23-يناير-2018

المواقف المتناقضة بين أجنحة الحكم الجزائرية، أمر مقصود لمصلحة بوتفليقة (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

ما أشبه ما يحدث في الجزائر بما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، من تناقضات بين قرارات مؤسّسة الرّئاسة وقرارات المؤسّسات الشّريكة في الحكم، مع الفارق في التوجهات والحسابات وشرعية الحكم بالمنطق الدّيمقراطي المعتمد في كلّ بلد منهما.

التناقضات الحاصلة بين مؤسسات الحكم في الجزائر، شبيهة بتناقضات الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، مع فارق الديمقراطية

ففي الوقت الذي يقول فيه الرّئيس دونالد ترامب شيئًا، يقول فيه وزير خارجيته شيئًا مختلفًا تمامًا، وربمّا قال وزير الدّفاع شيئًا يقبع في منطقة وسطى بين قولهما، ممّا بات يصعّب على المحلّلين والملاحظين مهمّة التّحليل والملاحظة في كثير من القضايا، التّي تعدّ مصيرية في اللّحظة العالمية القائمة، مثل ما يحدث في الشّمال السّوري، وما يتعلّق بالملفّ النّووي الإيراني. فهل هي تخبّطات أثمرها صراع أجنحة الحكم ونزق الرّئيس القادم إلى السّياسة من حقل المال والأعمال، أم هي إستراتيجية متفق عليها؟

اقرأ/ي أيضًا: صراعات داخلية أكثر من أي وقت مضى.. ترامب في مواجهة أمريكا

في الجزائر، عبّر الوزير الأوّل أحمد أويحيى عن استعداد الدّولة -وهو هنا لا يتحدّث بصفته فردًا أو رئيس حزب- لأن تتنازل عن المؤسسات الاقتصادية الحكومية لصالح القطاع الخاصّ، الذي هلّل للمشروع وراحت وجوهه البارزة والمقرّبة من دواليب السّلطة، تعدّ أوراقها المختلفة لتستفيد من الكعكة الكبيرة، فما يوجد من مؤسّسات عمومية حكومية في البلاد، رغم إفلاس الكثير منها أو هي على وشك الإفلاس، جدير فعلًا بأن يسيل اللّعاب ويحرّك اللّاعبين.

لقد تناولت الصّحافة الوطنية والدّولية تصريحات الوزير الأوّل الموصوف بكونه أمين سرّ الرّئيس عبدالعزيز بوتفليقة، على أنها قرار متفق عليه في القصر الرّئاسي، وما زاد على أن نقل هذا القرار من السرّ إلى العلانية، حتى أن نخبة من الإعلاميين والمحلّلين الحكوميين، باشرت تبريره في منابر مقرّبة من الرّئاسة، انطلاقًا من فهمها أنه ضوء أخضر لتفعل ذلك، وإذا بالرّئيس يتدخل فجأة و"يكتب" -فلا مجال لأن "يقول" منذ عام 2012، فهو لم "يقل" حتى خلال حملته الانتخابية الأخيرة- أنه لا يسمح ببيع مؤسّسات الشّعب!

هنا، طفت إلى السّطح القراءة القائلة إن هناك صراعًا بين الرّئاسة ممثلة في شخص بوتفليقة، والحكومة ممثلة في شخص أحمد أويحيى، والمنطلق ليس الاختلاف في الرّؤية الاقتصادية بل الصّراع على الكعكة الرئاسية في السّداسي الأوّل من العام القادم. في إشارة إلى طمع أحمد أويحيى في أن يكون مرشّح السّلطة في ظلّ المرض المعلن للرّئيس الحالي.

وقد أبدى أكثر من طرف توقّعه بأن يقدم بوتفليقة على إقالة أحمد أويحيى في أية لحظة، فهو أو محيطه الصغير الذي يتحكم فيه شقيقه، لم يتسامح يومًا مع من أبدى طمعًا من هذا النّوع، بل إنه لم يتسامح حتى مع من أشير مجرّد الإشارة إلى كونه مؤهلًا لأن يكون خليفة.

لكن من جهتي حقيقة أرى هذه القراءة متهالكة لأكثر من سبب، من ذلك أن المحيط الرئاسي أكمل، منذ فترة، جمع حلقات الحكم في يده، بما فيها حلقة الجيش وحلقة جهاز المخابرات، وهو ما يدركه أحمد أويحيى جيدًا. فلم يحدث أن كان بعيدًا عن صحن الحكم، بصفته شخصًا وبصفته حزبًا، وكل ما في الأمر أنه مثّل دور المقترح لمشروع يمسّ "خبزة" المواطن، حتى يسمح للرئيس بالتدخل، فيقال إنه حمى هذه الخبزة. فالمحيط الرئاسي بحاجة ماسّة إلى مثل هذه اللعبة، في ظلّ تنامي حالات الغضب الشعبي واقتراب الاستحقاق الرئاسي.

لقد لجأ بوتفليقة إلى هذا المنطق سابقًا في أكثر من قضية، منها تدخله لتعطيل قانون وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس القاضي بتحرير سوق الخمور في البلاد، بعد أن سكت عليه فترة كانت كافية لبروز رفض الإسلاميين والمحافظين، ولم يكتفِ بتعطيل القانون بل بادر إلى إقالة الوزير صاحب الحزب الحليف، لأنه كان بحاجة ماسّة يومها إلى رضا الإسلاميين عنه.

يستمر بوتفليقة في نفس سياسة الترقيع واللف والدوران للحفاظ على كرسيه، وإن على حساب البلاد والعباد

هنا، يطرح هذا السّؤال نفسه: إلى متى يستمرّ بوتفليقة في سياسة التّرقيع واللفّ والدّوران، على حساب مستقبل البلاد والعباد، عوض الانخراط في إصلاح حقيقي، أو الانسحاب بشرف تاركًا المجال مفتوحًا لانتخابات حقيقية؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جدل حول مصير بوتفليقة.. هل يترشح الشيخ العاجز للرئاسة مجددًا؟

أحمد أويحيى.. رجل المد والجزر و"المهمات القذرة"