09-سبتمبر-2018

يستخدم النظامان السعودي والمصري الإعدام لتهديد أية معارضة محتملة (Getty)

لا فرق بين أكاديمي وداعية ديني وبرلماني وناشط سياسي، فكلهم سواء أمام ارتباك السلطة في مصر والسعودية، فيما تبدو المصادفة هي وحدها من جمعت في شهر واحد نحو 83 حكمًا وطلبًا بالإعدام لنشطاء معارضين بارزين في كلتا الدولتين، ولكن الواقع المستمر منذ سنوات يشير إلى أن ما يحدث ليس استثناءً، وأن كلا النظامين في البلدين يستخدمان بشكل مستمر ومنظم عقوبة الإعدام من أجل تهديد وخنق المعارضة.

باتت مصر والسعودية من أبرز الدول حول العالم في استخدام الإعدام لردع المعارضة، كما أنها من الأكثر استخدامًا لهذه العقوبة بشكل عام

كانت السعودية على موعد مع البداية بطلب مقدم من النيابة العامة التابعة للديوان الملكي، للحكم بالإعدام على نشطاء "شيعة" في وسط آب/أغسطس، ثم طالبت في بداية أيلول/سبتمبر في قضية أخرى بالقتل تعزيرًا للدكتور سلمان العودة، وعوض القرني وعلي العمري، بينما أكمل النظام المصري، حليف الرياض المطيع، بحكم قاسِ بالإعدام الجماعي على نحو 75 متهمًا في قضية فض اعتصام رابعة، كان من أبرزهم محمد البلتاجي وعصام العريان وصفوت حجازي.

وباتت مصر والسعودية من أبرز الدول حول العالم في استخدام الإعدام لردع المعارضة، كما أنها من الأكثر استخدامًا لهذه العقوبة بشكل عام. إذ تحتل السعودية المركز الثالث حول العالم في تنفيذها، وفي عام 2016 أتت مصر الرابعة، وتقول منظمة العفو الدولية إن مصر كانت الأكثر إصدارًا لأحكام عامة بالإعدام في منطقة الشرق الأوسط في عام 2017، حيث وصل عدد الأحكام في مصر لنحو 402 من إجمالي 619 حكمًا في المنطقة، لكن أغلبها لا ينفذ وتعاد المحاكمة مرة أخرى.

الإعدام للناجين من المجزرة

 أصدرت محكمة الجنايات المصرية، يوم السبت، حكمًا بإعدام 75 متهمًا، غيابًا على 31 متهمًا وحضوريًا على 44 متهمًا، من بينهم محمد البلتاجي وعصام العريان وصفوت حجازي، كما حصل نحو 47 آخرين على حكم بالمؤبد، و374 متهمًا بالسجن المشدد لمدة 15 سنة، وعاقبت أسامة مرسي عيسى العياط نجل الرئيس المعزول محمد مرسي، بالمشدد 10 سنوات، وعاقبت المتهمين الحدث وعددهم 22 متهمًا بالسجن لـ 10 سنوات، فيما عاقبت 215 متهمًا بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات، من بينهم المصور الصحفي محمود أبو زيد شوكان، فيما قررت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية لخمسة متهمين آخرين لوفاتهم، وهو ما بدا العذر الوحيد للنجاة من بطش النظام.

اقرأ/ي أيضًا: المحاكم العسكرية في مصر..إعدامات بالجملة

وخلال السنوات الخمس الماضية، كان هناك العديد من أحكام الإعدام، إذ تشير بعض الإحصائيات في مصر عن إصدار قرارات بالإحالة للمفتي لنحو 1850 متهمًا في الفترة من 2013 إلي 2017، في الوقت الذي صدرت فيه أحكام بالإعدام أغلبها غير نهائية علي نحو 826 متهمًا، في قضايا مختلفة سواء مدنية أو عسكرية، بينما نفذ الحكم فعليًا وأعدم نحو 27 شخصًا. كانت البداية مع محمود رمضان المتهم في  أحداث سيدي جابر، وبعدها بدأت الأحكام تباعًا: عادل حبارة في أحداث مذبحة رفح الثانية، ثم 4 حالات من قضية عرب شركس و15 من المتهمين بعمليات إرهابية في سيناء، وهي القضية المعروفة إعلاميًّا بـ"خلية رصد الضباط"، و4 حالات من قضية استاد كفر الشيخ، بخلاف قضايا أخرى صدر حكم بات فيها بالإعدام ولكن لم يعلن عن تنفيذها.

ومن المنتظر أن يتقدم الدفاع في قضية فض رابعة، بطعن أمام محكمة النقض المصرية (أعلى درجات التقاضي) ومن المتوقع قبول الطعن خاصة وأن القضية تحمل العديد من علامات الاستفهام والمفارقات، بداية من ضم المتهمين وتوجيه الاتهام نفسه، من أبرزها إدانة جميع المتهمين، ومن غير المنطقي قضائيًا أن يكون جميع الـ 734 متهمًا متورطين، وأيضًا يعد ضم عصام سلطان المحامي والقيادي في حزب الوسط  للقضية، من علامات الاستفهام المريبة.

وفي حين تدور الاتهامات الرئيسية في تلك القضية حول فض الاعتصام ومقاومة المعتصمين لقوات الأمن، في الوقت الذي قامت فيه قوات الأمن باعتقال عصام سلطان في 29 تموز/يوليو 2013 أي قبل الفض بنحو أسبوع، في حين يعد إقحام أسامة محمد مرسي نجل الرئيس السابق من الأمور المثيرة للسخرية، فهو انضم للقضية بعد القبض عليه في كانون الأول/ديسمبر 2016، بعد الفض بأكثر من ثلاث سنوات، وبعد تحويل القضية للمحكمة بنحو عام تقريبًا. وكان الشهود أحد علامات الاستفهام، إذ كان من ضمن الشهود بعض قيادات الداخلية من أبرزهم اللواء أسامة الصغير مدير أمن القاهرة الأسبق، واللواء أشرف عبد الله مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي، ومأمور مدينة نصر. وتتهم منظمات حقوقية القيادات في الداخلية والجيش بالاشتراك في المسؤولية عن قتل المئات من مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي داخل ميداني رابعة العدوية والنهضة، وتطالب المنظمات الدولية والأممية مصر بشكل مستمر بوقف أحكام الإعدام. وبعد ساعات من الحكم في قضية فض اعتصام رابعة، اعتبرت الأمم المتحدة أنه في حال تنفيذ مصر للحكم القضائي بإعدام 75 شخصًا فسيمثل ذلك إجهاضًا للعدالة، ولكن مصر لا تمتثل لتلك البيانات.

ليس بعيدًا عن القاهرة هناك في الرياض، لم يعد السجن وحده ورقة الضغط التي تستخدمها السلطة ضد المعارضين السلميين، وتصاعدت مطالبات النيابة السعودية بقتلهم

قضاة الإعدامات

لم يكن التوسع في استخدام الإعدامات ليتم دون وجود مجموعة قضاة دوائر الإعدام الموكل لهم معظم القضايا السياسية في مصر، ومن أبرزهم ناجي شحاته وشعبان الشامي ومعتز خفاجي وسعيد صبري وحسن فريد، وهو القاضي في قضية فض رابعة العدوية، الذي لا ينفك يتلقى نقدًا لاذعًا وسخرية واسعة في الأوساط المصرية.

وأصدر فريد نحو 134 حكمًا بالإعدام، كان منها إعدام 75 متهمًا في قضية فض رابعة، و10 متهمين في قطع طريق قليوب، و14 في قضية تنظيم التوحيد والجهاد في العريش، و28 متهمًا في قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وإعدام 7 في قضية داعش ليبيا. وبالرغم من تلك الأرقام إلا أن حسن فريد ليس صاحب الصدارة في أحكام الإعدامات بالجملة. ومن أبرز القضاة في إصدار أحكام إعدام بالجملة هو المستشار سعيد يوسف، قاضي محكمة جنايات المنيا في صعيد مصر. حيث أحال سعيد يوسف إلى المفتي- وهو إجراء استشاري يسبق الحكم- في 2014، أوراق 528 متهمًا في أحداث قسم شرطة مطاي، دفعة واحدة، إلا أن محكمة النقض أعادت القضية للنظر مرة أخرى. أما المستشار ناجي شحاتة، فيعد من أبرز قضاة الإعدامات في مصر أيضًا، وأصدر شحاتة حتى 2016، نحو 204 حكمًا بالإعدام في خمس قضايا وعبر عن سعادته بلقب "قاضي الإعدامات".

اقرأ/ي أيضًا: مواطنو القطيف تحت سيف الأمير الطائش

الرياض ليست بعيدة

وليس بعيدًا عن القاهرة هناك في الرياض، لم يعد السجن وحده ورقة الضغط التي تستخدمها السلطة ضد المعارضين السلميين، وتصاعدت خلال الشهر الماضي مطالبات النيابة السعودية التابعة للملك، بقتل المعارضين تعزيرًا، وهو الأمر المتصاعد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، التي شهدت صعود ولي العهد المثير للجدل، محمد بن سلمان. كانت ورقة الإعدام تستخدم في البداية للضغط على المعارضة الشيعية السلمية في المناطق الشرقية، ولكنها للمرة الأولى في ولاية عهد ابن سلمان، تنال من المعارضين السلميين من السنّة، وتناولت الأخبار على مدار ثلاثة أيام بداية من 4 أيلول/ سبتمبر طلبات مقدمة من النيابة السعودية، إلى المحكمة الجزائية، تطالب بالقتل تعزيرًا لكل من سلمان العودة، والدكتور علي العمري وكذلك الشيخ عوض القرني، وتأتي تلك الحملة بعد أسابيع قليلة من طلب مشابه للنيابة ضد خمسة نشطاء من الشيعة بينهم الناشطة الحقوقية إسراء الغمغام.

لم يكن التوسع في استخدام الإعدامات ليتم دون وجود مجموعة قضاة دوائر الإعدام الموكل لهم معظم القضايا السياسية في مصر

والنيابة العامة في السعودية جهة قضائية تابعة بشكل مباشر للملك سلمان بن عبدالعزيز وبالتبعية يسيطر عليها نجله ولي عهده محمد، ورغم ذلك لم ترهق النيابة نفسها في البحث عن اتهام ما يستحق القتل، وتدور الاتهامات بعيدًا عن التهم شديدة الخطورة أو القتل أو العنف، كما لا يوجد ضمن أحراز المتهمين أية أسلحة.

 ومن ما سرب من اتهامات سلمان العودة، كانت هناك قائمة لنحو 37 تهمة تتعلق بالإرهاب، أغلبها تهم قائمة على النية والتعاطف وتهم فضفاضة كالعمل في منظمة غير مصرح بها. ووفقًا لبيان رسمي صادر من المملكة حول اعتقال العودة ورفاقه في أيلول/سبتمبر 2017، فإن أبرز التهم الموجهة لهم هو "الإفصاح عن التعاطف مع المنظمات المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرھابیة، داخلیًا أو إقليميًا بأي وسیلة كانت، أو تقدیم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لھا، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجیع علیه أو الترویج له بالقول أو الكتابة"، وليس ذلك بجديد على النيابة السعودية، فكما فشلت في الكشف عن اتهام طلب القتل للمتهمين فى قضية مجموعة الدعاة المعروفين بـ"معتقلي الرأي"، فشلت النيابة من قبل في توجيه أي اتهام حقيقي ومحوري للنشطاء من المنطقة الشرقية التي دعت المحكمة لقتلهم تعزيرًا، وكانت من أبرز التهم الموجهة لهم التحريض على التظاهر، وترديد عبارات مناوئة للدولة ومحاولة التأثير في الرأي العام وضد السلطة، وتصوير المسيرات ونشرها على وسائل الإعلام الاجتماعي، إضافة إلى توفير الدعم المعنوي للمشاركين في التجمعات.

وكانت السعودية قد نفذت بالفعل أحكامًا بالإعدام لمعارضين من الشيعة أبرزهم الشيخ نمر النمر، وكان صاحب نشاط بارز، واتهم من قبل المحكمة بقيادة وتحريض المواطنين على مظاهرات اندلعت في المنطقة الشرقية عام 2014، ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن نمر النمر لم يكن الشيعي الوحيد الذي يعدم، بل وصل عدد من طبق عليه حكم الإعدام من المنتمين للمذهب الشيعي إلى نحو 50 شخصًا، وقالت منظمة العفو الدولية في تموز/يوليو 2017، أن السلطات السعودية أعدمت أربعة رجال شيعة في المنطقة الشرقية في نفس الشهر، معتبرة ذلك توظيفًا لعقوبة الإعدام كسلاح سياسي لإسكات أصوات المعارضة، وهناك العديد من النشطاء المحكوم  عليهم بالإعدام ولكنه لم ينفذ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تكلفة بقاء نظام السيسي

حكايات شخصية من قلب "المجزرة".. شهادات جديدة عن فض اعتصام رابعة