أجساد منهكة وذاكرة مليئة بالعذاب.. روايات الأسرى تكشف جحيم سجون الاحتلال
14 أكتوبر 2025
كانت الأجساد المنهكة للأسرى المحرَّرين، في صفقة إنهاء حرب الإبادة، كفيلةً بأن تُحدّث العالم عن جحيم الأسر وما كابده ويكابده الأسرى الفلسطينيون من معاناة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، جراء الحرمان من الغذاء والدواء، والتعذيب النفسي والجسدي، والإهمال الطبي المتعمّد.
وتحدث عدد من الأسرى المحررين عن تفاصيل مروّعة لما يجري خلف جدران السجون الإسرائيلية من تعذيبٍ وحشي، أفقدهم عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم، وأصاب كثيرين منهم بكسورٍ وأمراضٍ مزمنة. ويُعدّ المقطع المصور المتداول للأسير المحرر عنان الشلبي أبلغَ من كل وصف.
وتتّفق شهادات الأسرى الذين تحدثوا لوسائل الإعلام على أن العامين الأخيرين شهدا أسوأ أشكال المعاملة وأكبر عدد من الانتهاكات، في دليلٍ صريح على أن ما جرى كان فعلًا انتقاميًا وجزءًا من الحرب الإسرائيلية الشاملة على الفلسطينيين أينما وجدوا.
ويُشار إلى أن عددًا من الأسرى وأهاليهم يتحفّظون على رواية تفاصيل معاناتهم داخل الأسر، خشية الانتقام الإسرائيلي، إذ داهمت سلطات الاحتلال منازل العديد من ذوي الأسرى قبل الإفراج وبعده، محذّرةً إياهم من إقامة أي احتفالات أو الإدلاء بتصريحاتٍ للإعلام.
خرج الأسرى من سجون الاحتلال بأجساد منهكة جراء خسارة الوزن والتعذيب النفسي والبدني
فقدان الوزن جراء الحرمان من الغذاء
خسر جمال دغاه من رام الله 30 كيلوغرامًا من وزنه، معتبرًا أن حالته الجسدية "تغني عن أي كلام". وأكّد دغاه أن الوضع داخل سجون الاحتلال بالغ السوء، نظرًا لشحّ الطعام والإهمال الطبي وتعدد أشكال العقاب البدني والنفسي.
ويتحدث أسيرٌ آخر محرر من معتقل سجن نفحة الصحراوي – الذي يضم أكثر من أربعة آلاف أسير – عن تجربته المريرة هناك، إذ فوجئ بعد الإفراج عنه بأن والده وأخاه الأكبر قد استشهدا أثناء اعتقاله. ويؤكد أن وزنه الحالي لا يتجاوز 45 كيلوغرامًا، بسبب الحرمان من الغذاء، وكسرٍ في غضروف ظهره جراء التعذيب، إضافةً إلى إصابته بدمامل وعدوى جلدية نتيجة بقّ الفراش وسوء الظروف الصحية.
وروى الأسير ذاته تفاصيل عن عملية الإفراج وما رافقها من تعذيب، إذ تم جمع الأسرى مساء الجمعة وعزلهم في مكانٍ مُنعوا فيه من الزيارات، وخلال إخراجهم من الأقسام، انهالت عليهم وحدة إسرائيلية خاصة مختصة بالتعذيب بالضرب المبرح، مركّزةً على الوجه والمناطق الحساسة. ومع استمرار الضرب قرابة الساعة، تمنّى بعض الأسرى العودة إلى زنازينهم.
أما الأسير فيصل، فنبّه إلى الاكتظاظ الشديد داخل الزنازين، حيث يُحشر خمسة عشر أسيرًا في غرفةٍ مخصصة لستة فقط، ما سرّع من انتقال العدوى المرضية، خاصةً الأمراض الجلدية التي أصابت – بحسبه – أكثر من 80% من الأسرى. وتحدث فيصل أيضًا عن مشاركة طبيب السجنفي الضرب والتعذيب وامتناعه عن تقديم العلاج، ما يؤكد أن الإهمال الطبي كان ممنهجًا، إلى جانب التضييق على العبادات والحريات الدينية.
من جانبه، روى سامر الحلبية، المعتقل منذ عشر سنوات، جانبًا من معاناته في السجون الإسرائيلية، لافتًا إلى أن الأسرى عاشوا "سنتين من الجوع والخوف والتعب". وأكد على ذلك الأسير المحرر فيصل، الذي كان محكومًا بالسجن 30 عامًا، قائلاً إن ما عانوه خلال العامين الأخيرين "فاق حدود الاحتمال"، مشيرًا إلى الضرب والتجويع والإهمال الطبي كأمثلة فقط.
ونقل هاني، وهو شاب لم يتجاوز 21 عامًا، تفاصيل مروعة عن اعتقاله، إذ أمضى 24 ساعة بعد اعتقاله دون طعام أو ماء، وتعرّض للضرب المتكرر بأنابيب حديدية وأدوات مطاطية كانت تترك لحمه ممزقًا. وأوضح أنه رفقة خمسين أسيرًا آخرين أصيبوا بكسور مختلفة، وبقوا مكبّلين بالأصفاد الحديدية لساعات طويلة، ما أثّر على قدرتهم على تحريك أيديهم.
وخلال فترة اعتقاله التي استمرت عامًا وثلاثة أشهر، كان الجوع والمرض والحرمان من الفراش والبطانيات وحتى الملابس قاسمًا مشتركًا بين الأسرى، ما أدى في الشتاء إلى إصابتهم بالجرب والفطريات والدمامل، وتسبب لهم بألم نفسي جعلهم – كما قال – "يفقدون الرغبة في الحياة أحيانًا".
ويقول هاني إنه غادر السجن وجسده يحمل آثار الجروح والالتهابات التي لم تلتئم بعد، بسبب انعدام الرعاية الطبية. وروى أنهم لجؤوا إلى أساليب ذاتية للتطبيب، منها استخدام قطعة سلك من السياج وتعقيمها بكمية ضئيلة من الكلور – تُصرف لهم مرة كل أسبوعين – لتنظيف جروحهم، وهو ما أنقذ بعضهم من التعفن.
واختتم هاني شهادته بالتأكيد على أن عشرات الأسرى استُشهدوا تحت التعذيب، من بينهم جدّه الثمانيني الذي قضى نحبه في سجن سديتمان نتيجة التعذيب والمعاملة القاسية.
معطيات
بلغ عدد حالات الاعتقال في الضفة الغربية والقدس منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 18.500 حالة، وفق معطيات المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين، التي أشارت إلى أن إجمالي عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بلغ حتى آب/أغسطس الماضي 10.800 معتقل.
وأوضحت المؤسسة أن هذا العدد لا يشمل آلاف معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات الإسرائيلية، في ظل استمرار إخفائهم القسري.
وكانت مصلحة سجون الاحتلال ووزارة الأمن القومي الإسرائيلي قد أعلنتا مطلع نيسان/إبريل 2024 أن الطاقة الاستيعابية القصوى للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية تبلغ نحو 14.500 معتقل، في حين يتجاوز العدد الفعلي 21 ألفًا، ما يكشف عن اكتظاظ حاد وانتهاك لمعايير الاحتجاز الإنسانية.