29-يوليو-2017

أصبح للسعودية بموجب صفقة أبو الجدايل 30% من أسهم الإندبندنت (ليون نيل/Getty)

من هو سلطان محمد أبو الجدايل؟ سؤال يهم المتابع للصحافة البريطانية. خاصة تلك التي تعنى بقضايا الشرق الأوسط في تغطيتها، على غرار النسخة الإلكترونية من الإندبندنت. كما يهم متابع الفضائح والصفقات السعودية المتلاعبة بالرأي العام والقامعة لمعادلة الحريات بالجملة. 

سبق وأغلقت الإندبندنت نسختها الورقية لأسباب ربحية، والأن تضحي برصيدها الصحافي على مائدة المال السعودي، بعد أن سبقه المال الروسي بحصة أكبر

الصحيفة البريطانية الشهيرة التي أغلقت نسختها الورقية بلا رجعة في عام 2016 باعت خلال الأيام القليلة الماضية ما مقداره 30% من حصص أسهمها لصالح أبو الجدايل، "المستثمر" السعودي المتحدر من عائلة شهيرة بإدارة أموال الأسرة الحاكمة في الخارج تحت اسمها. 

الرجل الثري الباحث ربما عن مزيد من الثراء، يبحث بالتأكيد عن مزيد من التأثير لصالح الرياض، عرف أين يرمي بأمواله. بعيدًا عن انتشار الاندبندت عالميًا، فالصحيفة طالما تابعت مجريات أحوال الشرق الآوسط، ولم تكن يومًا متهاونة في تناولها لفضائح النظام السعودي، وحتى خصوصيات الأسرة الحاكمة، فيما يبدو عودة سعودية لنظريات بروباغندا السبعينيات "ادفع لمن ينتقدك، قبل البحث عمن يروج لك"!. من أجل المال وخلق التأثير يضع المستثمرون أموالهم في الإعلام، لا هبات ولا إسهام في قدسية المعلومة والحقائق، وهذا تحديدًا ما يهم آبو الجدايل ومن ورائه تركيبة الحكم الجديدة في الرياض. 

اقرأ/ي أيضًا: السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة

بهذا الاكتتاب في أسهم الاندبندت، الذي ناورت الصحيفة في الإعلان عنه، كما قامت بذلك سابقًا لدى اكتتاب الملياردير الروسي إيفغني ليبيديف في أسهمها بمقدار 41%، تكون الإندبندنت قد عبرت أخيرًا عتبة التخلي عن كل ما له علاقة باستقلالية الصحافة وموضوعية الأدوات الصحفية ومهنيتها، وهي التي تعلم تمامًا، نظرًا لطول تغطيتها للمصائب السياسية السعودية، أن كل الطرق في الرياض تصب لدى آل سعود، بالتالي لن يجدي دفاعها عن نفسها بذات الطريقة التي قامت بها لدى الاكتتاب الروسي بأن المستثمر لا يحمل صفة رسمية، في حين كان ليبيديف من أبرز الأسماء الممولة لدعاية فلاديمير بوتين وتظهير صورته في الإعلام الأوروبي.

ارتبكت على إثر هذه القفزة للإندبندنت نحو الرياض مفاصل عدة وسط الطاقم التحريري لنسختها الإلكترونية، وخيضت نقاشات تحريرية كبرى، عما سيكون مسموحًا وما سيدخل في خانة الممنوع، وكيف سيتبنى الطاقم التحريري هذه التغيرات ويتأقلم معها، بشكل خاص الكتاب والمحللين الشباب الذين لم يوفروا يومًا فرصة الحديث عن الواقع السعودي المعادي للحريات وللصحافة والتعبر عن الرأي. كذلك دور الرياض في اليمن والتعنت والعداء المستمر بداع وبدونه لإيران، وأيضًا علاقات الفساد السعودي بالطبقة السياسية الآوروبية والأمريكية. لكن هذا التحدي يزداد شراسة عندما يتعلق الأمر "بنساء" الإندبندت، اللواتي عملن طويلًا على تحرير وإصدار المواد الصحفية المنتقدة بحدة لموقف الحكم السعودي من المرأة وحقوقها، كيف سيصير حالهن عندما يمسي رب العمل هو ذاته "الوحش" الذي اعتبرنه طويًلا تهديدًا لهن كنساء!

اقرأ/ي أيضًا: خطة محكمة الفشل.. هكذا خسر النظام المصري ذراعه الإعلامية في أمريكا

ربما لو وقع تداول هذه الأنباء قبل عقد من الزمن على اليوم، لكانت أقرب إلى النعت بالإشاعة مكتملة الأركان عن الصحيفة اليسارية ذات الطابع الليبرالي، والمتصالحة مع كثير من قضايا العرب. لكن وبعد هيمنة محرر شؤون الشرق الأوسط فيها روبرت فيسك، ويضوء أخضر من مديره كيم سانغوبتا، على خط تحرير الصحيفة تجاه المنطقة العربية. إذ حمل صفحاته عداء متصاعدًا لتطلعات الشعوب العربية، بل ونعتها المتواصل بالإرهاب، خاصة في سوريا بعد دخول المستثمر الروسي إيفيغني ليبيديف إلى الصحيفة، ومناصرة صاحب الـ26٪ من باقي أسهم الإندبندنت جاستن بايم شاو لهذا التوجه. أمسى كل شيء عن الإندبندنت قابلًا للتصديق. 

لم يعد ممكنًا النظر إلى الإندبندنت كصحيفة مستقلة وموضوعية منذ خضوعها لإكراهات الاستثمار الروسي في أسهمها، وتفاقم الأمر الأن بدخول المال السعودي إلى المعادلة

ما تقوله توجهات الصحيفة اليوم، التي يقدر ثمن موقعها الإلكتروني بـ 100 مليون جنيه إسترليني، إن المال أولًا وقبل كل شيء، وهو ذات السبب الذي دفعها للانقطاع عن نسختها الورقية وفق شعارها الشهير "الرهان على حصان واحد يكفي"، والسبب عينه الذي فتحت لأجله أبوابها أمام مستثمرين دوليين مقربين من أنظمة بلادهم ومتناقضي المصالح والخطابات في الوقت عينه.

ضربة ارتدادية وجهتها الإندبندنت، بقيادة باتريك كوكبيرن، لسمعتها الصحفية وما كان قد تبقى من إرث الصحيفة اليسارية التي جابهت حروب بارون الإعلام روبرت مردوخ طوال عقد التسعينيات لتحجيم أصولها وانتشارها، لتمسي اليوم نسخة غير واضحة المعالم، تهدد استقرار الصحافة البريطانية بمجملها، بعد أن قدمت كل منجزها الصحافي الماضي قربانًا لاستثمار ضابط KGB سابق وابن مسؤول القطاع المالي في الجهاز البائد، من هنا يتضح مبرر ثرائه، إلى جانب ممثل للنظام السعودي من تحت الطاولة! 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"BBC".. ببغاء الثورات المضادة

انتفاضة إعلاميات "بي بي سي": لا للتمييز الجندري بعد اليوم