04-نوفمبر-2016

آنا بوليتكوفسكايا(نوفايا غازيتا/Epsilon)

آنا بوليتكوفسكايا، صحفيّة روسيّة معارضة، عرفت بدورها الرائد في تغطية الحرب الشيشانية. وقد كانت تغطّي أحداث الحرب على الشيشان وعواقب تلك الحرب على مدار تسع سنوات، بدءًا من العام 1999، حيث كانت تسافر إلى الشيشان لصالح صحيفة تدعى "نوفايا"، وكانت تخاطر بحياتها من أجل أن تنقل قصص القصف العشوائي والعمليات الهمجيّة التي كانت تقوم بها القوات الخاصّة الروسية، وفظائع القتل وحالات الاختفاء والخطف والتعذيب للمدنيين.

كانت آنا بوليتكوفسكايا تسعى إلى تعرية السلطة في روسيا والشيشان وانتقاد العنف الرسمي الذين تمارسه السلطات ضد المعارضين والمنشقين

وقد حازت آنا العديد من الجوائز الصحفيّة العالميّة، وقد أدّت دورًا في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2002 في التفاوض مع مجموعة من المسلحين الشيشان الذين اقتحموا مسرح دوبروفكا في موسكو واحتجزوا رهائن فيه. كما سعت آنا للمشاركة في التفاوض مع المسلحين الشيشان الذين اقتحموا مدرسة بيسلن عام 2004، ولكنّها منعت من الوصول هناك وتعرّضت لتسمّم غريب على متن الطائرة التي كانت تحملها إلى تلك المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا:  حرية الصحافة 2016..معركةٌ في سبيل الرسالة المهيمنة

كانت الحكومة الروسيّة تحرص على إعاقة تواجد الصحفيين المستقلين في أماكن هذه الحوادث، وكانت وسائل الإعلام الرسميّة تسعى إلى تحريض الناس ضدّ الصحفيين المستقلين، لتجعل ذلك أحد مخارجها في تفسير فشلها في التعامل مع تلك الأزمات. ففي مسرح دوبروفكا، قضى أكثر من 130 شخصًا، ليس على يد المسلحين وإنّما بسبب الاختناق والتسمّم من الغازات التي ألقتها أجهزة الأمن الروسية داخل المسرح قبل اقتحامه. كما فشلت تارة أخرى في مدرسة بيسلن حين أصرّت قوّات الأمن على اقتحام المدرسة فقتل في العملية أكثر من 300 شخص معظمهم من الأطفال.

وفي حين كان تركيز الإعلام الروسي الرسميّ على جرائم المتطرفين الشيشان، كانت آنا بوليتكوفسكايا تنشر تقارير مرعبة بخصوص الرئيس الشيشاني أحمد قاديروف، وكشفت بعض الفضائح التي تورّط بها مسؤولون في أجهزة الأمن الشيشانية بالتعاون مع الحكومة الروسية والتنسيق معها حتّى أنّها وصفت قاديروف بأنّه "تنّين" الكرملين الصغير، وطالبت بمحاكمته.

لقد كانت آنا تسعى دومًا في تقاريرها إلى تعرية السلطة في روسيا والشيشان وانتقاد العنف الرسميّ الذين تمارسه السلطات ضدّ المعارضين والمنشقّين، محاولة تسليط الضوء على الاستبداد والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان، في روسيا والشيشان، والذي يفسّر الكثير من أعمال العنف التي تجري في البلاد.

وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2006، تعرّضت آنا للاغتيال وهي في مصعد البناية التي تقطن بها في موسكو، حيث أطلق مجموعة من الأشخاص النّار عليها فتلقّت رصاصتين في الصدر، وواحدة في الكتف، وأخرى في الرأس. ومن بين أيّام السنة جميعها، كان على اغتيال آنا أن "يصادف" ذكرى اليوم الذي يحتفل به فلاديمير بوتين بذكرى ميلاده، مما أثار ويثير حتّى الآن كثيراً من التكهّنات حول الجهة الحقيقية التي دبّرت أمر اغتيالها، كما يثير تساؤلات عن واقع العمل الصحفيّ في "روسيا بوتين".

في 7 أكتوبر 2006، تعرّضت آنا للاغتيال وهو ما يثير لليوم تساؤلات عدة عن واقع العمل الصحفيّ في روسيا بوتين

اقرأ/ي أيضًا:  صحفيو تونس.. صراع الحريات والإرهاب

من يعرف آنا من زملائها الصحفيين وحتّى العاملين في مجال حقوق الإنسان، الذين ناصبتهم العداء هم أيضًا حين اتهمتهم بالإحجام عن فتح ملفّات ضحايا التحرّكات العسكريّة الروسيّة في الشيشان بسبب الخوف، الذي يرقى في نظرها إلى درجة التواطؤ، يصفنها بأنها جسورة حدّ الجنون، وأنّ أسلوبها الصلب والمتهوّر قد كان كفيلًا بتربية العديد من العداوات مع أناس يمتلكون يدًا طائلة وذاكرة طويلة.

لم تكن آنا الصحفية الأولى التي تقتل في روسيا بوتين، فالمؤسسات المختصة بحماية الصحفيين كثيراً ما صنفت روسيا على أنّها من بين الدول الأكثر خطورة لعمل الصحفيين والمراسلين. فقد قتل في روسيا منذ العام 1992 أكثر من 52 صحفيًا، عدا عن الصحفيين الذين يتعرضون للضرب والمضايقات والتهديدات أو السجن بعد كشفهم جرائم يرتكبها بعض رجال الأعمال أو السياسة أو الجيش في روسيا.

في عام 2014، خضع خمسة أشخاص للمحاكمة بتهمة قتل آنا، أربعة منهم من الشيشان والخامس مسؤول سابق في الشرطة الروسية. اثنان من هؤلاء حكم عليهم بالسجن المؤبد، والثلاثة الآخرون تلقوا أحكامًا تتراوح بين 12 و20 عامًا. أمّا الجهة التي أوعزت بقتلها فلا تزال مجهولة حتّى الآن.

وفي مقابلة أجريت مع آنا بوليتكوفسكايا قبل فترة وجيزة من اغتيالها، حين أرسلها رئيس تحرير الصحيفة، التي تعمل بها، إلى فيينا للحفاظ على حياتها بعد أن تلقّت العديد من التهديدات من شخصيّات رسميّة، بعد نشرها بعض التحقيقات الصحفيّة الجريئة. وقد تحدثت في هذه المقابلة عن خوفها من المستقبل وشعورها بالذنب لأنّها هاربة من مصيرها، فقالت: "لا أحدَ يكترث حقًا بحياتي أو كيف أحافظ عليها. إنني محرومة من عائلتي، ولا أعرف ما الذي سيحلّ بطفليّ الاثنين في المستقبل. ليس القانون هو ما يسود في روسيا اليوم. ليس هنالك شخص ولا مؤسسة يمكن الاعتماد عليها لضمان أن يكون للقانون أي حضور حقيقيّ.

وأضافت: "إن كان الناس في بلادي لا يمتلكون ما يقيهم بطش هذا النظام، فهذا يعني أنّني أعيش هنا الآن في أمان بينما يتعرض الآخرون لخطر الموت. لقد وجدت نفسي في هذا المأزق كثيرًا خلال السنة الماضية. لقد قُتل بعض الشهود الذين التقيتهم وتحدثت إليهم في الشيشان، وكان بعضهم يتعرض للموت بعد خروجي من منازلهم، وأنا هنا آمنة. كيف لي أن أستمرّ في العيش في الخارج بينما يموت الآخرون بدلاً عنّي؟".

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحافة في مصر : تهمة كافية!

مطالب بتصنيف الصحافة ضمن المهن الشاقة في الجزائر