة للنساء"، موضحًا أنه "إذا أرادت المرأة أن تعمل فإن سوق العمل مفتوح لها".
🔴بعد #السعودية.. الرئيس السوري #أحمد_الشرع سيجري زيارة إلى #تركيا.
📌قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، اليوم الإثنين، إن الرئيس السوري، أحمد الشرع، سيزور تركيا غدًا الثلاثاء تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.📌أوضح ألطون في منشور على منصة… pic.twitter.com/9gfLJDKbs2
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 3, 2025
كان من بين الانتقادات التي وجهت لإدارة العمليات العسكرية خلال الفترة الماضية اعتمادها على حكومة الإنقاذ التي تشكل لونًا واحدًا، وهو ما يفسره الشرع بالقول إنه كان لـ"منع انهيار مؤسسات الدولة"، مضيفًا أن مهمة الحكومة الحالية المحددة بثلاثة أشهر تقتصر على "جمع البيانات"، قبل أن يضيف مؤكدًا أنه "ستكون هناك حكومة أوسع وأكثر تنوعًا، بمشاركة من جميع شرائح المجتمع، لكن عملية الاختيار ستكون على أساس الكفاءة وليس العرق أو الدين".
دون الاستثمارات لن يكون تنمية اقتصادية
كما قلل الشرع في المقابلة من أهمية التقارير التي ترجح عودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى الواجهة التي حصرها بتواجد "بعض الخلايا" فقط. وفي المقابل يركز على أهمية "الاستقرار الأمني" الذي يربطه بعودة اللاجئين السوريين، وهي "مرتبطة بإيجاد بيئة صحية للاستثمار في البلاد"، نظرًا لأنه دون "الاستثمارات في سوريا لن يكون هناك تنمية اقتصادية، وبدون تنمية اقتصادية سيعود الناس قريبًا إلى حالة الفوضى"، ومع ذلك، يبقى الخطر الأكبر ممثلًا بالعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، معيدًا التذكير بأن "الأسباب التي أدت إلى فرض هذه العقوبات قد زالت، وأي حظر يستهدف سوريا يمثل عقابًا للشعب السوري الذي عانى ما يكفيه على يد النظام السابق".
من ضمن الخطط التي تعمل عليها إدارة الشرع لإعادة بناء الاقتصاد السوري، تبرز فرصة الاستثمار في سوريا، والتي يرى أنه يجب أن تكون عبر صناديق الدول السيادية، كما الحال مع السعودية وقطر، لافتًا إلى أنه يجري النقاش معهما حول "إقامة مشاريع استثمارية كبيرة لبناء البنية التحتية وخلق فرص العمل، وفي الوقت نفسه تعود عليهما بالفائدة من خلال العائد الاستثماري للمشاريع التي تنفذانها". كما أن الشرع أكد على أن سوريا تسعى لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، معتقدًا أن "الرئيس (دونالد) ترامب يسعى إلى السلام في المنطقة، ومن أولوياته رفع العقوبات"، وذلك من منطلق أن "الولايات المتحدة ليس لديها أي مصلحة في استمرار معاناة الشعب السوري".
وختم الشرع مقابلته مع "الإيكونوميست" بالتأكيد على ضرورة أن يكون أي تواجد عسكري في سوريا بـ"موجب اتفاق" مع السلطات الحالية، واصفًا التواجد الأميركي بأنه "غير قانوني". أما فيما القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري، فقد أشار إلى إعادة "تقييمها". وفي الوقت نفسه أشار الشرع إلى التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا، مؤكدًا استعداد السلطات السورية استقبال قوة الأمم المتحدة التي كانت في المنطقة العازلة، لكن أولًا ينبغي على القوات الإسرائيلية الانسحاب من الأراضي التي تقدمت إليها.