20-يونيو-2021

الشاعرة والكاتبة آية منصور

آية منصور شاعرة وكاتبة وصحفية عراقية، نشرت مجموعتين شعريتين هما "غابة الأصابع" و"وحدها تغني"، ومجموعتين قصصيتين هما: "أليس في بغداد" و"صورة شمسيّة"، بالإضافة إلى مسرحية بعنوان "غير مرئي".


  • حين تتحدثين عن ثورة تشرين وعن ساحة التحرير تحديدًا، تتحدثين وكأنك تصفينَ وطنًا كانت غايتكم الوصول إليه. هل استطاعت ساحة التحرير أن تعطيكم شعورًا، ولو كان مؤقتًا، بوطنٍ حُرّ ومساحة آمنة للجميع دون التطرق إلى المذهبية أو الدين؟

هذا المؤقت هو ما نبحث عنه، كل شيء في الحياة مؤقت، ولربما سريعًا مثل ضحكة طفل. لكن كان يكفينا أن نجعل من المؤقت عمرًا أبديًا، نعتاش على ذكرياته، ونحلم بعودته، ونؤمن بطريقه الذي سيعود يومًا.

آية منصور: شعرت أن الشارع العراقي سرق يديّ التي تحب الكتابة كثيرًا، ووضعهما قرب وجوه كادحة ومبتسمة حول الخراب الهائل الذي يعتاش علينا

  • إلى أيِّ حَدّ قربك عملك في الصحافة المجتمعية من الشارع العراقي؟ وما تأثير ذلك على عملك ككاتبة أدبية؟

لا أعلم كيف بدأ الأمر، فجأة شعرت أن الشارع العراقي سرق يديّ التي تحب الكتابة كثيرًا، ووضعهما قرب وجوه كادحة ومبتسمة حول الخراب الهائل الذي يعتاش علينا. أمّا بالنسبة لكتابة الأدب فلم يكن الأمر سهلًا، ولطالما شعرت بتأنيب ضمير كبير، لتركي -ولو مؤقتًا- فكرة كتابة الشعر والقصص. لكن ما الفائدة من شعر دون حياة في قلبك؟ قلبي صار ينبض أكثر مع كل قصة تصادف طريقي في الشارع، فتذهب روحي ويداي باتجاه أصحابها. لوهلة، تنسى أنك كاتب وصحافي وتسقط كل تلك المسميات التي لا حاجة لها أمام حكاية تنعش عينك بالضحك، أو البكاء. الصحافة والأدب لا يختلفان كثيرًا، آية التي تدون قصائد الحرب على ألسنة ضحاياها، هي نفسها التي تحاول صياغة جمل أقل تعقيدًا.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة نور عسلية

  • تتحدثين عن الحريّة في مجال الكتابة في العراق، هل حقًا ليس ثمّة خطوط حمراء؟ وهل يستطيع الكاتب العراقي أن يكتب ما يشاء وبدون أدنى رقابة؟

سأخبرك شيئًا قد لا تصدقينه، جميع معارض الكتاب في العراق تسمح بوجود جميع أنواع الكتب، والعناوين المثيرة للجدل، ولا يوجد مطلقًا أيّ منع لأي كتاب قد يُمنع في دول مجاورة، لكن المفارقة الهائلة، هي أنك لا تستطيعين كتابة مقال تتحدثين فيه عن الحكومة وأحزابها وتشيرين إلى أنهم قتلة ولصوص، هذه العبارات قد تضيع عمرك، وحتى هذه اللحظة أنا في حيرة من أمري ولا أستطع معرفة إذا ما كان الكاتب حقًّا حرًا هنا، او أنه مقيد بسلال الحكومة والأحزاب.

  • كشاهدة ومتواجدة خلال الحدث في ثورة تشرين وفي ساحة التحرير، إلى أي حد أضاف وجود المرأة تغيرًا في المواجهة والتصدي والمطالبة بالحقوق؟

النسوة هناك كُنَّ بمثابةِ وطنٍ أو منزل صغير. ستجدينها تقدم الطعام، الإرشادات، تغسل الثياب، وتقوم بإسعاف الجرحى، وتتظاهر. كانت هناك فجوة كبيرة، لنقل إن جزءًا منها تم ترميمه خلال ثورة أكتوبر، لدرجة أنّي لم أشعر يومًا أننا مقسمون لنساء ورجال، كنا عائلة كبيرة واحدة تريد وطن.

  • لو أتيحت لك الفرصة، هل تترك العراق بدون عودة؟

لا أعلم، قد تنفد طاقتي يومًا، أحيانًا أحسد من استطاع الهجرة وامتلك القدرة على السفر، وأحيانًا أتمنى أن تنفد بطارية صبري، لكن حتى الآن أنا مشحونة بالصبر والحب للبلاد وسكانها ومدنها، حتى الآن أنا أقاوم للاستمتاع ولو بشكل مؤقت برؤية دجلة.

هل ثمّة حكاية لا تزال عالقة في ذهنك من الحكايات الكثيرة التي كتبتها على لسان أهل العراق؟

كل الحكايات مرسومة بعناية في روحي، لا أتخيل آية من دون كل تلك القصص مجتمعة، ولو نسيت واحدة سأشعر بتأنيب ضمير كبير، فما من قصة إلا ومنحتني الحب رغم كل شيء. ولو دونت واحدة دون أخرى، ستزعل القصص الثانية، وجميعهن عزيزات على قلبي، لأقل فقط إن جميع العراقيين يشتركون بخصلة تؤهلني دائمًا للبحث المستمر عنهم: الكرم والترحاب الكبير، لدرجة أنني أنسى أنني أصادفهم للمرة الأولى والاخيرة لربما، بأسلوبهم وعباراتهم وطعامهم اللذيذ وبيوتهم الدافئة، أشعر وكأني جزء منهم.

  • ما هو أصعب شيء تواجهينه كامرأة كاتبة أولاً ثم ككاتبة شابة؟

كفتاة تكون الصعوبات مضاعفة، لكنني لم أمنح هذه الضغوطات شيئًا من طاقتي، كنت في السنوات الأولى أعاني وأبكي، لكن قصص الأخريات التي صادفتني وأوجاعهنّ كانت بمثابة حقنة مهدئة لقلبي، صرت أشعر أن مشاكلي لا تعادل عشر ما تعانيه النساء الأخريات، وحتى الرجال والاطفال الذين لا يعلم عنهم أحد.

  • في مقالٍ لك بعنوان "الحياة هي كيف تشعر بالخوف في بلدك" تحدثتِ عن الخوف من كل شيء، وذلك سببه الظروف القهرية التي تحيط بالعراقي من كل جانب. هل مرَّ يوم عليكِ في العراق من دون أن تشعري فيه بالخوف؟

الخوف خصلة أبديّة مشتركة في حياة العراقيين أجمع، أن تخاف حتى وأنت في سريرك داخل العراق هو أمرٌ طبيعي. وأنا أخافُ من كل شيء وعلى كل شيء؛ لكنني جعلت هذه الصفة بمثابة صفحة من صفحات حياتي التي لا أوّد تمزيقها مطلقًا، لأن الخوف هو الحافز الأساسي في بلد متخم بالحروب. أجرب أحيانًا عند خروجي أو عملي او حتى انتظار اتصال من عائلتي وأحبابي ألا أخاف، لكن الأمر لم يعد بيدي، تخيلي أنَّ صاروخًا قد يمر في لحظة قربك، ماذا ستفعلين؟ تخيلي أن تعيشي لسنوات وطريقك المؤدي إلى المدرسة ممتلئ بالجثث. الخوف هو ابن الحرب، والحرب مكثت في العراق منذ الأزل، ويبدو لي إنّها أحبّت المكان والناس.

آية منصور: حتى الآن أنا مشحونة بالصبر والحب للبلاد وسكانها ومدنها، حتى الآن أنا أقاوم للاستمتاع ولو بشكل مؤقت برؤية دجلة

  • كتبت مرة تقولين: أكتب لأستخرج الحروب من رأسي. هل تخلصتِ بالكتابة من حروبك ومن الجثث التي صادفت طريقك إلى المدرسة؟

ما زلت، وما زالت الحرب تدور في رأسي مثل حلقة هيلا هوب. تأتي عَليَّ بوجوه مختلفة، توقظني من نومي، وتردد عليّ عبارات من رحلوا، تذكرني بأسمائهم، وتعود، كل مرة تعود، بهيئة جديدة وسنة جديدة، حتى أني صرت شبه مهووسة بها، ذلك أني كلما حاورت أحدهم سألته: حدثني عن أيامك في الحرب، كيف كانت؟ وكأني أخذت على عاتقي أن أعرف كيف عاشوا جميعهم، كيف هربوا منها، وهل ما زالت في رأسهم مثلي؟ أم تخطوها؟

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يولاندا غواردي: مهمة الأدب تدمير الكليشيهات

  • كتبت مرة عن تجربتك مع التنمر، وعن التحديات التي واجهتك في كونك فتاة يميل لون بشرتها إلى السُمرة. لماذا باعتقادك لا يستطيع المجتمع العربي الخروج عن القوالب الجاهزة، والتخلّص من الصور النمطية والعنصرية؟

لأن التغيير يتطلب جهدًا وطاقة هائلين، ولأننا اعتدنا على أن تكون أرواحنا بهذه القسوة دائمًا.

  • أخيرًا، بعد "غابة أصابع" و"وحدها تغني"، متى ستعودين لكتابة مجموعات شعرية؟ وهل تفضلين كتابة الشعر أم كتابة القصص؟

في الحقيقة لا أعلم، لكن لنقل إنّ القصائد تعيش سباتًا موسميًا، وما إن تقرر الاستيقاظ سأستقبلها كما تستقبل الأم أولادها. أفكر كثيرًا بالقصائد التي ما زالت محشورة في رأسي ولم تخرج، وأنا أمنحها الوقت الكافي. أؤمن أن كل محاولة لكتابة قصة تعني فتح نافذة في جدار قديم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| غرادا كيلومبا: الأبيض ليس لونًا

حوار| سعيد ناشيد: نعيش في عالم غير آمن