29-يوليو-2020

رسخت الخطوة السعودية من هيمنة الانقلابيين على عدن (تويتر)

ألترا صوت – فريق التحرير

أعلنت السعودية عن توصلها لما قالت إنها آلية تسرع من تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، دون أن يتم الإعلان عن التوصل لاتفاق نهائي بشأن الأزمة التي تضرب الطرفين البارزين في الصراع اليمني الراهن، في وقت أعلن المتحدث باسم المجلس الانتقالي تخليهم عن فكرة إنشاء إدارة حكم ذاتي في مناطق الجنوب تمهيدًا لتطبيق بنود اتفاق الرياض.

لم تمض ساعات  قليلة على الاتفاق الذي قدمه الإعلام السعودي باعتباره إنهاء لواقع الانفصال والتشظية في اليمن، حتى تداولت تقارير أنباء عن تعيينات رسخت السيطرة الفعلية للانفصاليين على المحافظة

ورغم الاحتفاء الواسع في الإعلام الموالي للسعودية بالخطوة، فإن أصواتًا شككت بفاعليته في وقف التصعيد المستمر في اليمن من سنوات، مستشهدين بفشل المفاوضات التي قادتها الرياض طوال الفترة الماضية، نتيجة الوضع غير المستقر في البلاد، والخروقات العسكرية المتواصلة من قبل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا، بالإضافة إلى الشعور المتنامي داخل بعض أوساط حكومة هادي، بأن هناك تواطؤًا سعوديًا مع المساعي الانفصالية والتوسعية التي تقودها أبوظبي، من خلال دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وعشرات الميليشيات القبلية. في حين تبين بعد ساعات فقط من الإعلان السعودي، أن قرار المجلس الانتقالي التخلي عن إنشاء إدارة حكم ذاتي، لم ينه سيطرته الفعلية على المحافظة عقب انقلابه على حكومة هادي، وهو ما كشفته سلسلة تعيينات استفاد منها قيادات فيه، تم الإعلان عنها في وقت متأخر من مساء الأربعاء.

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل التواجد الإماراتي في اليمن بعد اتفاق الرياض؟

وقالت وكالة الأنباء السعودية نقلًا عن مصدر مسؤول إن الرياض قدمت للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي تصورًا لآلية تسريع العمل باتفاق الرياض "عبر نقاط تنفيذية تتضمن استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد" بين الطرفين، مشيرًا إلى إعلان المجلس الانتقالي "التخلي عن الإدارة الذاتية وتطبيق اتفاق الرياض وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن"، فضلًا عن تكليف رئيس الوزراء محمد عبد الملك سعيد بتشكيل حكومة كفاءات خلال 30 يومًا.

كما أوضح المصدر أن الآلية التي اقترحتها الرياض تضمنت "خروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة وفصل قوات الطرفين في (أبين) وإعادتها إلى مواقعها السابقة، وإصدار قرار تشكيل أعضاء الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب بمن فيهم الوزراء المرشحون من المجلس الانتقالي الجنوبي"، على أن "يباشروا عملهم في (العاصمة المؤقتة) عدن استكمالًا لتنفيذ اتفاق الرياض في كافة نقاطه ومساراته".

في ذات السياق، وبعد وقت قصير من إعلان الرياض عن التوصل لآلية تسرع بنود الاتفاق، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي نزار هيثم في سلسلة من التغريدات إنه "يعلن التخلي عن إعلان الإدارة الذاتية، حتى يتاح للتحالف العربي تطبيق اتفاق الرياض"، فيما أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية راجح بادي حرصهم على تنفيذ بنود الاتفاق كاملًا، معربًا عن أمله بأن يكون ذلك "بداية جادة وحقيقية للمضي قدمًا وسريعًا في تنفيذ بنود الاتفاق وفق الفترات الزمنية المحددة".

فيما كانت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي قد وقعا اتفاقًا في العاصمة الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لحل الإشكالات العالقة بينهما عقب سيطرة المجلس الانتقالي على عدن، وإلى جانب البنود الرئيسية فإن الاتفاق تضمن ملحقات للترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأخرى للترتيبات الأمنية بين الطرفين، غير أن المجلس الانتقالي انقلب على اتفاق الرياض، المشكوك بدوره الحقيقي، ببسط سيطرته على النسبة الأكبر من مناطق الجنوب مطالبًا بالانفصال عن الشمال الخاضع لسيطرة الحوثيين.

كما بدأ المجلس الانتقالي مدعومًا من أبوظبي بالانقلاب على الحكومة اليمنية المدعومة من الرياض في آب/أغسطس الماضي، وقامت قواته بالسيطرة على مدينة عدن، التي اتخذتها الحكومة اليمنية عاصمةً مؤقتة لها بعد سيطرة جماعة أنصار الله الحوثي المدعومة من طهران على العاصمة صنعاء، ردًا على رفض عبد ربه هادي مطالبهم بإقالة الحكومة، وإلغاء قرار رفع الدعم عن الوقود في أيلول/سبتمبر من العام 2014، مما أدخل البلاد في صراع عسكري بالوكالة أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلًا عن الأوبئة التي اجتاحت المدن اليمنية بسبب الحرب الطاحنة.

ومع تصاعد الاشتباكات بين قوات الحكومة من جهة، وقوات المجلس الانتقالي التي تنادي بالانفصال من طرف، أعلن الانتقالي الجنوبي في نيسان/أبريل الماضي إقامة حكم ذاتي في المناطق الواقعة تحت سيطرته في الجنوب، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن بدعم من أبوظبي. وقوبل إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في 26 أبريل/ نيسان الماضي ما سماه "إدارة ذاتية" لمحافظات الجنوب الجنوبي، برفض عربي ودولي، فضلًا عن رفض ست محافظات جنوبية من أصل ثمانية إعلان الإدارة الذاتية للجنوب من قبل المجلس الانتقالي.

تشكيك بدور ونجاعة الاتفاق

على النقيض من الرواية التي أعلنتها الرياض من أن الاتفاق سيسرع من التقريب بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي لتوحيد قوتهم في مواجهة الجماعة الحوثية، فإن الباحث اليمني عبد الناصر المودع أشار إلى أن المعطيات الحالية للواقع اليمني تؤكد على "عدمية الحل السياسي"، مرجعًا أسباب ذلك إلى طبيعة القوى المتصارعة في اليمن، والتي وصفها بأنها "ذات خيارات صفرية اتجاه بعضها البعض".

وأوضح المودع في مقابلة أجريت مع وكالة الأناضول بالتزامن مع التطورات الأخيرة التي من جانب الحلفاء المتخاصمين أمس الثلاثاء، أن الخلاف الناجم بين الحليفين الخليجيين، ترجع أسبابه لمحاولة الرياض إظهار نفسها بأنها "المتحكم الوحيد بالشأن اليمني"، مضيفًا بأنه "عندما أعلنت التحالف (العربي في اليمن) أرادته أن يساعدها في تحقيق أجندتها وليس بأن تأتي دول أخرى بأجنداتها الخاصة".

يضيف في هذا السياق مشيرًا لاختلاف أجندة أبوظبي عن حليفتها الرياض، والذي يظهر عبر "رغبتها وطموحها بأن يكون لها نفوذ في مناطق كثيرة من العالم وتحديدًا في اليمن الذي هو قريب منها"، مشيرًا إلى أن أبوظبي تتطلع لأن "تكون مسيطرة على شواطئ خليج عدن والبحر العربي وجزء من البحر الأحمر وأن تتحكم بهذه المنطقة بشكل أو بآخر".

بينما ختم المودع حديثه للوكالة بالقول إنه لهذه الأسباب تصطدم "الإمارات في الواقع العملي مع الأجندة السعودية"، مضيفًا بأنه رغم أن أبوظبي تقدم نفسها على أنها "حليفة ظاهرية" للرياض، فإنها كذلك لا تريد أن تتركها وحدها "تتحكم باليمن، وأن تكون دولة كاملة الوصاية على اليمن"، مشيرًا لوجود "تاريخ من الشقاق والعداء الخفي"، وبالتالي فإن أبوظبي و"كأنها تريد أن تبقي الرياض غارقة في المستنقع اليمني".

شرعنة للانقلاب؟

لم تمض ساعات  قليلة على الإعلان الذي قدمه الإعلام المقرب من السعودية والإمارات، باعتباره إنهاء لواقع الانفصال والتشظية في اليمن، حتى تداولت تقارير في وقت متأخر من مساء الأربعاء، أنباء عن تعيينات جديدة في عدن، رسخت السيطرة الفعلية للمجلس الانتقالي الداعي للانفصال على المحافظة، في ما بدا وكأنه تأكيد على واقع ما بعد الانقلاب، لكن بأوامر من حكومة هادي.

اقرأ/ي أيضًا: خروقات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن.. اتفاق الرياض الذي ولد ميتًا

وقام هادي بتعيين قياديين انفصاليين في منصبي المحافظ ومدير الأمن، ما عزز من الآراء التي أكدت خلال الفترة الماضية، وجود ترتيبات سعودية إماراتية بشأن مستقبل المحافظة، فيما قد يقود إلى إنهاء الحكومة اليمنية المعترف بها، وبدء مرحلة جديدة تقودها الميليشيات الانفصالية، وترسخ من المساعي التوسعية التي تقودها أبوظبي.

قام هادي بتعيين قياديين انفصاليين في منصبي المحافظ ومدير الأمن، ما عزز من الآراء التي أكدت خلال الفترة الماضية، وجود ترتيبات سعودية إماراتية بشأن مستقبل المحافظة

وبعد تنازل المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية، جاءت المفارقة بتعيين أحمد حامد لملس، وهو عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، محافظًا لعدن، بينما تم تعيين أحمد محمد الحامدي كمدير أمن المحافظة.

بهذا يقف اليمن، ومنه المحافظات الجنوبية، أمام باب تحولات غير مبشرة في أدنى التقديرات. خصوصُا في ظل استمرار الحرب السعودية الإماراتية المدمرة في عموم البلاد، رفقة كوارث بيئية وصحية  تتزاحم عليه، بينما لا يمتلك  ما يؤهله لمواجهتها كلها معًا.