17-يوليو-2018

ناصر حسيبن/ سوريا

حينما يهبط الهواء اللزج ثقيلًا، وتزم الشمس شفاهها على الضوء، فتطلقه مثل كلمات نابية، أتأرجح في الطريق، أتوارى عن السابلة القساة، تسعل رئتاي السقم على الرصيف قيحًا أصفر، يكون رأسي هناك عند الوسادة، أما قلبي فلا يقصد غير أمانه، لا يقصد سواكِ.

أحبك حين أمضي بلا لون، ويهطل دمعي بلا ملح، وأطالع المفقود مني فأجدك، فتجلبين ما أضعت، وتجالسيني على منحدر صمت في العتمة، نلون الريح إذ تمر، ونرتب صفيرها بإيقاع نشاء، من هنا أو هناك نفعل.

أحبك مكسوًا بالشقاء، تسقط الصور من عينيَّ، فأرى ظهرك مشدودًا عوده على واجهات المباني، أسحب قدمي على شارع وأقول هذا ذراعك، أملًا بأصابعك التي أشاء القبض عليها، حتى أصل، وتقودني رؤوس الأنامل إلى الراحة حيث تكونين، هنا أو هناك، عارية في فراشي.

في شوارع المدينة غمامة من يأس وخوف، صدى الثورة يقدح في الألسن الهامسة، والعساكر الخائفون؛ يلمع الموت على معادن بنادقهم. ثمة هذه اللحظة التي تخفت فيها الحياة، ويسقط ظل قبر من الجسد الهزيل وراءه، لحظة تتشظى الروح بين عالمين، تكون عشبًا على واحد وغابة على آخر، وتصير أسمالًا وعطب تصادم للعوالم.

في هذه اللحظة تولدين، ومن وشاح واسع وأبيض، يرتفع عمران وتخفق أجنحة طيور مسالمة، كأنك الوطن الذي يخطه الثائرون على الجدران، وكل شعارات الثورة القادمة، تفردين ذراعيك وتتلين على مسمعي الكلمات، مثل صلاة عميقة أسمعك، وأخشع مثل مؤمن لا يجادل.

أحبك في الأيام الطويلة، كالساعة الأخيرة من يوم عمال المناجم، عند مقالع الحجارة والفحم، حين ينكمش المستقبل مثل دمية بلاستيكية في النار، وينهرس الأمل مثل وردة تحت كعوب أحذية خشبية، فتحدق بي المسافة بشماتة، بعينين منتصر يطالع الأسرى، يكون الاشتياق قاسيًا حتى أسدل جفنيَّ على الأيام، وأصنع من فضاضة الاشتياق انتظارًا، ومن الانتظار افتراضًا تمرين فيه من عتبة الدار إلى فراشي، وتطبعين على جبيني قبلة أعرفها.

أحبك ماضيًا مررت فيه على ثقوبي فصار الصفير والتأمت، وحاضرًا بعثت به عليَّ نبيًّا فامتلكت آخرة، وغدًا ملونًا تملئين زواياه، لا تطارحني على أرضه الحمى، ولا يقوض عينيّ ضوؤه أو ظلامه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نشيد الندرة

بياض السّـرير