01-سبتمبر-2015

ساهمت التعبئة الطائفية في العراق بدفع الشباب إلى صفوف المليشيات (Getty)

ثلاثة انتقالات مرّت في حياة أحمد (اسم مستعار) كان حملُ السلاح همّه الوحيد فيها، فهو يشعر بالزهو حين يقبض على الرشاش بكفيّه. يخاف أحمد على أهلهِ في بغداد من نقمة ضدّهم إذا عرف العراقيون أين يقاتل اليوم. تنقل من"جيش المهدي"، الفصيل الذي كان طرفًا في الاقتتال الطائفي في العراق، إلى فصيل "بدر" غير البعيد عن الاقتتال الطائفي والفرز المذهبي، واستقر به الحال اليوم جنديًا في قوّات المارينز الأمريكية، ذاتها قوات احتلال العراق التي تحافظ على "الوطن" ومهمتها تأمين أمنه وسلامة مواطنيه، وفقاً لقوله. وهو قول يرفضه العراقيون اللذين يرفضون احتلال بلادهم طبعًا.

كان يحلم بزيارة بلاده، أصبح يزورها مع المحتل بشكل يومي

قبل ستة أعوام من الآن، كان أحمد ينفق يومين من الجلوس بزيّ عسكري ونظّارة شميّة أمام مقر تابع لـ"الجيش المهدي" وهو يحمل رشاش كلاشنكوف كُتب عليها "يا ثأر الله"، من أجل حماية المقرّ. أما الآن فيُحلّق بطائرة أمريكية فوق سماء بلاده. التحول الغريب من طفل يكره الطيار الأمريكي الذي قصف بغداد في حرب 2003، وحاصرها طويلًا قبل ذلك، إلى جندي في طائرة ذات الجيش، لم يُدهشه، فهو يؤكد أن الحرب الآن ضد الإرهاب وليس ضد العراقيين.

تكوين عائلة أحمد الدينية شجّعه على الانضمام لـ"جيش المهدي"، وساعد اندلاع الاقتتال الطائفي، والتحريض الذي كان أئمة الجوامع يقومون به، بالتالي غلّب الطابع الثأري والعسكري والقبلي على شخصية الفتى الذي لم يتجاوز حينذاك السادسة عشرة من عمره، الأمر الذي دفعه إلى أن يحلم بأن يكون قياديًا في "جيش المهدي" أو أي فصيل آخر. آنذاك، لم ينفك أحمد عن مشاهدة مقاطع الفيديو التي تُصور استهداف القوات الأمريكية خلال تواجدها في العراق، كما لم ينته من تحميل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية ما حل بالعراق بعد التاسع من نيسان/أبريل 2003 وإسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وبعد تجميد "جيش المهدي" بقرار من زعيمه مقتدى الصدر، حاول أحمد الذي لم يفلح في دراسته حينها الوصول الى حزب أو فصيل آخر لعله يجد ضالته فيه، وكانت منظمة "بدر" التابعة لهادي العامري تحاول إعادة نشاطها في المدن العراقية قبيل انفصالها عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، فعملت على إعادة تنظيماتها الشعبية وافتتاح مكاتب لها في مناطق العاصمة مقابل راتب بسيط لا يتجاوز الـ200 دولار أميركي للمنتمين لها. ولأن حمل السلاح والتقاط الصور بالزي العسكري كان همّ أحمد الذي ينتمي لعائلة ميسورة الحال، تطوع في صفوف "بدر" وحصل على راتب شهري. التجهيزات التي كان يرتديها آنذاك تصور الشاب وكأنه مقاتل في المارينز. كان يُحب أن يكون بقيافة عسكرية متكاملة.

في عام 2010 استمر في عمله بحراسة مقر منظمة بدر في كرخ بغداد، وأكملت عائلته إجراءات الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أسبوع من وصوله إلى أمريكا، وبينما كان العراق يعيش أجواء شهر محرم الذي يعُرف بطقوسه لدى الشيعة، جلس أحمد في غرفته بولاية كنتاكي الأميركية يبكي "كل ما أريده في تلك اللحظة العودة إلى بغداد والعيش في أجواء شهر محرم.. السير إلى كربلاء وتوزيع الطعام لا يُقدر بثمن.. لا أُريد أمريكا"، أخبر والدته. صحيح أن هذا يبدو طائفيًا، لكنه حميمي وديني بالنسبة للشاب. كان كل شيء مقبولًا، قبل أن يصير أحمد.. أمريكيًا.

بين أهمية نمو أحمد في الولايات المتحدة الأمريكية لدى عائلته، وتخلّصه من السلاح والميليشيات، وأجواء بغداد بين رفاقه، شُتت فكره. أجبرته عائلته على الدخول للمدرسة لإكمال دراسته الإعدادية، وتَعلُّم اللغة الإنجليزية، فتعرف على أصدقاء من مختلف الجنسيات. بدأ يخرج معهم، وبدأ يقتنع أن الأمان والعيش بسلام مع العائلة فرصة لا يقدر بثمن. سأله صديق أمريكي قبيل موعد الامتحانات النهائية في المدرسة عن وجهته المقبلة بعد إكمال الدراسة الإعدادية. لم يجد أحمد إجابة، واكتفى بمحاولة البحث عن عمل.

اقترح عليه الصديق الأمريكي الذي كان ينوي الدخول لقوات المارينز الأمريكية التطوع معه، لم يجد في الفكرة ما يتعارض مع حياته، فالسلاح الذي كان يتباهى به في بغداد سيحمل أفضل منه وهو جندي بأقوى جيوش العالم. تقدّم أحمد إلى المارينز وسرعان ما تمَّ قبوله.

يقول أحمد، "أعيش الآن وضعًا إيجابيًا، تعلمت اللغة الإنجليزية وزرت أهم بلد في العالم، كما أني لا أجد أي منغص في حياتي العسكرية ولا المدنية". يحاول المقاتل الأمريكي أن لا يدع شيئا يؤثر على "عراقيته"، فصفحته في فيسبوك تمتلئ بالأغاني الوطنية العراقية، كما لم تخل من علم بلاده. وهذا غريب جدًا، إذ أنه يقاتل في صفوف الدولة التي تحتل بلاده.

كان أحمد، بعد وصوله الولايات المتحدة الأمريكية، يحلم بزيارة العراق بأقل من عشر سنوات، إلا أن حلمه تحقق في نصف الوقت الذي حدده، حيث أنه يزور العراق كل يوم. إنه موجود الآن في قاعدة أمريكية بدولة الكويت، تقلع طائراتهم يوميًا من الجارة الخليجية إلى قاعدة عين الأسد في الأنبار، غرب بغداد، لتدريب القوات العراقية. لم يبد أحمد أي موقف من احتمالية حدوث مواجهة عسكرية مستقبلية بين مارينز الاحتلال الأمريكي والحشد الشعبي، لكنه تمنى أن لا يحصل ذلك، "فعدو الأمس أصبح صديقًا وآمل أن لا يكون صديق الأمس عدو اليوم"، حسب قوله.