04-أغسطس-2016

(أساهي شيمبان/Getty) اليرموك.. أو ما تبقى

لا يفهم المرء كيف يستطيع شبيحة النظام السوري في تونس، مهاجمة مؤتمر "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد: الواقع والطموح"، الذي يقيمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ساعيًا إلى البحث  في آليات المقاطعة وأجدى وسائلها. متهمينه بأنه مؤتمر "تطبيع"!

لم ينتبه من يسوق تهمة التطبيع اليوم على دعاة ومناضلي المقاطعة، أنه يقوم  بذلك بالتزامن مع هجوم الإعلام الإسرائيلي والبريطاني على المؤتمر نفسه

الحديث عن وصف المؤتمر بهذه الطريقة له سياق كامل ومتواصل، وإن بدا عبثيًا ومن دون أي مبرر أو معنى.  لم يتبرع هؤلاء  المقتحمون، وهم أقل عدد من أصابع يدين- بجزء من وقتهم، حتى يقرأوا خلفية المؤتمر وبرنامجه وأهدافه، أو أن يتعرفوا على أسماء المشاركين فيه، وتجاربهم النضالية والمعرفية النقدية، كباحثين أو كناشطين. واكتفوا بتقديم أنفسهم مقيِّمين لأخلاق الآخرين السياسية والوطنية. لم ينتبه من يسوق تهمة التطبيع اليوم على دعاة ومناضلي المقاطعة، أنه يقوم  بذلك بالتزامن مع هجوم الإعلام الإسرائيلي والبريطاني على المؤتمر نفسه، وما نشرته صحيفة التلغراف البريطانية اليوم دليل من يريد دليلًا.

 اقرأ/ي أيضًا: ماجستير الدراسات الإسرائيلية ببيرزيت: أول من نوعه 

لا يبذل من يرفع علم النظام السوري ويهتف لفلسطين وضد قطر وأمريكا في تونس اليوم، جهد البحث عمن رفض التدخل الأمريكي في كل أوقات هذا الصراع، في اللحظة التي خرج فيها وليد المعلم يتمسح ببلاط جيش التحالف الدولي، بحجج ضرورات مقاتلة داعش والإرهاب الإسلامي. ولا يعرف من يرفع علم فلسطين والنظام السوري في نفس الوقت، تاريخ إجرام كامل ارتكبته العائلة الحاكمة في سوريا ضد الشعب الفلسطيني وضد قضيته العادلة.
 
لو منحنا  من يهاجم المؤتمر في تونس اليوم، ولو يمنح نفسه قليلًا من الوقت، حتى يعرف أو يتذكر ربما، أن من يهتف ضدهم اليوم، كانوا على صفحات جرائد جماعته الأولى، وأن من يصف العلاقة معهم كتطبيع اليوم، كانوا أمراء للمقاومة على حد وصف أسياده. لم يتغير شيء عليهم، إلا موقعهم من مسطرة المصالح، بعد أن غيرت الثورة السورية، خريطة أصدقاء وأعداء النظام المهدد.
 
هذا التقاطع بين الشبيحة ووسائل الإعلام ونشطاء وصحفيين إسرائيليين ليس جديدًا، فقد تشاركوا في الهجوم على المركز العربي للأبحاث وعلى شخص الدكتور عزمي بشارة أكثر من مرة، وبحث سريع على صحف إسرائيلية  يوضح هذه النتيجة.

يبدو الرأي القائل  اليوم بأن استخدام  فلسطين وعروبتها لم يكن يومًا إلا مبررًا للدكتاتوريات والأنظمة الفاشية، قولًا واضحًا لا يقبل كثيرًا من النقاش، حيث يتم استخدام فلسطين لاتهام مناضليها، ومن وقفوا بجد لا في خطاباتهم وهتافاتهم ومقولاتهم الكبرى معها، ولكن مناضلين وقفوا عمليًا ضد أي علاقة مع إسرائيل، منادين بمقاطعتها جديًا، ومحاولين ابتكار وسائل وآليات جديدة للقيام بمشروع المقاطعة هذا، دافعين ثمن ذلك بتضحياتهم بكل رحابة صدر. من يستخدمون فلسطين مبررًا لفاشيتهم يسقطون اليوم، فيطردهم فلسطينيون مناضلون من المؤتمر، ويخرجون ذليلين كما كانوا دائمًا.

أهم ما يمكن استنتاجه من الحدث اليوم، هو هشاشة الادعاء بمناهضة التطبيع أيضًا. كيف يمكن أن يرمى هذا الاتهام جزافًا ومن دون أي مبرر، حتى على المشاركين في مؤتمر يناهض بالأساس التطبيع. يظهر التطبيع اليوم بوضوح كمبرر لا أكثر، وكاتهام يحاول من خلاله من يدعون مناهضته، وقوفهم ضد مواقف سياسية معينة، ويصفون حساباتهم مع من وقف مع ثورة الشعب السوري.

ما يحدث اليوم هو اعتراف الشبيحة أنفسهم، أن كل مواقفهم لا معنى لها ولا أسباب ورائها سوى غيظهم من كل من وقف مع الثورة في سوريا

فالفكرة كلها أن هناك من منحوا أنفسهم شرعية تصنيف الناس، على مسطرة تحددها مصالحهم العملية جدًا. فيعتقد سامع شعارتهم الكبرى، أن أعداءهم اليوم أعداؤهم الأزليون، وحلفاءهم اليوم حلفاؤهم من قبل التاريخ. ولا يبذل الواحد الغر منهم جهد البحث عن هتافات جماعته أنفسهم قبل خمس سنوات أو أكثر بقليلٍ أو كثير.
 
ما يحدث اليوم هو اعتراف الشبيحة أنفسهم، أن كل مواقفهم لا معنى لها ولا أسباب ورائها سوى غيظهم من كل من وقف مع الثورة في سوريا، وكل من يكشف حقيقة مناصرتهم للأنظمة، ويضع كل خطاباتهم الدعائية الكبرى في أماكنها الحقيقية، إذ تصبح فارغة من معناها الذي لم تملكه يومًا خارج عباءة الدكتاتوريات الفاشية ، يكون مرشحًا لحملات التهريج بغلاف الأخلاق والأيدولوجيا الفاشية.

 اقرأ/ي أيضًا: 

كيف يساهم "مناهضو التطبيع" في تفتيت الإجماع ضده؟

عشقي في تل أبيب.. تعقيب بشأن التطبيع