16-نوفمبر-2015

مسيرة في بارس تنديدًا بالهجوم الذي حدث على جريدة شارلي إيبدو - يناير2015 (Getty)

كانت استراتيجية تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن بسيطة للغاية: نحن لن نستطيع هزيمة "العدو البعيد" على أرضه، إذن يجب علينا إجباره على المجيء لمحاربتنا على أرضنا، في أفغانستان، ليلقى ذات مصير الاتحاد السوفيتي. العدو البعيد هنا بالطبع هو الولايات المتحدة بالأساس، والأنظمة الغربية الحليفة لها، في مقابل "العدو القريب" الذي تمثله الأنظمة العربية والإسلامية الحليفة. بوقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نجح الجزء الأول من الخطة بإجبار الولايات المتحدة على خوض حرب بعيدًا عن أراضيها، على نفس الأرض التي شهدت إذلال الاتحاد السوفيتي بمساعدتها. لكن كان للجزء الثاني قصةٌ أخرى.

في الحادي عشر من مارس 2004، شهدت العاصمة الإسبانية مدريد أكبر هجوم إرهابي في تاريخ إسبانيا والذي يظل أكبر هجوم إرهابي في تاريخ أوروبا 

لم تواجه الولايات المتحدة تحديًا يذكر في هزيمة نظام طالبان وفرض سيطرتها على أفغانستان، لكن الحرب التي بدا أنها حُسِمت في أيامها الأولى ظلت مستمرة حتى اليوم، حيث استطاعت طالبان السيطرة على مدينة قندوز في أواخر سبتمبر الماضي، ورغم تحريرها بعد عدة أيام، إلا أن تلك الواقعة تظل الأولى من نوعها منذ بداية الحرب، ما يدلل على أن الحرب ما تزال مستمرة بعد كل تلك السنوات.

خلال سنوات الحرب جعلت القاعدة هدفها القيام بعملياتٍ إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة بل والدول العربية مثل الأردن والسعودية لحشد أتباع جدد من المسلمين الذين يشاركونها الرغبة في التنكيل بدول الغرب بأي وسيلةٍ كانت حتى إذا تضمن ذلك، بل وكانت وسيلته الأساسية، استهداف المدنيين؛ في إطار رؤية تنظيم القاعدة لنفسه كطليعة مقاتلة تحاول حشد العالم الإسلامي خلفها، بالإضافة إلى فرض ثمنٍ على تلك الدول لقتالها التنظيم. استمر ذلك حتى ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليسحب البساط من تحت أقدام القاعدة ويتبوأ زعامة الإرهاب العالمي في عالمٍ جديد تتكشف معالمه يومًا بعد يوم. عالمٌ قد لا نعلم عنه كل شيء، لكننا نعلم أنه قد يكون أسوأ بكثير.

في السطور التالية عرضٌ لأهم العمليات التي وقعت في أوروبا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتى وقوع هجوم باريس في الثالث عشر من نوفمبر الجاري، والذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، الزعيم الجديد للإرهاب العالمي.

تفجيرات مدريد 2004

في الحادي عشر من مارس 2004، وقبل ثلاثة أيام من الانتخابات العامة، شهدت العاصمة الإسبانية مدريد أكبر هجوم إرهابي في تاريخ إسبانيا والذي يظل حتى الآن أكبر هجوم إرهابي في تاريخ أوروبا منذ تفجير لوكربي 1988، وهو الهجوم الذي عُرف فيما بعد بتفجيرات مدريد. كانت تفجيرات مدريد سلسلةً من التفجيرات المنسقة استهدفت شبكة قطارات العاصمة الإسبانية أسفرت عن مقتل مائة وواحد وتسعين شخصًا وإصابة ألف وثمانمائة آخرين. وجدت التحقيقات القضائية الإسبانية أن منفذي الهجمات هم متعاطفون مع تنظيم القاعدة شكلوا خلية استوحت فكرها منه دون وجود صلة مباشرة للتنظيم بالهجوم.

خلال ساعة الذروة صباح يوم الخميس الحادي عشر من مارس 2004، وقعت عشرة انفجارات على متن أربعة قطارات. كانت القطارات الأربعة تسافر على نفس الخط وفي نفس الاتجاه بين محطتي قطار في مدريد. لاحقًا تم اكتشاف أنه كان هناك ثلاث عشرة عبوة ناسفة في حقائب ظهر وضعت على متن القطارات. قامت فرق إبطال مفعول القنابل التي وصلت إلى مسرح الحادث بتفجير اثنتين منهما، بينما لم يتم العثور على الثالثة حتى وقتٍ لاحق في مساء اليوم، حيث تم تخزينها بالخطأ مع أمتعة تم إخراجها من أحد القطارات. 

في الرابع عشر من مارس، ظهر أبو دجانة الأفغاني، المتحدث باسم تنظيم القاعدة في أوروبا، في مقطع فيديو مدعيًا المسؤولية عن الهجوم. قال القضاء الإسباني إن مجموعة واسعة من المسلمين المغاربة والسوريين والجزائريين واثنين من مرشدي الحرس المدني والشرطة الإسبانية مشتبهًا بهم في القيام بالهجوم. في الحادي عشر من أبريل حوكم تسعة وعشرون مشتبهًا بهم بتهمة الاشتراك في تفجيرات القطارات.

لم يتم العثور على أي أدلة تفيد بتورط تنظيم القاعدة، رغم أن كتائب أبو حفص المصري ادعت مسؤولية القاعدة عن الهجمات في نفس اليوم. أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن ذلك التنظيم "يشتهر بعدم المصداقية". في أغسطس 2007، قال تنظيم القاعدة إنه "فخور" بتفجيرات مدريد 2004.

في الثالث من أبريل 2004 قُتل أربعة من منفذي الهجوم فيما بدا أنه تفجيرٌ انتحاري أسفر عن مقتل ضابط عمليات خاصة إسباني وإصابة أحد عشر رجلًا من الشرطة. حسب وسائل الإعلام وشهود عيان، هرب ما بين خمسة إلى ثمانية (مشتبه بهم) في ذلك اليوم. 

بدأت محاكمة تسعة وعشرين متهمًا في الخامس عشر من فبراير 2007، حيث انتهت المحاكمة بإدانة "خلايا محلية من المتشددين الإسلاميين استوحت أفكارها عن طريق الإنترنت". تكونت تلك الخلايا المحلية من مهربي حشيش من أصل مغربي، ذات صلة بعيدة بخلية للقاعدة كان قد تم القبض عليها بالفعل. اشترت تلك المجموعات المتفجرات (ديناميت مخصص للاستخدام الصناعي) من لصوص صغار ومرشدي شرطة وحرس مدني باستخدام أموال من تهريب المخدرات على نطاقٍ ضيق.

تفجيرات لندن 2005

تعد تفجيرات لندن2005 أكبر حادثة إرهابية تقع في المملكة المتحدة بالإضافة إلى كونها أول هجوم انتحاري إسلامي في البلاد.

في السابع من يوليو 2005 وقعت سلسلة عمليات انتحارية متزامنة في العاصمة البريطانية لندن مستهدفةً المواطنين أثناء ساعة الذروة، حيث قام أربعة متشددين إسلاميين بتفجير أنفسهم. استهدفت ثلاثة تفجيرات قطارات أنفاق لندن بينما وقع الانفجار الرابع في حافلة نقل عام من طابقين. أسفرت الهجمات عن مصرع اثنين وخمسين شخصًا وإصابة ما يقرب من سبعمائة. تعد تفجيرات لندن أكبر حادثة إرهابية تقع في المملكة المتحدة منذ تفجير لوكربي عام 1988 بالإضافة إلى كونها أول هجوم انتحاري إسلامي في البلاد.

تم استخدام قنابل تعتمد على البيروكسيد العضوي موضوعة في حقائب ظهر في الهجوم. بعد أسبوعين من الهجوم وقعت سلسلة من محاولات الهجوم فشلت في إيقاع إصابات أو خسائر. وقعت تفجيرات لندن في اليوم الذي أعقب فوز المدينة بتنظيم دورة الألعاب الأولمبية 2012.

كان ثلاثة من المنفذين الأربعة للتفجيرات مولودين في بريطانيا لمهاجرين باكستانيين، بينما كان الرابع متحولًا إلى الإسلام وُلد في جامايكا قبل أن يهاجر إلى المملكة. 

هجوما النرويج 2011

في الثاني والعشرين من يوليو 2011 وقع هجومان إرهابيان قام بهما نرويجي يدعى أندرس بهرنغ بريفيك ضد مبنى حكومي ومعسكر شباب تديره منظمة شبيبة حزب العمال النرويجي أسفرا عن مقتل سبعة وسبعين شخصًا وإصابة ثلاثمائة وتسعة عشر على الأقل.

كان الهجوم الأول عبارة عن انفجار سيارة مفخخة في أوسلو داخل مجمع مباني الحكومة النرويجية في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر. كانت القنبلة المصنوعة من خليطٍ من الأسمدة وزيت الوقود موضوعة في مؤخرة شاحنة صغيرة (ڨان) تم وضعها أمام المبنى الذي يوجد به مكتب رئيس الوزراء النرويجي ووزارة العدل والأمن العام. أسفر الانفجار عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة مائتين وتسعة على الأقل كانت إصابة اثني عشر منهم خطيرة.

أما الهجوم الثاني فقد وقع بعد أقل من ساعتين في مخيمٍ صيفي في جزيرة أوتويا. كانت منظمة شبيبة حزب العمال التي تمثل الجناح الشبابي لحزب العمال النرويجي الحاكم تدير المخيم. سُمِح لمسلح يرتدي زي الشرطة ويحمل بطاقة هوية مزورة بالدخول إلى الجزيرة ثم قام بفتح النار على المشاركين ليقتل ثمانية وستين شخصًا ويصيب مائة وعشرة على الأقل كانت إصابة خمسة وخمسين منهم خطيرة؛ توفي أحدهم متأثرًا بجراحه بعد يومين من المذبحة. كان من بين القتلى أصدقاء شخصيين لرئيس الوزراء النرويجي وأخ غير شقيق لزوجة ولي العهد النرويجي.

كان هذان الهجومان أسوأ اعتداء تتعرض له النرويج منذ الحرب العالمية الثانية، ووجد استطلاع رأي أن واحدًا من بين كل أربعة نرويجيين يعرف شخصًا تأثر بالهجوم. ألقت الشرطة النرويجية القبض على أندرس بهرنغ بريفيك، وهو يميني متطرف يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا، على جزيرة أوتويا بتهمة القيام بالهجومين. تم محاكمة بريفيك ما بين شهري أبريل ويونيو 2012 حيث اعترف بالقيام بالهجومين محل الاتهام لكنه أنكر أن يكون مذنبًا حيث قال إن ما قام به كان "وحشيًا لكنه كان ضروريًا".

في الرابع والعشرين من أغسطس 2012 تم إدانة بريفيك بكلا التهمتين والحكم عليه بالسجن واحد وعشرين عامًا يمكن في نهايتها التمديد على نحوٍ لا نهائي بمقدار خمس سنوات كل مرة، طالما اعتبر السجين خطرًا على المجتمع.  يعد هذان الهجومان هما الوحيدان على هذه القائمة اللذان ارتكبا على يد متطرفٍ يميني لا جماعاتٍ إسلامية متشددة. 

تفجير بورجاس 2012

في الثامن عشر من يوليو 2012 قام انتحاري بتفجير نفسه في حافلة ركاب تنقل سياحًا إسرائيليين بمطار بورجاس بمدينة بورجاس البلغارية. كانت الحافلة تقل اثنين وأربعين إسرائيليًا من المطار إلى فنادقهم، بعد وصولهم على متن طائرةٍ من تل أبيب. أسفر الانفجار عن مقتل سائق الحافلة البلغاري وخمسة إسرائيليين، وإصابة اثنين وثلاثين إسرائيليًا.

في فبراير 2013 قال وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف إن هناك "أدلة قوية" على أن تنظيم حزب الله اللبناني يقف خلف الهجوم. قال تسفيتانوف إن الاثنين المشتبه بهما لديهما جوازي سفر كندي وأسترالي وعاشا في لبنان. حسب يوروبول (وكالة إنفاذ القانون التابعة للاتحاد الأوروبي)، فإن أدلة قضائية ومصادر استخباراتية تشير جميعها إلى تورط حزب الله في الانفجار. نفت إيران وكذلك حزب الله أي ضلوعٍ لهما في الهجوم. 

في الخامس والعشرين من يوليو 2013 نشرت وزارة الداخلية البلغارية صورًا لعملاء حزب الله الاثنين المشتبه بهما في التفجير: المواطن الأسترالي ميلاد فرح (المعروف أيضًا باسم "حسين حسين")، والمواطن اللبناني-الكندي حسن الحاج. في عام 2013، وكردٍ على الهجوم ضمن عواملٍ أخرى، صوت الاتحاد الأوروبي بالإجماع لصالح إدراج الجناح العسكري لحزب الله كمنظمةٍ إرهابية. 

هجمات إيل دو فرانس - يناير 2015

ما بين الحادية عشرة والنصف من صباح السابع من يناير 2015 إلى السادسة من مساء التاسع من الشهر نفسه وقعت سلسلة هجماتٍ إرهابية في أرجاء منطقة إيل دو فرانس، وخاصةً في العاصمة الفرنسية باريس. أسفرت الهجمات عن مقتل سبعة عشر شخصًا، بالإضافة إلى منفذيها الثلاثة، وإصابة اثنين وعشرين آخرين. لم يسفر هجومٍ خامس بالرصاص عن أي خسائر. أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن الهجوم وقال إنه جرى الإعداد له على مدار سنواتٍ عدة.

بدأت الهجمات في السابع من يناير عندما هاجم مسلحان مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة، ما أسفر عن مقتل اثني عشر شخصًا وإصابة اثني عشر آخرين قبل أن يلوذا بالفرار. في التاسع من يناير تتبعت الشرطة المعتدين إلى منطقةٍ صناعية في بلدية دامارتان أون غويل، حيث كانا يحتجزان رهينة. أطلق مسلحٌ آخر النار على ضابط شرطة في الثامن من يناير واحتجز رهائن في اليوم التالي بمتجر أطعمةٍ يهودية.

قامت قواتٌ خاصة مشتركة من الشرطة الفرنسية والقوات المسلحة الفرنسية بهجومين متزامنين على الموقعين اللذين تم احتجاز الرهائن بهما. تم قتل الإرهابيين الثلاثة، بالإضافة إلى مقتل أربعة من الرهائن في متجر الأطعمة قبل التدخل. هناك مشتبهٌ بها رابعة هربت من فرنسا إلى الأراضي الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي حياة بومدين أرملة أميدي كوليبالي منفذ الاعتداء على متجر الأطعمة اليهودية. اعتبرت تلك الهجمات أكثر الهجمات الإرهابية دموية في تاريخ فرنسا منذ تفجير قطار فيتري لو فرانسوا عام 1961 من قِبَل منظمة الجيش السري، وذلك بالطبع قبل وقوع هجمات باريس الأخيرة في الثالث عشر من نوفمبر والتي أسفرت عن مقتل مائة وتسعة وعشرين شخصًا بالإضافة إلى منفذيها السبعة وإصابة ثلاثمائة واثنين وخمسين آخرين إصابة ستة وتسعين منهم خطيرة، والتي تعد الهجمات الأكثر دموية في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية والأكثر دموية على مستوى الاتحاد الأوروبي منذ تفجيرات مدريد 2004. 

اقرأ/ي أيضًا: الطيران فوق عش "داعش"